يشهد الإقبال على متاجر السلع المستعملة ومتاجر الشحن بالتكليف وخدمات إصلاح الأجهزة المنزلية ارتفاعاً كبيراً في جميع أنحاء روسيا.
ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، بات المستهلكون أكثر تردداً في شراء منتجات جديدة مثل الملابس والأحذية، مفضلين بدائل أرخص من السلع المستعملة.
وفي ظل عدم الاستقرار الاقتصادي، أصبح الشباب الروس ينفقون أقل على السفر والترفيه والسلع الفاخرة.
وخلال العام الماضي، ارتفع معدل التضخم في روسيا إلى 9.52%، وهو أعلى بكثير من توقعات البنك المركزي التي حددت سقفاً أقصاه 8.5%.
لكن محاولات السلطات لكبح جماح ارتفاع الأسعار، بما في ذلك زيادة سعر الفائدة الرئيسي، لم تحقق نتائج كبيرة.
ويعتقد الاقتصادي الروسي إيجور ليبستس، أن المعدل الفعلي للتضخم السنوي أعلى 7 مرات من المعدل الرسمي المعلن.
وأوضح أن الاقتصاد الروسي بات يشبه بشكل متزايد اقتصاد الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان موجهاً نحو تلبية الاحتياجات العسكرية.
فخلال الحقبة السوفيتية، كانت الأموال تُنفق بكثافة على قطاع التسليح، بينما كانت القضايا الاجتماعية تأتي في المرتبة الثانية.
وأشار الخبراء إلى أنه في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي الحالي، فإن الذين يعملون في إصلاح المنتجات أو بيع السلع المستعملة يمكنهم التمتع بمستوى معيشي أكثر استقراراً.
من جانبه، قال رئيس الجمعية الروسية لمتاجر الشحن بالتكليف ومالك سلسلة متاجر “كوميلفو” للملابس الفاخرة المستعملة، أندريه فيدوتوفسكي، إن الطلب على السلع الفاخرة المستعملة يشهد أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً.
وأوضح أن هذا الاتجاه كان قد بدأ قبل “الأوقات الاقتصادية الصعبة”، لكنه شهد زيادة حادة بعد فرض العقوبات وانسحاب العلامات التجارية الغربية من السوق الروسى عقب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف أن مالكي السلع الفاخرة يسعون إلى استعادة جزء من أموالهم من خلال بيعها، بينما يبحث المشترون عن صفقات مربحة.
أشار فيدوتوفسكي، إلى أن أسعار السلع المستعملة في المتاجر ارتفعت بنسبة تصل إلى 9%، بما يتماشى مع معدل التضخم الرسمي، لكن هذه الزيادة لا تُقارن بالأسعار المبالغ فيها للسلع الفاخرة التي
تدخل روسيا عبر “السوق الرمادية”، أي عبر تجار غير معتمدين.
وأضاف أن الاتجاه نحو إعادة بيع الملابس ليس مجرد نتيجة الأزمة الاقتصادية، بل هو جزء من تحول عالمي نحو استهلاك أكثر وعياً بالبيئة.
وأوضح أنه حتى الأثرياء الروس بدأوا يتبنون مفهوم الاقتصاد الدائري بسبب الأزمة الاقتصادية، مفضلين شراء السلع المستعملة بدلاً من الجديدة.
كما أشار إلى أن الطلب على السلع الفاخرة المستعملة ارتفع في المناطق التي يعمل فيها الناس في قطاع التصنيع العسكري، حيث ارتفعت الأجور الشهرية إلى ما بين 200 ألف و300 ألف روبل (ما يعادل 2,073 إلى 3,110 يورو أو 2,177 إلى 3,265 دولار).
مع ارتفاع أسعار الأجهزة المنزلية الجديدة، لا سيما المستوردة منها، يتزايد توجه الروس نحو إصلاح أجهزتهم القديمة بدلاً من شراء أخرى جديدة.
وقد أدى ذلك إلى انتعاش كبير في خدمات الإصلاح، ما يسهم في تقليل النفايات والحد من التأثير البيئي السلبي.
ويعد “أفيتو”، وهو سوق إلكتروني تم إنشاؤه أصلاً لتسهيل تبادل السلع بين الأفراد، أحد أبرز المستفيدين من هذا الاتجاه، فقد بلغ حجم معاملاته 1.9 تريليون روبل في عام 2023، ما جعله واحداً من أهم منصات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في روسيا.
ووفقاً للبيانات، ارتفع عدد الإعلانات الخاصة بإصلاح الأجهزة المنزلية على “أفيتو” بنسبة 45% في عام 2022 وبنسبة 64% في عام 2023.
كما ذكرت صحيفة “فيدوموستي” الروسية، أن الطلب على إصلاح الغسالات والمجففات ارتفع بنسبة 181%، في حين تراجع الاهتمام بإصلاح أجهزة الكمبيوتر بنسبة 30%، ويُعزى ذلك إلى صعوبات استيراد قطع الغيار اللازمة بسبب العقوبات الغربية.
لاحظت المنظمات البيئية الروسية أيضاً تزايد الاهتمام بالسلع المستعملة.
وأكد ممثلو حركة “رازدلني سبور” البيئية لصحيفة “دويتشه فيله” أن الأزمة الاقتصادية غيرت أنماط الاستهلاك، ما وفر فرصة لتعزيز الوعي البيئي بين المواطنين.
وقالت إيرينا شازمينوفا من المنظمة نفسها، إن أكثر من 78% من المنسوجات التي تُرمى في النفايات بروسيا لا تزال صالحة لإعادة الاستخدام أو التدوير.
وأضافت أن “حوالي 20% من العائلات في روسيا لا تستطيع تحمل تكاليف شراء ملابس جديدة، في حين يتم التخلص من مئات الكيلوجرامات من الملابس يومياً في المدن الكبرى”.
وأشارت أيضاً إلى أنها لاحظت زيادة طفيفة في أعداد الزوار الذين يشاركون في عمليات تبادل الملابس الخيرية.
ومع ذلك، أكدت آنا جاركوشا، وهي ناشطة أخرى في الحركة البيئية ذاتها، أن الأزمة الاقتصادية كان لها تأثير سلبي على قطاع إدارة النفايات.
وأوضحت أن العديد من الشركات المتخصصة في معالجة المواد الخام الثانوية تواجه صعوبات في إصلاح معداتها بسبب العقوبات.
كما أضافت أن بعض مراكز جمع النفايات اضطرت إلى الإغلاق بسبب المشكلات المالية ونقص الدعم الحكومي.
وقالت: “في سانت بطرسبرج، تم رفع إيجار أحد هذه المراكز إلى حد جعله غير قادر على الاستمرار”.
بالنسبة لجاركوشا، فإن المشاكل الاقتصادية تعيق أي اهتمام بالقضايا البيئية.
وأشارت إلى أن “إعادة التدوير قد يكون أكثر تكلفة من تصنيع منتج جديد، ما يجعل بعض المنتجات أغلى ثمناً في نهاية المطاف”.
وخلصت إلى أن الزيادة في الطلب على الملابس المستعملة وإصلاح الأجهزة المنزلية تعود إلى الدوافع الاقتصادية أكثر من كونها ناتجة عن وعي بيئي متزايد.