حصلت شركات “البترول الكبرى” على مرادها، وهو عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اليوم الإثنين، متعهداً بتعزيز الوقود الأحفوري الأمريكي من خلال تخفيف اللوائح التنظيمية.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه جماعات الضغط في قطاع البترول بالتخطيط لتفكيك القوانين، يستعد قطاع الطاقة النظيفة لمواجهة تحديات صعبة، إذ وعد ترامب بالتراجع عن دعم الطاقة النظيفة ووقف ازدهار طاقة الرياح.
تؤكد تحولات الثروات بين كبار منتجي البترول والطاقة النظيفة، أن تغيير القيادة في واشنطن قد يُحدث تأثيراً طويل الأمد على مشهد الطاقة الأوسع نطاقًا.
ويبدو أن قطاع البترول يشعر بالنشوة إزاء “رؤية ترامب” التي تدعو إلى “الحفر بأي ثمن”، فيما يعتقد البعض في القطاع أنهم نجوا من ضغوط الديمقراطيين الذين كانوا يهددون بفرض قيود صارمة، حسب ما ذكرته شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية.
قال بوب ماكنالي، رئيس شركة “رابيدان إنرجي” ومستشار سابق في البيت الأبيض خلال عهد جورج بوش الابن: “سكين كانت تقترب من عنق الصناعة قد أُزيحت”.
وخلال ولاية الرئيس جو بايدن، أثار قراره وقف تصدير الغاز الطبيعي المسال، قلق التنفيذيين في قطاع الوقود الأحفوري بشأن حظر دائم وقيود إضافية، بحسب ماكنالي.
وتابع إن “فوز ترامب يعني أن الكثير من الأشياء السيئة لن تحدث”.
الطاقة ستُخفض الأسعار
يعتبر “ترامب” صناعة البترول حجر الزاوية في رؤيته الاقتصادية الشاملة، مركّزاً على خفض تكلفة المعيشة.
وقد وعد الرئيس المنتخب بتقليل معدل التضخم والعمل على خفض الأسعار بشكل مباشر، رغم أن الاقتصاديين يعتبرون ذلك أمراً صعباً وقد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية غير مرغوبة.
وأكد الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً في منتجع “مار إيه لاجو”: “سيكون من الصعب خفض الأسعار، لكننا سنخفضها.. الطاقة ستكون المفتاح، و سيكون لدينا كثير من الطاقة”.
ومع أن ترامب تعهد بتعزيز الإنتاج البترولي المحلي، لكن المحللين يشككون في إمكانية تحقيق زيادة كبيرة، خصوصا أن الولايات المتحدة تسجل بالفعل أعلى إنتاج بترولي في التاريخ.
ومن غير الواضح ما إذا كان إنتاج الولايات المتحدة يمكن أن يرتفع بشكل كبير.
علاوة على ذلك، إذا زاد الإنتاج كثيراً، فقد يؤدي إلى انهيار سوق البترول بسبب فائض العرض.
ولا تشير مؤشرات المدراء التنفيذيين في قطاع البترول إلى استعدادهم لإنفاق الأموال الكبيرة اللازمة لزيادة الإنتاج بشكل كبير، فهم يركزون بشكل كبير على تلبية مطالب المستثمرين بإعادة الأرباح الزائدة للمساهمين من خلال توزيعات أرباح كبيرة وبرامج إعادة شراء الأسهم السخية.
ووفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس شمل 132 شركة، يخطط 14% فقط من التنفيذيين في قطاع البترول والغاز لزيادة الإنفاق الرأسمالي بشكل كبير العام الحالي، بينما يخطط عدد أكبر من التنفيذيين لتقليص الإنفاق بدلاً من زيادته.
حتى بعد فوز ترامب، قال ثلثا التنفيذيين (66%) إنهم لا يخططون لزيادة الاستثمار مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الانتخابات.
وتغير الكثير في قطاع البترول منذ الفوز الأول لترامب الأول عام 2016. واليوم، أصبحت الشركات البترولية العملاقة هي من تتحكم بالإنتاج، وليس شركات التكسير الهيدروليكي المستقلة، إذ استحوذت شركات البترول الكبرى على العديد من الشركات الصغيرة بعد سنوات من التكتل.
لهذا السبب، لم يرفع ماكنالي، المسؤول في “رابيدان إنرجي”، توقعاته بشأن نمو إنتاج البترول الأمريكي بشكل كبير بعد فوز ترامب، و قال “نتوقع زيادة معقولة، لكنها لن تكون ضخمة”.
