كشفت البيانات، عن تعديل 166 سفينة مسار رحلاتها للعبور عبر قناة السويس بدلًا من طريق رأس الرجاء الصالح منذ بداية شهر فبراير الماضي، في إشارة واضحة إلى تأثير الأوضاع في منطقة البحر الأحمر على معدلات عبور السفن بالقناة.
وكانت إحصائيات الملاحة بقناة السويس، قبل تصاعد التوترات الأمنية في المنطقة، قد سجلت خلال عام 2023 أرقامًا قياسية غير مسبوقة في تاريخ القناة، محققة أعلى معدل سنوي لعبور السفن بواقع 26.434 سفينة، وأعلى حمولة صافية سنوية بلغت 1.6 مليار طن، بالإضافة إلى أعلى إيرادات سنوية بلغت 10.3 مليار دولار، متجاوزة بذلك كل الأرقام السابقة.
ورغم تصاعد الأحداث وزيادة التحديات، واصلت قناة السويس تقديم خدماتها الملاحية والبحرية دون انقطاع منذ اندلاع الأزمة، مستمرةً في تنفيذ مشروعات تطوير المجرى الملاحي لتحقيق تطوير شامل ومتكامل، بالتوازي مع تحسين مستوى الخدمات الملاحية وإضافة خدمات جديدة لم تكن متوفرة من قبل.
بالتزامن مع الذكرى الرابعة لنجاح تعويم سفينة الحاويات EVER GIVEN، بفضل جاهزية الإمكانيات الفنية والبشرية للهيئة ودعم أسطولها البحري بقاطرات حديثة؛ تحتفل الهيئة بانتهاء وتشغيل مشروع تطوير القطاع الجنوبي.
وقد ساهم هذا المشروع في تعزيز عامل الأمان الملاحي، وتقليل تأثير التيارات المائية والهوائية على السفن العابرة، فضلًا عن زيادة قدرة القناة على استقبال السفن الأكبر حجمًا، مثل عبور الحوض العائم “DOURADO” بعرض 90 مترًا، وهو ما لم يكن ممكنًا قبل مشروع التوسعة، حيث كان أقصى عرض مسموح به وفق اللائحة 70 مترًا.
وفي ظل استمرار الأزمات، تُثبت قناة السويس مرونتها وقدرتها على التكيف، من خلال تطوير الخدمات وتلبية احتياجات العملاء. ومن بين الخدمات الجديدة، قدمت ترسانة بورسعيد البحرية خدمات الصيانة والإصلاح لسفينتين تابعتين للخط الملاحي MSC، إلى جانب نجاح ترسانة السويس البحرية في تنفيذ صيانة عاجلة لسفينة الصب اليونانية “ZOGRAFIA” بعد تعرضها لهجوم في البحر الأحمر.
كما وفرت الهيئة خدمات الإنقاذ البحري لتفريغ ناقلة البترول اليونانية “SOUNION” التي تعرضت لهجوم مماثل، وأتمّت إجراءات قطرها بأمان عبر القناة.
ذكرت هيئة قناة السويس، في بيان صحفي اليوم، أن جهودها لتعزيز التواصل مع المجتمع الملاحي الدولي تتجلى بوضوح من خلال عقد لقاءات مباشرة ودورية مع شخصيات بارزة وفاعلة.
من أبرز تلك الشخصيات الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية، ورئيس غرفة الملاحة الدولية، إلى جانب الرؤساء التنفيذيين لكبرى الخطوط الملاحية وممثلي التوكيلات الملاحية.
تهدف هذه اللقاءات إلى التشاور حول التحديات الجيوسياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة، ومناقشة تأثيرها على استدامة سلاسل الإمداد العالمية.
أثمرت هذه الجهود، على مدار الفترة الماضية، عن تحقيق العديد من النجاحات، وتعزيز التعاون المشترك مع الشركاء والعملاء في مختلف المجالات. م
ن أبرز هذه النجاحات زيادة الاستثمارات في مصر، خاصةً مع مجموعة ميرسك العالمية، التي رفعت من حجم استثماراتها في ميناء شرق بورسعيد، إلى جانب ضخ استثمارات جديدة في مشروع تخريد السفن بميناء دمياط. يعكس هذا الدعم الدور المحوري الذي تلعبه قناة السويس في تسهيل أعمال المجموعة وتعزيز حضورها في السوق المصري.
كما أكدت مجموعة ميرسك العالمية حرصها على تنسيق الجهود لضمان بقاء قناة السويس ضمن المسارات التشغيلية الرئيسية لتحالف Gemini (شبكة المستقبل)، الذي يضم ميرسك وHAPAG LLOYD الألمانية، وبدأ عمله في فبراير الماضي. تستمر المجموعة في مناقشة سياسات الإبحار والخطط المستقبلية بهدف زيادة عبور سفنها عبر القناة فور استقرار الأوضاع بمنطقة البحر الأحمر.
ولم يتوقف التعاون عند هذا الحد، بل امتد ليشمل مجالات التدريب والتطوير. شهد العام الماضي توقيع اتفاقية تعاون بين الهيئة وMaersk Training لتنظيم برامج تدريبية متقدمة للعاملين في الهيئة، تشمل القيادة وإدارة الأزمات.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم أكاديمية قناة السويس للتدريب البحري والمحاكاة برامج تدريبية حديثة لربابنة السفن من مختلف الخطوط الملاحية، لضمان عبور آمن وفعّال عبر القناة.
يبرز اهتمام الخطوط الملاحية الكبرى بالحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع قناة السويس من خلال تصريحات مسؤوليها. من بين هذه التصريحات، أكد سورين توفت، الرئيس التنفيذي للخط الملاحي MSC، أنه لا يفضل الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح، بسبب افتقاره للخدمات البحرية الأساسية. وأعرب عن استعداد المجموعة لاستئناف العبور عبر قناة السويس فور عودة الاستقرار إلى المنطقة.
تتوافق هذه التصريحات مع آراء العديد من الشخصيات المؤثرة في المجتمع الملاحي الدولي. على سبيل المثال، أرسينيو دومينجيز، الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية (IMO)، شدد على أن قناة السويس ممر ملاحي لا غنى عنه. كما أعرب عن دعم المنظمة لتعزيز الإبحار عبر القناة لما تحققه من خفض الانبعاثات الكربونية الضارة، وضمان بيئة عمل مستدامة للبحارة.
وفي سياق مماثل، أوضح جيرارد ميستراليت، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، أن الممر الاقتصادي الهندي للشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) لن يكون منافسًا لقناة السويس. وأرجع ذلك إلى الاختلاف الكبير في الطاقة الاستيعابية، حيث يعتمد الممر الجديد جزئيًا على النقل البحري، إلى جانب النقل بالسكك الحديدية، ما يجعله أقل قدرة على استيعاب حجم التجارة العالمية مقارنة بقناة السويس.
عززت تقارير المؤسسات الملاحية الدولية من مكانة قناة السويس، خاصة فيما يتعلق بحركة واردات النفط لأوروبا. وفقًا لمؤسسة التحليل “كبلر”، فقد وصلت نصف شحنات الوقود الموجهة للاتحاد الأوروبي خلال شهر مارس عبر قناة السويس، مستغلة فترة الهدوء النسبي وعودة الاستقرار خلال الهدنة. يعكس ذلك حرص شركات الشحن الكبرى على استئناف العبور من القناة فور عودة الاستقرار إلى المنطقة.