تبحث شركات التطوير العقاري عن آليات تمويلية جديدة، وسط تباين آراء خبراء التمويل العقاري والمطورين العقاريين ، حول أفضل السبل لدعم السيولة في السوق العقاري.
فبينما رأى البعض أن التوريق أصبح ضرورة لاستمرارية المشروعات، فإن آخرين اعتبروه خيارًا مكلفًا يُستخدم في حالات محددة.
اما أسعار الفائدة، فقد رأى بعضهم أن خفضها هو الحل الأمثل لتقليص الفجوة بين التسعير والتمويل، في حين أكد آخرون أهمية توفير أدوات تمويل بديلة مثل خصومات الكاش وبيع الحقوق الآجلة.
واتفقوا علي أنه لا يوجد تعارض بين تصرفات الشركات العقارية ومنظومة التمويل العقاري، مقارنة بتسعير العقار للعملاء.
قال هاني العسال، مؤسس مجموعة مصر إيطاليا وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات ، إن السوق العقاري يقوم في الأساس على معادلة العرض والطلب وتكلفة التطوير، موضحًا أن شركات التطوير العقاري، كي تتمكن من البيع بنظام التقسيط طويل الأجل، فإنها تحتاج إلى تحقيق هامش ربح يضمن الاستدامة المالية.
أضاف أن المطور العقاري يحصل على تمويل من البنوك لتنفيذ عمليات البناء، إذ يقوم ببيع الوحدات للعملاء مقابل شيكات، يقدمها بدوره للبنك الذي يتولى عملية التمويل.
وأوضح أن هذا النظام يعني أن عملية البناء تتم بأموال العملاء عبر تمويل البنوك، والتي تحصل على فوائد مرتفعة نظير ذلك، وهو ما ينعكس على أسعار الوحدات العقارية في السوق.
وتابع أن الحل يكمن في اللجوء إلى عملية التوريق ، من خلال تحويل الحق في الوحدة العقارية إلى البنك، بحيث يصبح التعامل بين العميل والبنك مباشرة. وهذا الإجراء يُمكّن المطور من الحفاظ على السيولة وضمان استمرارية نشاطه.
وأكد العسال أن ما يُطلق عليه البعض« نسبة خصم » عند صرف الشيكات من البنوك، هو في حقيقته نسبة فائدة وليست خصمًا بالمعنى المحاسبي، مشددًا على أن أسعار الفائدة البنكية تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد أسعار الوحدات العقارية وتسعير السوق.
اقرأ أيضا: الوقود يدفع سوق العقارات نحو زيادات جديدة خلال 2025
وأشار إلى أن تسعير الوحدات العقارية يتأثر بعدة عوامل، أبرزها تكلفة شراء الأرض، وأسعار مواد البناء، وسعر فائدة البنك، وتكلفة التشطيب، بالإضافة إلى نسبة فوائد سنوية تُقدَّر بنحو 5% تُضاف علي المطور.
وأوضح أن أعلى عائد في هذه المنظومة يذهب إما إلى العميل أو البنك، خصوصا مع الفوائد البنكية التي تصل إلى 32%، مما يُشكّل جزءًا كبيرًا من تكلفة الوحدة العقارية. اكد العسال أن شعور العملاء بزيادة أسعار الوحدات العقارية يعود في الأساس إلي التضخم وسوء الأوضاع الاقتصادية العامة التي تمر بها البلاد، مشددا على أن التوريق أصبح ضرورة لضمان استقرار السيولة لدى الشركات العقارية وتنفيذ خططها التوسعية.
وتابع:” الحلول الممكنة تشمل تفعيل دور شركات التمويل العقاري، وتيسير شروط الإقراض، وتفعيل نظام السجل العيني لتسهيل عمليات التسجيل في الشهر العقاري”.
كما دعا إلى تقليص دورة رأس المال لدى المطور لتصل إلى 4 أو 5 سنوات فقط، لافتًا إلى أن المطور لايصح أن يجمع بين دوري التطوير والتمويل في الوقت ذاته، تحت الأوضاع الحالية.
سمير: خصومات “الكاش” تصل لـ49%.. والتسعير دون فوائد “وهم”
وقال محمد سمير الرئيس التنفيذي لشركة “إيليت للاستشارات التسويقية والتجارية”، إنه لا يوجد تعارض بين تعاملات الشركات العقارية مع البنوك ومنظومة التمويل العقاري فيما يتعلق بتسعير العقارات للعملاء.
أضاف أن العديد من الشركات العقارية تقدم خصومات للعملاء الذين يدفعون نقدًا، تصل في بعض الحالات إلى 49%. وهذه الخصومات أصبحت شائعة في السوق.
وأوضح أن هذا التوجه يُعتبر عرفًا في السوق، إذ يمنح المطور العقاري خصمًا للعملاء الذين يدفعون نقدًا لوحدات لم تُبنى بعد، مما يسمح للمطور بالحصول على السيولة الفورية بدلاً من الانتظار لتحصيل الشيكات المستقبلية.
