تَعد عملية تقييم الشركات ركيزة أساسية فى عملية اتخاذ قرارات الاستثمار، خاصةً بالنسبة للمشترين والمستثمرين والمحللين الماليين على حد سواء.
وذكر تقرير حديث صادر عن مؤسسة أندرسن للاستشارات الضريبية والقانونية، أن أساليب تقييم الشركات سوف تشهد تحولات جذرية خلال العام الحالى، فبينما كانت الأساليب التقليدية مثل تحليل التدفقات النقدية المخصومة، ونسب السعر إلى الأرباح، والتقييم المستند إلى الأصول أساساً لعملية التقييم فى وقت سابق، أصبحت تُكملها تقنيات مبتكرة جديدة، بل أحيانًا تحل محلها.
ويعود هذا التطور إلى التكامل السريع للتكنولوجيا، والتحولات الجذرية لبيئة الأسواق، وظهور الأصول غير الملموسة كعناصر ذات أهمية متزايدة.
دمج عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة في نماذج التقييم
وقال محمد عبدالحليم الشريك المالى بـ”أندرسن للاستشارات” إنه لم تعد اعتبارات البيئة والمجتمع والحوكمة “ESG” عوامل ثانوية، بل أصبحت مكونات أساسية في نماذج التقييم، وخاصة مع تصاعد أهمية الاستدامة كأولوية عالمية، لذلك تزداد أهمية هذه المعايير في تحديد قيمة الشركات.
وذكر أن الشركات التى تتبنى ممارسات مستدامة، وتلتزم بالتشريعات المتعلقة بانبعاثات الكربون وإدارة النفايات واستخدام الموارد أكثر قدرة على الصمود وأقل عرضة للمخاطر على المدى الطويل.
وأشار إلى أن الشركات ذات المشاركة المجتمعية الفعالة، وممارسات العمل القوية، والسياسات الشاملة، تتمتع بولاء أعلى من العلامات التجارية ورضا الموظفين، مما ينعكس مباشرة على قيمتها.
وأضاف أن تطبيق معايير الحوكمة لدى الشركات، عززت من الممارسات الشفافة وحماية حقوق المساهمين، كما تقلص المخاطر الناتجة عن الاضطرابات المالية وسوء الإدارة.
الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلى
وأفاد عبدالحليم بأن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أحدث ثورة في دقة وسرعة عمليات تقييم الشركات، حيث أتاحت للمحللين معالجة كميات ضخمة من البيانات، وتوليد رؤية تنبؤية.
وذكر أن أدوات الذكاء الاصطناعى المتقدمة توفر القدرة على توقع الاتجاهات السوقية، وسلوك المستهلكين، والمخاطر المحتملة، مما يعزز موثوقية التنبؤات المتعلقة بالأرباح والتدفقات النقدية المستقبلية.
ولفت إلى أن النماذج التلقائية للتقييم، تعتمد بشكل كبير على بيانات مالية تقليدية، بينما تفيد أدوات الذكاء الاصطناعى فى تحليل المشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل المؤشرات الاقتصادية الكلية، لتقديم تقييمات آنية ودقيقة لتلبية التغيرات التى تحدث بالأسواق.
تقنية “بلوكتشين” تعزز الشفافية والموثوقية فى البيانات المالية
ونوه إلى أن تقنية “بلوكتشين” برزت فى الفترة الأخيرة كعنصر هام في تعزيز نزاهة البيانات، بما يضمن دقة السجلات المالية وقابليتها للتحقق، والحد من مخاطر الاحتيال.
واعتبر أن توجه الشركات نحو ترميز الأصول من خلال إنشاء أسهم رقمية أو حصص تُتداول بسهولة، عامل حيوى فى تعزيز سيولة الأصول، وابتكار طرق جديدة للتقييم.
صعود الأصول غير الملموسة
وأشار الشريك المالى بـ “أندرسن للاستشارات” إلى أن الأصول المالية غير الملموسة اكتسبت أهمية متزايدة كمحدد رئيسي لقيمة الشركات، حيث تُعد براءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق الطبع والنشر، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والصناعات الدوائية، محركات رئيسية للميزة التنافسية والقيمة السوقية للشركات.
ووفقاً للتقرير تُعتبر الشركات التى تمتلك بيانات حول سلوك المستهلكين، واتجاهات السوق والكفاءة التشغيلية ذات أهمية استراتيجية متزايدة، كما يعمل خبراء التقييم على تطوير نماذج أكثر دقة لتقييم العناصر الغير ملموسة، والتي تُعيد تشكيل أساليب التقييم التقليدية.
وذكر أن التحول العالمى نحو العمل عن بُعد أدى إلى إدخال متغيرات جديدة في معادلة التقييم، حيث تحقق الشركات التى تعتمد نماذج العمل الهجين أو العمل عن بُعد فوائد تنعكس على العمليات والقيمة السوقية للشركات.
وأفاد بأن تخفيض النفقات على المساحات المكتبية والمرافق يساهم في زيادة هوامش الأرباح، إضافةً إلى أنه يُمكن للشركات استقطاب أفضل الكفاءات عالميًا، مما يعزز الابتكار والنمو، وهو ما ينعكس على التقييمات الإيجابية.
دور وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل المشاعر
وكشف أن البصمة الرقمية للشركات أصبحت عاملاً حاسمًا في تقييمها، خاصة فى الصناعات التى تعتمد على تفاعل المستهلكين.
كما تستفيد الشركات التي تنجح في الحملات التسويقية أو التى تمتلك حضورًا قويًا على وسائل التواصل، فى شكل تصاعد قيمة العلامة التجارية، مما يؤثر على معايير التقييم.
وألمح عبدالحليم إلى أن دور خبراء التقييم لا غنى عنه، فهم يعملون على ضمان توافق التقييمات مع المعايير التنظيمية وتوقعات المستثمرين، وكذلك التعامل مع تعقيدات دمج عوامل “الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG” والأصول غير الملموسة والبيانات البديلة في النماذج التقييمية، إضافةً إلى تقديم رؤى تعتمد على التوازن بين التحليلات الآلية والخبرة البشرية.