تُعد الشركات الناشئة من الركائز الأساسية للاقتصادات الحديثة؛ إذ تسهم فى الابتكار، وتحقيق النمو الاقتصادى، وخلق فرص عمل.
ومع تزايد الاهتمام بريادة الأعمال فى العديد من الدول، أصبح تمويل هذه الشركات من خلال مصادر محلية، جزءاً أساسياً من استراتيجيات التنمية الاقتصادية.
وتلعب مصادر التمويل المحلى دوراً محورياً فى دعم الشركات الناشئة، وتمويل الأفكار الجديدة وتحويلها إلى مشاريع واقعية قابلة للتوسع والنمو.
وسنستعرض فى هذا المقال أهمية التمويل المحلى فى دعم ريادة الأعمال، أشكاله، تحدياته، وآثاره على الاقتصاد المحلى.
أهمية التمويل المحلى فى دعم الشركات الناشئة
1. تحفيز الابتكار والإبداع: الشركات الناشئة غالباً ما تكون بحاجة إلى تمويل لدعم أفكارها الابتكارية وتنفيذ مشاريع جديدة تتطلب استثماراً فى البحث والتطوير.
فالتمويل المحلى يساعد على تعزيز هذه الابتكارات من خلال توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق الأفكار المبدعة التى قد تكون جذرية فى تحسين الصناعات المحلية أو تقديم حلول جديدة لمشاكل مجتمعية.
2. دعم الاقتصاد المحلى: يسهم تمويل الشركات الناشئة فى تعزيز الاقتصاد المحلى من خلال تشجيع الاستثمارات فى المشاريع الجديدة التى تخلق فرص عمل محلية وتدعم النمو الاقتصادى. كما أن هذه الشركات تعمل على خلق بيئة تجارية نشطة، ما يعزز من مستوى الإنتاجية فى القطاعات المختلفة، سواء كانت صناعية أو خدمية.
3. تقليل الاعتماد على التمويل الأجنبى: يمكن أن يسهم التمويل المحلى فى تقليل اعتماد الشركات الناشئة على الاستثمارات الأجنبية أو القروض الدولية التى قد تحمل شروطاً قاسية أو تتأثر بتقلبات السوق العالمية، خاصة فى الدول النامية والأسواق الناشئة التى تعانى عملتها المحلية من الضغوط الاقتصادية العالمية والتى تؤثر سلباً على قيمة العملة المحلية وتفقدها الكثير من قيمتها أمام سلة العملات المتداولة عالمياً.
كما أن التمويل المحلى يوفر مرونة أكبر ويفتح الأفق أمام المشاريع للحصول على تمويل بشروط أكثر توافقاً مع الاحتياجات المحلية.
4. تحقيق النمو المستدام: الشركات التى تحصل على تمويل محلى غالباً ما تكون أكثر قدرة على النمو المستدام. فتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة القائمة على التكنولوجيا يمكن أن يعزز من قدرتها على التوسع داخل السوق المحلى أولاً، ثم التوسع خارج الحدود الوطنية بشكل تدريجى وآمن عن طريق تصدير الخدمات والمنتجات الخاصة بها الى أسواق إقليمية وعالمية او افتتاح فروع ومقرات أخرى للشركة بالخارج لممارسة نشاطها وتقديم منتجاتها وخدماتها فى هذه الاسواق.
أشكال التمويل المحلى للشركات الناشئة
ثمة أشكال عديدة للتمويل التى يمكن أن يحصل عليها رواد الأعمال من المصادر المحلية، ومن أبرز هذه الأشكال:
1. التمويل الذاتي: يُعد التمويل الذاتى أحد أشكال التمويل الأولية للشركات الناشئة؛ إذ يقوم رواد الأعمال باستخدام المدخرات الشخصية أو الدخل الشخصى لتمويل مشاريعهم.
ورغم أن هذا النوع من التمويل يحمل مخاطر كبيرة، فإنه يعكس الثقة العالية والالتزام الجاد تجاه المشروع من قبل المؤسسين.
