اختُتم مؤتمر المناخ “كوب 29” في نوفمبر كما كان متوقعاً، إذ جرى التوصل إلى التزام مخفف في اللحظة الأخيرة لدعم جهود التكيف العاجلة للدول النامية مع التغير المناخي.
ثم قادت الهند اعتراضاً متوقعاً بخطاب حماسي ينتقد المبالغ الضئيلة الموعودة، وهي لديها كل الحق في القلق، فهي تواجه مزيجاً خطيراً من التقلبات المناخية والهشاشة الديموغرافية نتيجة كونها دولة فقيرة ومكتظة بالسكان.
تتفق الآراء بشكل واسع على أن الهند ستكون أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم خلال العقد المقبل وربما بعد ذلك، إذ رفع البنك الدولي مؤخراً توقعاته لنمو الاقتصاد الهندي من 6.6% إلى 7% للسنة المالية التي تنتهي في 31 مارس المقبل.
ومع ذلك، تواجه الهند تحديات اقتصادية كبرى مثل البطء في الإصلاحات الهيكلية، والحواجز التجارية، والتشريعات الصارمة للقطاع المصرفي، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، حسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
لكن ما يغيب عن هذه التوقعات المتفائلة هو الدور المتزايد للتغير المناخي، وذلك رغم أن تأثيرات التحولات البيئية بدأت تظهر بوضوح في القطاع التجاري بالهند.
فعلى سبيل المثال، أشارت منصة توصيل الطعام “زوماتو” إلى أن الإجهاد الحراري تسبب في أرباح أقل من المتوقع في الربع الأول، كما أن شركة البنية التحتية “لارسن آند توبرو” بدأت في تعديل ساعات العمل للتأقلم مع الحرارة الشديدة.
والمفارقة أن مستويات التلوث في الهند بلغت أرقاماً قياسية خلال قمة “كوب”، مما أدى إلى إغلاق المدارس وتعليق الرحلات الجوية.
آسيا، وخاصة جنوبها، تتحمل العبء الأكبر من تقلبات المناخ العالمية، إذ تمثل القارة أكثر من نصف الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة، ما تسبب في موجات حرارة وجفاف وفيضانات وأعاصير وارتفاع مستويات سطح البحر.
ووفقاً لـ”البنك الدولي”، فإن أكثر من 80% من سكان الهند يعيشون في مناطق معرضة لكوارث مناخية.
في أكتوبر، حذر البنك الآسيوي للتنمية من أن التغير المناخي قد يضرب الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة تصل إلى 25% بحلول عام 2070.
هذا ليس سيناريو بعيداً، فثلث الاقتصاد الهندي مرتبط بقطاعات تعتمد على الطبيعة.
الجفاف المتكرر يهدد الإنتاج الزراعي، وقد ضربت بالفعل مدينة تشيناي حالة من شح المياه، فيما تضع موجات الحرارة ضغوطاً هائلة على شبكة الكهرباء.
وأشارت دراسة اقتصادية حديثة إلى أن الهند تنفق أكثر من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على التكيف المناخي.
من الجدير بالذكر أن أحد أكبر صادرات الهند هو البشر، ومن المتوقع أن يؤدي الإجهاد المناخي إلى تسريع “هجرة الأدمغة” نحو الدول ذات المناخ المعتدل ونقص العمالة، مما سيكون له أثر اقتصادي مباشر.
تحتاج التوقعات الاقتصادية للهند إلى تصحيح منهجي يأخذ في الحسبان التأثيرات المناخية.
تشير مؤسسة “سويس ري” إلى أن الضغوط المناخية المتزايدة ستؤدي إلى خسائر فادحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فيما تأخذ “إس آند بي” في الحسبان مخاطر مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والحرارة الشديدة والفيضانات لتحديد الناتج المحلي الإجمالي المعرض للخطر.
لكن الأثر المناخي على النمو الاقتصادي للهند بحاجة أيضاً إلى تقييم أكثر تفصيلاً.
ففي شركة “ألفا جيو”، تم حساب توقعات معدلة للناتج المحلي الإجمالي لكل ولاية، مستندين إلى عوامل مثل الكثافة السكانية، وتركيبة الاقتصاد القطاعية، والتعرض للمخاطر المناخية، ومقاييس مثل موثوقية شبكات الطاقة وإجراءات التحكم بالفيضانات.
تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للهند سيرتفع من 3.97 تريليون دولار اليوم إلى 7.75 تريليون دولار بحلول عام 2030.
ويمثل هذا التصحيح المناخي خفضاً بمقدار 500 مليار دولار عن توقعات وزارة المالية، التي تفيد بأن النمو سيصل إلى 8.26 تريليون دولار بحلول نهاية العقد، وهذه خسارة كبيرة لدولة نامية، ناهيك عن الخسائر البشرية التي تمثلها.
الهند بحاجة إلى نهج إحصائي للمناخ يوفر بيانات أكثر تفصيلاً حول التأثير الفوري للكوارث الطبيعية على سلاسل التوريد والنشاط التجاري.
ويمكن تحقيق ذلك عبر جمع صور الأقمار الصناعية للإضاءة الليلية وبيانات المعاملات التجارية في الوقت الفعلي، لكن حتى النموذج الرقمي المثالي للاقتصاد أقل فائدة من اتخاذ تدابير عملية مثل التحكم بالفيضانات، وتحلية المياه، وإنشاء مراكز تبريد مجتمعية لضمان صحة السكان وصمود البنية التحتية.
تحقيق أحلام الهند بأن تصبح قوة عظمى يتطلب ما هو أكثر من التوقعات المتفائلة، وقد تظل الهند أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً، لكن هذا لن يتحقق إلا إذا أصبح التكيف مع التغير المناخي أولوية استراتيجية للحكومة والشركات والمستثمرين.