قائمة الأمنيات التنظيمية
رغم ذلك، لم تتردد صناعة البترول في توضيح رغبتها في كيفية تفكيك اللوائح التنظيمية على يد ترامب.
وقدّم “المعهد الأمريكي للبترول” قائمة تضم 70 إجراءً سياسياً يسعى للحصول عليها من الجمهوريين، بما في ذلك إنهاء تجميد تصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال، وإطلاق برنامج جديد لاستئجار الأراضي البحرية لمدة خمس سنوات، وإصلاح قوانين التصاريح، وإلغاء المعايير البيئية الخاصة بانبعاثات السيارات.
وقال الرئيس التنفيذي للمعهد مايك سومرز ، في مقابلة هاتفية مع “سي إن إن”: “لدينا فرصة مذهلة للطاقة الأمريكية. إذا طبقنا السياسات الصحيحة، يمكننا أن نستمر في قيادة العالم في إنتاج الطاقة”.
وأشار سومرز إلى وجود “حاجة ماسة” للحصول على مزيد من الطاقة لتغذية طفرة الذكاء الاصطناعي، التي ستتطلب كميات هائلة من الكهرباء.
ومع ذلك، تشعر شركات البترول بالقلق من جانب واحد في أجندة ترامب، ألا وهو بند الرسوم الجمركية الضخمة.
فقد حذر سومرز من أن صناعة البترول تعتمد على التدفق الحر للسلع، مشيراً إلى أن فرض رسوم جمركية على البترول الكندي قد يؤدي إلى رفع أسعار الوقود، خاصة بالنسبة للمستهلكين في الغرب الأوسط الأمريكي، الذي يعتمد بشكل كبير على إمدادات البترول الكندية.
وتابع سومرز: “نحن قلقون بشأن ما قد تعنيه الرسوم الجمركية للمستهلكين الأمريكيين. وأعتقد أن الرئيس يشاركنا هذا القلق”.
ترامب يستهدف طاقة الرياح
يعتبر المزاج أكثر قتامة في صناعة الطاقة النظيفة، خاصة بين التنفيذيين في قطاع طاقة الرياح، فقد وعد ترامب بإلغاء الدعم الفيدرالي للطاقة النظيفة وإلغاء قانون خفض التضخم، وهو التشريع الأساسي لإدارة بايدن في مجال المناخ.
وحذر محللو “بلومبرج نيو إنرجي فاينانس” في تقرير بعد الانتخابات: “تستعد الصناعة لسياسات معادية وحالة من عدم اليقين، ربما طوال فترة الإدارة حتى يناير 2029”.
وشن ترامب هجوماً على طاقة الرياح لسنوات، ووصل هذا الهجوم إلى ذروته في وقت سابق من هذا الشهر عندما هدد بوقف بناء توربينات الرياح تماماً في الولايات المتحدة.
حتى إنه ألقى باللوم على توربينات الرياح في قتل الحيتان، رغم أن الحكومة الفيدرالية أكدت أنه “لا توجد أدلة علمية” تدعم هذا الادعاء.
وقال الرئيس التنفيذي للمجلس العالمي لطاقة الرياح، بن باكويل، وهو مجموعة تجارية دولية، في مقابلة هاتفية مع “سي إن إن”: “هذا غير صحيح. لا معنى له.. هل نحن قلقون؟ بالطبع أشعر بالقلق عندما يتحدث أحدهم سلباً عن صناعتنا، وأشعر بالقلق عندما يُسمح بانتشار المعلومات المضللة”.
وصرح النائب الجمهوري عن نيوجيرسي جيف فان درو، بأن فريق ترامب يعمل على صياغة أمر تنفيذي من شأنه وقف أنشطة توربينات الرياح البحرية على الساحل الشرقي مؤقتاً، والسعي إلى فرض عقبات أكثر ديمومة.
ويشكك المحللون في قدرة ترامب على حظر توربينات الرياح الجديدة بشكل كامل.
فرغم أن ترامب سيتمتع بسلطة كبيرة لإصدار عقود الإيجار اللازمة لبناء توربينات الرياح على الأراضي والمياه الفيدرالية، فإن لديه سلطة أقل فيما يتعلق بالأراضي الخاصة.
وقال مسؤول السياسات في أمريكا الشمالية لدى “بلومبرج نيو إنرجي فاينانس”، ديريك فلاكول : “لا يبدو لي أنه يمكنه حظر جميع مشاريع طاقة الرياح في الولايات المتحدة”.