ولكن غالباً ما يكون التمويل الذاتى غير كافٍ أو متناسب مع بعض الشركات ونماذج الأعمال لتمكينهم من اختبار المنتج الأولى، واختراق السوق فى السنة الأولى، ما يدفع رواد الأعمال إلى ضرورة القيام بجولات تمويلية أخرى من أطراف مختلفة قبل تحقيق هذه الشركات أى إيرادات، ما يعرضها لقبول بعض الشروط التى قد تحد من تحقيق رواد الأعمال كامل رؤيتهم وأحلامهم.
2. التمويل من الأصدقاء والعائلة: العديد من رواد الأعمال يبدأون فى جمع رأس المال الأولى من خلال شبكة العلاقات الشخصية مثل الأصدقاء والعائلة.
هذا النوع من التمويل يتميز بالمرونة، وعدم فرض شروط مالية معقدة. ولكنه بطبيعة الحال قد يخلق بعض المشاكل العائلية ويؤثر على العلاقات الاجتماعية لعدم دراية الأصدقاء والعائلة بطبيعة عمل الشركات الناشئة وكيفية الوصول بها الى معدلات نمو مرضية والوقت اللازم للوصول الى نقطة الربحية.
3. تمويل الصناديق السيادية للحكومات والدول الصناديق السيادية هى صناديق استثمارية تديرها الحكومات من خلال استثمار الأموال الناتجة عن الفوائض المالية فى مجالات مختلفة، مثل أسواق المال والعقارات والبنية التحتية.
وتلعب هذه الصناديق دوراً مهماً فى دعم ريادة الأعمال، إذ تقوم بتخصيص جزء من أموالها للاستثمار فى شركات ناشئة أو شركات ريادة أعمال فى مراحلها الأولى.
هذا التمويل يسهم فى تسريع نمو هذه الشركات، ويزيد من معدلات الثقة لهذه الشركات، ما يساعد على اجتذاب مستثمرين آخرين ويزيد من فرص نجاحها.
4. تمويل المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية
يوجد العديد من المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية العاملة فى السوق المحلى والتى لديها الملاءة المالية والخبرات اللازمة لتمويل شركات ريادة الأعمال وتوفير الأدوات المالية المناسبة لدعم نمو هذه الشركات والوصول بها إلى مستهدفاتها.
ولكن مع وجود بعض اللوائح والسياسات التى تقيد هذه المؤسسات من التعامل مع الشركات الناشئة وشركات ريادة الأعمال فى مراحلها الأولى لعدم وجود عدد محدد من الميزانيات للشركة وعدم الوصول لنقطة الربحية، وهذا يحد من دور هذا النوع من التمويل ودوره فى دعم الشركات الناشئة ومساعدتها على تحقيق مستهدفاتها.
دور الدولة فى تشجيع التمويل المحلى لشركات ريادة الأعمال
يمكن للدول اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتشجيع التمويل المحلى لشركات ريادة الأعمال، ما يعزز من نمو هذه الشركات ويسهم فى دعم الاقتصاد الوطنى بشكل عام.
إليك بعض الاستراتيجيات التى يمكن اتباعها:
1. تحفيز البنوك والمؤسسات المالية على تقديم قروض ميسرة
يمكن للدول أن تقدم حوافز للبنوك والمؤسسات المالية لتقديم قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة للشركات الناشئة. كما يمكن تقليل المخاطر المالية من خلال برامج ضمان قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة.
2. إقامة صناديق استثمارية مخصصة لريادة الأعمال
تأسيس صناديق استثمارية حكومية أو عامة لدعم الشركات الناشئة. يمكن أن تكون هذه الصناديق موجهة بشكل خاص لدعم الابتكار والمشاريع التى تركز على التقنية أو الصناعات المستدامة.
3. تقديم حوافز ضريبية:
منح إعفاءات أو تخفيضات ضريبية للمستثمرين الذين يدعمون الشركات الناشئة المحلية.
يمكن أن يشمل ذلك تقديم حوافز ضريبية للمستثمرين الذين يضعون أموالهم فى شركات ريادة الأعمال.
4. تسهيل الوصول إلى التمويل الجماعى (Crowdfunding):
تشجيع منصات التمويل الجماعى المحلية التى تسمح لرواد الأعمال بجمع الأموال من الأفراد. يمكن تحسين اللوائح التنظيمية لتسهل على رواد الأعمال التفاعل مع المستثمرين الأفراد عبر الإنترنت.
