حذرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، من أن تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بفرض تعريفات جمركية على أوروبا، قد تدفع القارة العجوز إلى التقارب مع الصين.
وذكرت المجلة أنه قبل أيام، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أصدر ترامب تهديدا واضحا للاتحاد الأوروبي، بتعويض ما وصفه بـ “العجز الهائل (في الميزان التجاري) من خلال الشراء على نطاق واسع للنفط والغاز الأمريكي، وإلا فستكون التعريفات الجمركية هي الحل”.
ورأت المجلة أن هذه التهديدات تأتي نتيجة لإحباطات ترامب تجاه أوروبا… ففي مقابلة أجريت معه مؤخرا، اتهم ترامب، الاتحاد الأوروبي، باستغلال “المصالح التجارية الأمريكية بشكل رهيب”، قائلا: “لا يأخذون سياراتنا؛ أو منتجاتنا الغذائية؛ لا يأخذون أي شيء، إنه أمر مخز”.
ونبهت إلى أنه استنادا لما سبق، فإن هناك خطرا حقيقيا من أن ترامب قد يفرض على الأوروبيين رسوم جمركية شاملة في اليوم الأول من ولايته الثانية لتصحيح ما يعتقد أنه عجز تجاري غير مقبول بلغ 131 مليار دولار في عام 2022.
وعليه، فإن الأوروبيين، من جانبهم، لديهم حاليا نحو شهر واحد فقط لإبرام صفقة مع ترامب لمنع حرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة وأوروبا، كما أنه سيكون من الحكمة أن يستمع ترامب، من جانبه، إلى مقترحات رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، خاصة وأن البديل هو شن حرب تجارية ضد (بروكسل) وبالتالي تمكين الأصوات المؤيدة لبكين في أوروبا من الضغط في اتجاه التقارب مع الصين.
ويشير التاريخ – وفقا لفورين بوليسي – إلى أن أي جهد من جانب أوروبا للشراكة مع إدارة ترامب سيكون معركة شاقة، ففي أبريل 2018، قدم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عرضا لترامب، قائلا: “دعنا نعمل معا، لدى كلينا مشكلة مع الصين”… ووفقا لتقرير إعلامي، رد ترامب بأن الاتحاد الأوروبي “أسوأ من الصين” ولم يتم تجنب التصعيد التجاري بين الجانبين إلا بعد مرور عام على ولاية ترامب الأولى عندما وعد رئيس المفوضية آنذاك “جان كلود يونكر” بشراء المزيد من فول الصويا والغاز الطبيعي المسال الأمريكي.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه يجب على ترامب حاليا أن ينظر إلى الكيفية التي طورت بها أوروبا أجندة طموحة للتعامل بجدية مع التهديدات التي تشكلها الصين على رخاء أوروبا وأمنها، وهي الأجندة التي تتماشى مع واحدة من أولويات سياسته (ترامب) الخاصة.
ففيما يتعلق بالتجارة، سعت المفوضية الأوروبية إلى إجراء عدد قياسي من التحقيقات في الممارسات الصينية التي تعتبرها “غير عادلة”، فعلى سبيل المثال، دفعت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، باتجاه فرض تعريفات جمركية للرد على المنافسة غير العادلة من قبل شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية، كما أن هناك دفعا أوروبيا لإعادة التقييم بشأن سياسات الصين التجارية في منظمة التجارة العالمية. أضف إلى ذلك تدابير “الحد من المخاطر” التي تبنتها فون دير لاين، والتي تتمثل في إعادة تقييم للمصالح الأمنية الحيوية التي تنطوي عليها إدارة العلاقات مع الصين، وتتضمن أيضا إجراء تقييمات لمعالجة اعتماد أوروبا على سلسلة التوريد الصينية وكذلك نقاط الضعف في البنية الأساسية الأوروبية.