ومع ذلك، خفضت “بلومبرج نيو إنرجي فاينانس” توقعاتها لسعة طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة لعام 2035 بنسبة 29% بعد انتخاب ترامب، لتعكس البيئة السياسية السلبية.
ومن المتوقع أن تستمر طاقة الرياح في النمو بسرعة، لكن ليس بالمعدل نفسه الذي كان متوقعاً سابقاً قبل عودة ترامب إلى السلطة.
وقد أبدت شركات رائدة في توليد طاقة الرياح، منها “جي إي فيرنوفا” و”أورستد” و”توتال إنرجيز”، إشارات على خطط لتقليص أو إعادة النظر في مشاريع طاقة الرياح البحرية.
ازدهار الطاقة النظيفة في عهدين
رغم المخاوف، يأمل بعض التنفيذيين في قطاع الطاقة النظيفة، أن يدرك ترامب كيف يمكن للطاقة النظيفة أن تتماشى مع شعاراته حول هيمنة الطاقة، والتصنيع الأمريكي، وأمن الطاقة؟
وقال المسؤول عن السياسات في “جمعية الطاقة النظيفة الأمريكية”، فرانك ماتشيارولا، والتي تمثل شركات الطاقة النظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين النظيف: “الساسة يستخدمون الشعارات خلال الحملات، لكن عندما يتخذون قرارات السياسة تميل الأمور لأن تكون أكثر تعقيداً”.
وأشار قطاع الطاقة النظيفة إلى أنه شهد نمواً هائلاً على مدار العقد الماضي، سواء خلال إدارة بايدن أو ترامب.
ووفقاً لجمعية الطاقة النظيفة الأمريكية، ارتفعت منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين البطاريات بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 14% خلال فترة ترامب الأولى.
وأشارت المجموعة إلى أن هذه المشاريع مثلت استثمارات بقيمة 130 مليار دولار ودعمت 420 ألف وظيفة أمريكية.
تحد جديد: ارتفاع أسعار الفائدة
أحد التحديات الجديدة التي لم يواجهها قطاع الطاقة النظيفة خلال إدارة ترامب السابقة، هو ارتفاع أسعار الفائدة.
وتعتبر مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مشاريع الطاقة النظيفة، حساسة للغاية لرأس المال، مما يجعلها عرضة لفترات ارتفاع تكاليف الاقتراض، كما هو الحال اليوم.
وشهدت أسعار الفائدة السوقية ارتفاعاً حاداً منذ انتخاب ترامب، لأسباب عدة، من بينها المخاوف من أن تؤدي أجندته إلى زيادة معدلات التضخم.
مصير قانون “بايدن” للمناخ
ثمة نقطة اتفاق واحدة بين صناعة البترول والطاقة النظيفة، فكلاهما لا يرغب في إلغاء قانون الحد من التضخم، وهو قانون المناخ الأساسي لبايدن، بشكل كامل.
وصرح مايك سومرز، الرئيس التنفيذي لجمعية التجارة البترولية، بأن صناعة البترول “موحدة” في دعمها للإبقاء على الإعفاءات الضريبية الأساسية في قانون خفض التضخم التي تحفز على التقاط الكربون والهيدروجين.
ومن غير المرجح أن تعترض صناعة البترول إذا تم إلغاء أجزاء أخرى من قانون خفض التضخم، بما في ذلك الحوافز الضريبية التي تفيد بشكل أساسي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المتجددة بشكل عام.
ومع ذلك، استفادت بعض الولايات التي فاز بها ترامب، مثل نيفادا ووايومنج وكنتاكي وجورجيا، من أكبر استثمارات في الطاقة النظيفة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للباحثين.
وقال الباحث المساعد في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، ساجاتوم ساها : ” كثير من هذه الأموال يذهب إلى المناطق ذات الأغلبية الجمهورية”.
وفي الوقت الذي تناقش فيه واشنطن مقدار تمويل الطاقة النظيفة، يواصل علماء المناخ التحذير من أن الوقت ينفد للحد من الانبعاثات المسببة لارتفاع حرارة الكوكب.
وأعرب ساها، الذي عمل مسؤولاً عن المناخ في إدارة بايدن، عن مخاوفه من تفويت فرصة معالجة أزمة المناخ.
وقال: “قد تكون هذه خسارة مستدامة في القيادة بشأن المناخ، وهي خسارة سيكون لها تأثير ملموس”.