يترقب السوق المصري تقنين أوضاع التمويل الجماعي، لينضم تحت مظلة قانونية تمكن المستثمرين والأفراد على حد سواء من الاستفادة من هذا النوع من التمويل الذي بات يشهد قفزات نمو في الدول التي قننته.
وسيسهم تقنين أوضاع التمويل الجماعي في الحد من انتشار ظاهرة توظيف الأموال خارج الإطار القانوني (ظاهرة المستريح) سواء عن طريق التطبيقات التى خدعت المستثمرين وسلبتهم أموالهم، أو فى أرض الواقع.
وبدأت الأجهزة المعنية مؤخرًا، تحقيقات في اتهام منصة استثمارية ظهرت في الفترة الأخيرة، وأوهمت الراغبين في استثمار أموالهم وقدرتها على تحقيق أرباح خيالية، ورغم انتشار التمويل الجماعي عالميًا، لايزال هذا النشاط يواجه تحديات قانونية وتنظيمية في مصر، إذ لم يصدر حتى الآن قانون خاص ينظم عمله بشكل واضح.
والتمويل الجماعي هو أحد أدوات التمويل التي تتم من خلال تمويل الأفراد لأفراد آخرين أو مؤسسات، بالإضافة إلى أنواع أخرى، وتتم هذه العملية في كثير من الدول عبر منصة رقمية مرخصة.
وتدرس الهيئة العامة للرقابة المالية إصدار قانون التمويل الجماعي فى مصر، على أن تكون بداية القواعد المنظمة للقانون فى صناديق الاستثمار العقارية، وفقًا لما قاله محمد فريد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية.
أضاف فريد لـ” البورصة”، أن الهيئة تعمل فى الوقت الحالي على صياغة مشروع قانون ولأن القواعد متشعبة للغاية ومتقاطعة مع عدة قطاعات مختلفة، فقد تستغرق بعض الوقت قبل ظهورها.
سامى: الطبيعة البشرية يحكمها الخوف من الخسارة والطمع فى الربح
ويرى شريف سامي رئيس الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار، والرئيس الأسبق لهيئة الرقابة المالية، أن وجود قانون تشريعى ينظم عمليات التمويل الجماعى شىء جيد، ولكنه ليس بالشىء الضروري الذى يمكن أن يؤثر عدم وجوده على أوضاع الدولة الاقتصادية، نظراُ لأن الشركات العاملة به ليست بالعدد الكبير أو المؤثر.
وبذل البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية، جهودًا حثيثة لوضع إطار تنظيمي للتمويل الجماعي، إذ يعملان على إعداد مسودة قانون يهدف إلى تنظيم هذا النشاط، وضمان توفير بيئة قانونية واضحة تعمل تحت مظلة الرقابة والإشراف، وتتضمن إصدار تعليمات تنظيمية تحدد شروط عمل المنصات الإلكترونية، ومعايير الأمان المالي الواجب توافرها لحماية أموال المستثمرين.
كما تسعى الهيئة العامة للرقابة المالية إلى وضع معايير الشفافية والإفصاح عن المخاطر، بجانب تطوير لوائح تضمن أن تلتزم المشروعات التي تحصل على التمويل عبر هذه المنصات بمتطلبات قانونية محددة، مما يسهم في خلق بيئة استثمارية آمنة ومستدامة.
أضاف سامى أن انتشار ظاهرة “المستريح” ليست بسبب عدم وجود إطار تشريعى لقانون التمويل الجماعى، بل أرجعها إلى الطبيعة التى يحكمها الخوف والطمع، والخوف من الخسارة والطمع فى الربح، ولكن المستثمر المتعقل هو من يزن الأمور بحيث يضحى بجزء من الأرباح مقابل خسائر متوقعة.
وتابع سامي، أن خير دليل على ذلك هو عدم اتجاه عملاء تلك المنصة لاستثمار أموالهم فى منتجات الادخار، رغم أن القطاع المالي المصرفي المصري يقدم أكبر عائد على منتجات الادخار بفائدة 27%.
وأوضح أن ثمة فرق كبير بين الجهات المتخصصة فى التمويل الجماعى، والشركات المالية التى تستخدم احتيال الدفع المسبق، والتى تقوم فيه الشركة بطلب مبلغ من المال مقابل عائد دورى، مشيراُ إلى أن شركات التمويل الجماعي تتعامل مع عملاء متخصصين لديهم دراية وملاءة مالية وقدرة على احتساب أرباحها وخسارتها، عكس الأخيرة.