5. تحسين البيئة القانونية والتنظيمية:
تبسيط الإجراءات القانونية والإدارية لفتح الشركات الناشئة، مثل تقليل تكاليف التسجيل وإجراءات التراخيص. كما يمكن إصدار تشريعات تحمى المستثمرين من المخاطر المحتملة وتشجعهم على الاستثمار فى المشاريع الناشئة.
6. التشجيع على الشراكات بين القطاعين العام والخاص:
تحفيز الشركات الكبرى والمستثمرين المحليين على الدخول فى شراكات مع الشركات الصغيرة والمتوسطة. يمكن للحكومة أن تسهل هذه الشراكات من خلال تسهيلات ضريبية أو تقديم الدعم المالى أو اللوجستي.
7. تطوير برامج توجيه وتدريب لرواد الأعمال:
تقديم برامج تدريبية للمؤسسين والشركات الناشئة لتعريفهم بكيفية جذب التمويل المحلى وإدارة أعمالهم بشكل أكثر فعالية.
يمكن أن تشمل هذه البرامج ورش العمل أو الدورات التدريبية حول كتابة خطط عمل قوية وكيفية التواصل مع المستثمرين.
8. تعزيز ثقافة ريادة الأعمال:
نشر ثقافة ريادة الأعمال من خلال حملات توعية وورش عمل تهدف إلى إلهام الشباب والمجتمع للاستثمار فى الأعمال الصغيرة. كما يمكن إنشاء مسابقات ومبادرات تهدف إلى تحديد ودعم الأفكار المبتكرة.
9. دعم شبكات المستثمرين المحليين:
دعم إنشاء شبكات مستثمرين محليين يمكنهم تبادل المعرفة والخبرات، بما فى ذلك شبكات رجال الأعمال والمستثمرين المخاطر. يمكن لهذه الشبكات أن توفر منصات للتواصل بين رواد الأعمال والمستثمرين المحليين.
10. التشجيع على تبنى التكنولوجيا الحديثة:
دعم الشركات الناشئة التى تعتمد على التكنولوجيا والابتكار من خلال تقديم تمويل خاص أو حوافز لتحفيز استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعى، إنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للدول خلق بيئة محفزة لريادة الأعمال وتشجيع التمويل المحلي، ما يسهم فى دعم الاقتصاد الوطنى وتعزيز الابتكار والنمو المستدام.
آثار التمويل المحلى على الاقتصاد
التمويل المحلى له آثار كبيرة على الاقتصاد الوطنى؛ حيث يشمل التمويل الذى يتم من خلال المؤسسات المالية والبنوك أو الصناديق السيادية أو صناديق الاستثمار المحلى، ويمكن تلخيص هذه الآثار كما يلي:
1. خلق فرص عمل:
يسهم التمويل المحلى فى خلق وظائف جديدة. كلما تم تمويل مشاريع جديدة وتوسيع الأعمال، زادت فرص العمل المتاحة للسكان المحليين، ما يساهم فى النمو الاقتصادى العام، ويعزز من قدرته على خلق المزيد من فرص العمل.
2. تعزيز الاستثمارات المحلية:
التمويل المحلى يعزز من قدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات الداخلية؛ حيث يعتبر أداة لتوجيه الأموال المحلية نحو مشاريع وطنية تسهم فى تعزيز الإنتاجية والتنمية، وهذا يعزز من ثقة الأفراد والشركات بالاقتصاد المحلى.
3. تقوية الاستقلال الاقتصادى:
الاعتماد على التمويل المحلى يقلل من الحاجة الى التمويل الخارجى، ما يقلل من تعرض الاقتصاد للتقلبات العالمية ويزيد من الاستقرار المالى الوطني.
4. زيادة الإيرادات الضريبية:
من خلال النمو الاقتصادى الذى يحفزه التمويل المحلى، قد تزداد الإيرادات الضريبية للحكومة، ما يتيح لها تمويل برامج تنموية وخدمات عامة، وبالتالى تحسين مستوى المعيشة.
إجمالاً، يعد التمويل المحلى عاملاً محورياً فى تعزيز الاستقرار الاقتصادى، تطوير القطاعات المختلفة، وتحقيق النمو المستدام داخل الاقتصاد الوطنى.