لذا، يجب على إدارة ترامب عند اتخاذ القرار بشأن كيفية التعامل مع قضايا التجارة مع أوروبا، أن تنظر إلى ما هو أبعد من الإحباط إزاء السياسات الأوروبية التي ترى أنها “متأخرة للغاية” تجاه الصين.. فيتعين على ترامب إدراك أنه إذا قرر فرض تعريفات جمركية شاملة على أوروبا، فسوف يسحب البساط من تحت أقدام فون دير لاين ويعزز قوة الأصوات المؤيدة لبكين في مختلف أنحاء أوروبا، ولن يكون أمام المفوضية خيار آخر سوى تبني موقف الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتنفيذ وتعديل التدابير الانتقامية. وسيحتاج أغلب المسؤولين التجاريين والاقتصاديين في المفوضية الذين قضوا وقتهم في التعامل مع التحديات التي تفرضها بكين إلى إعادة النظر بشأن كيفية التعامل مع تعريفات ترامب.
كما أن هذا الإجراء – حال اتخاذه من جانب ترامب – سيمكن الأصوات المؤيدة لبكين، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من تعزيز دعوته للتقارب مع الصين، وستتزايد الضغوط السياسية المحلية للاستسلام لما وصفته المجلة بـ “عروض السحر” الصينية الساعية إلى تنشيط التعاون، خاصة في الدول التي تعتمد على التصدير مثل ألمانيا، كما أن اتخاذ أي إجراء حاسم ضد الصين، سيكون فرص تأثيره وفعاليته في هذه الحالة (فرض رسوم على أوروبا)، أقل احتمالا.
وعلى النقيض من المسار السابق، إذا اختار ترامب إعطاء المفاوضات مع أورسولا فون دير لاين وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين فرصة قبل فرض التعريفات الجمركية، فقد يتمكن من التوصل إلى اتفاق لائق بشأن التجارة، ودفع أوروبا إلى مسار أكثر قوة في التعامل مع بكين، كما أنه من شأن المفاوضات أن تمكن المسؤولين مثل فون دير لاين من دفع الدول الأعضاء إلى قبول تدابير الحد من المخاطر فيما يتصل بالتقنيات الحيوية.
وشددت المجلة الأمريكية على أن جانبا آخر مهما في عدم اتخاذ ترامب إجراء ضد أوروبا، يتمثل في تشجيع القارة الأوروبية على وقف أية مساهمات في التحديث العسكري الصيني، وهو الأمر الذي سيكون فعالا في الحفاظ على السلام الإقليمي والعالمي، حيث من غير المرجح أن تلجأ بكين إلى القوة إذا شعرت أن قواتها ليست على قدم المساواة مع قوات الولايات المتحدة وحلفائها.
وترى “فورين بوليسي” أن التعاون الأمريكي الأوروبي هو الأفضل للجانبين، حيث يمكن للأوروبيين، على سبيل المثال، مناقشة نهج مشترك مع ترامب فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بالمركبات ذاتية القيادة (وهي تكنولوجيا ذات إمكانيات مزدوجة الاستخدام)، حيث توشك إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الإعلان عن قواعد نهائية تضمن إبقاء المركبات الكهربائية الصينية والأجهزة والبرامج الرئيسية خارج السوق الأمريكية لأسباب أمنية. وسيكون من مصلحة الولايات المتحدة إلى حد كبير أن يتبنى الاتحاد الأوروبي (كواحد من أكبر الأسواق في العالم) لوائح مماثلة.
وأخيرا، وفي حين أن الاتحاد الأوروبي في وضع أكثر ضعفا مما كان عليه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، والأوضاع الاقتصادية السيئة في العديد من البلدان الأوروبية الرئيسية، إلا أن الاتحاد مازال يتمتع بالنفوذ للرد على الولايات المتحدة في أي حرب تجارية. لذا، من مصلحة ترامب استخدام النفوذ الأمريكي لإبرام صفقة مواتية مع الاتحاد الأوروبي بدلا من دفع القارة العجوز إلى التقارب أكثر مع بكين، وقد لا يجد ترامب زعيما أوروبيا أكثر انسجاما مع النهج الأمريكي تجاه الصين أكثر من رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية أورسولا فون دير لاين.