وشهدت مصر خلال السنوات القليلة الماضية، العديد من قضايا الاحتيال المالي، والتي عُرفت إعلاميًا باسم “المستريحين”، إذ جمع بعض الأفراد أموالًا طائلة من المواطنين بوعود بتحقيق أرباح مرتفعة دون وجود إطار قانوني يحكم تعاملاتهم.
ففي ظل غياب قنوات رسمية منظمة، يلجأ بعض المواطنين إلى هؤلاء الأشخاص بحثًا عن عوائد سريعة، ما يعرضهم لمخاطر فقدان أموالهم.
وادي: وجود قانون بالشكل الملائم سيخلق فرصًا قوية في السوق المصري
وقال أحمد وادي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ماني فيللوز”، إن التمويل الجماعي في مصر لم يشهد زخمًا كبيرًا كما هو الحال في البلدان التي قدمته منذ فترة طويلة، مؤكدًا أن وجوده بالشكل الملائم سيخلق فرصًا قوية في السوق المصري.
وأشار إلى أهمية التمويل الجماعي في خدمة الشركات، خاصة الصغيرة منها، لمساعدتها على التوسع ويسمح لها بالحصول على التمويل بسهولة في الإجراءات.
وتابع: لضمان سهولة ويسر تطبيق التمويل الجماعي في مصر، يمكن أن ندرس تجارب الدول الأخرى التي تطبق التمويل الجماعي بشكل متاح للجميع وتطبيق نسخة منها في القواعد والضمانات مع إضافة التعديلات التي تتناسب مع الدولة، وبذلك يجذب التمويل الجماعي المستثمرين بشكل كبير”.
“فاستر كابيتال”: التمويل الجماعي يفتح أبواب التمويل للشركات الناشئة
وترى دراسة صادرة عن شركة فاستر كابيتال، أن إتاحة منصات التمويل الجماعي في مصر ستخلق طريقة للشركات الناشئة للوصول إلى التمويل، والذي يمكن استخدامه لمجموعة متنوعة من الأغراض مثل التطوير والتسويق والتوسع.
وأكدت الدراسة أن أفضل وقت لبدء التمويل الجماعي في مصر هو عندما تكون الشركة قيد التطوير ولايزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مستقبلها، ومع ذلك، من المهم أيضاً التفكير في الأشهر التي تسبق إطلاق الحملات بحيث يمكن للداعمين أن يكونوا متحمسين بشأن استثماراتهم وليس مجرد انتظار شيء يأملون حدوثه.
وقال أحمد الشربيني، المستشار القانونى وعضو مجلس إدارة شركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، إن إصدار قانون ينظم عمل التمويل الجماعي لن يكون له بعد تجاري فقط يخص شركات التمويل الجماعى، ولكن سيكون له أيضاً بعد اجتماعي للحد من عمليات النصب والاحتيال التي نشهدها مؤخراً.
أضاف أنه يجب عدم الخلط بين فكرة توظيف الأموال والتمويل الجماعي، لأن التمويل الجماعي يكون عبارة عن نشاط به فرص استثمارية وتوجد به عدة أشكال، إما تمويل بحت أو دعم للشركات الناشئة عن طريق تقديم عرض شراء فى جزء من تلك الشركات لدعم نموها.
وأوضح الشربيني، أن السوق فى انتظار إصدار مشروع قانون ينظم عمل التمويل الجماعى صادر بالتعاون بين البنك المركزي المصري والهيئة العامة للرقابة المالية.
وبناء على تلك القانون، يمكن أن تكون هناك تعديلات على قانون عمل التمويل الاستهلاكي حتى لا يحدث تعارض بينه وبين قانون التمويل البديل الجاري العمل عليه حالياً.
الفقي: الشريحة الراغبة فى الثراء السريع ستظل عرضة للنصب
ويرى محمد الفقي الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة سيمبل لخدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا، أن السوق فى حاجة لقانون ينظم عمل التمويل الجماعى، نظراً لكونه نشاطا قائما بالفعل، وتوجد به بعض الممارسات الخاطئة .. ويجب وضع قانون يحمي المستهلك.
وأشار إلى أن وجود قانون للتمويل الجماعي، يمكن أن يجذب شريحة ممن يتجهون لأنشطة مثل “المستريح”، لكن الشريحة التى تسعى نحو الكسب السريع بالتأكيد ستظل ضحية لعمليات النصب التى نشهدها.