وأكد سمير أن المطور لا يصرف الشيكات بنسبة خصم، بل يُطلق على ذلك عملية ” قطع الشيكات” (Discounting)، مشيرا إلى أن شركات التمويل العقاري لا تعمل على الوحدات التي لاتزال تحت الإنشاء، بل تأخذ الشيكات المستحقة على العملاء الذين استلموا وحداتهم بالفعل ولكن لا تزال لديهم أقساط مستحقة.
أضاف أن هذه العمليات التمويلية تهدف إلى تحصيل النقود بالقوة الشرائية الحالية بدلاً من القيمة المستقبلية، مما يوفر سيولة للمشروعات ويمكّن المطور من البدء في مشاريع جديدة، ويحقق فائدة لجميع الأطراف المعنية، سواء المطور أو البنك أو العميل.
وحال تأخر العميل في دفع الأقساط، يتم اتخاذ إجراءات حيث تقوم شركة المطور العقاري بسحب الشيك المتأخر وتقديم شيك آخر للجهة الممولة كضمانة. وإذا لم تكن هناك ضمانة، تكون القيمة التي يحصل عليها المطور أقل، مما يشجع على دفع الأقساط في مواعيدها.
وأكد سمير أنه لا يوجد مطور عقاري يحسب السعر دون سعر فائدة، إذ يتم تضمين سعر الفائدة الحالي في عملية التسعير، وإلا سيتعرض المطور للخسارة، وبالتالي، فإن التسعير دون فوائد يُعتبر نوعًا من التسويق المضلل.
وأشار إلى أنه عند المقارنة بين المطور العقاري والتمويل العقاري، نجد أن التمويل العقاري يتميز بحساب السعر وفقًا لسعر الفائدة الحالي في البنوك، حتى مع التقسيط، إذ يتم الخصم أو الزيادة بناءً على سعر الفائدة الحالي، عكس المطور العقاري الذي يحسب نفس سعر الفائدة على سعر الوحدة حتى لو انخفضت مع الوقت، مما يجعل العميل الذي يختار التمويل العقاري يدفع قيمة أقل للوحدة بناءً على سعر الفائدة المتغير.
عبد الحميد: خفض الفائدة ضرورى لتقليل الفجوة بين التسعير والتمويل
وقال أيمن عبد الحميد عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للتمويل العقاري، إن المطور العقاري في المرحلة الأولى من المشروع لا يكون بحاجة ماسة إلى السيولة الفورية، إذ يكون في طور البناء والتسليم بعد فترة 3 ـ 4 سنوات.
أضاف أن بيع الوحدات بالتقسيط يكون أكثر فائدة للمطور في هذه المرحلة، إذ يتم تحميل ثمن الوحدة بفوائد مستقبلية، ويبدأ المطور في بيع محافظه عند اقتراب التسليم للحصول على السيولة اللازمة لمشاريع جديدة، دون بيع المحفظة بالكامل، بل بقدر الحاجة للسيولة.
وأوضح عبد الحميد أن المطور يتحكم في نسبة أرباحه ومستعد للتنازل عن جزء من الفوائد، مشيرًا إلى أن العملاء غالبًا لا يفضلون الدفع النقدي للوحدات غير المبنية. وفي حالة الوحدات الجاهزة للتسليم، قد يلجأ المطور إلى تقديم خطط تقسيط لتسهيل البيع.
فالمطور لا يمنح خصمًا مباشرًا للعميل، بل يتنازل عن جزء من أرباحه لشركة التمويل مقابل الحصول على سيولة فورية، بدلاً من الاقتراض الشخصي. وأشار إلى أن صرف الشيكات يتضمن خصمًا بسبب تكلفة الأموال وأسعار الفائدة المعلنة، وأن بيع المحفظة يكون أحيانًا أسهل وأسرع للمطور.
وتابع عبد الحميد أن جهات التمويل العقاري تلجأ إلى التوريق في حالتين، الأولى عندما يصل الممول إلى حد الاقتراض الأقصى من البنوك، والثانية عند الحاجة إلى سيولة سريعة لأسباب محددة، وأضاف أن عملية التوريق مكلفة.
وتابع: “بعض الشركات تقدم خصومات للدفع النقدي، بينما لا تفعل ذلك شركات أخرى في مراحل الإنشاء لعدم حاجتها الماسة للسيولة”.
وأشار إلى أن الحل لتقليل الفجوة بين التسعير والتمويل يكمن في خفض أسعار الفائدة، مما يقلل العبء على المستثمرين الذين يشترون من خلال التمويل العقاري.
وقال محمد الكحكي، العضو المنتدب لشركة تمويل للتمويل العقاري، إن المطورين العقاريين يلجأون إلى بيع الحقوق الآجلة للحصول على السيولة الفورية، مفضلين تقديم خصومات للعملاء الذين يدفعون نقدًا .
وأوضح أن التمويل العقاري لا يرتبط بتسعير الوحدات العقارية، حيث يُقدم التمويل بعد اكتمال بناء الوحدة، مشيرًا إلى أن المطورين يقدمون خصومات محدودة للعملاء.
أضاف الكحكي أن التمويل العقاري يُفيد العملاء، خاصةً مع ارتفاع أسعار الوحدات الحالية التي قد لا تتناسب مع إمكانياتهم المالية، إذ يتيح تمديد فترات السداد وتقليل الأعباء المالية عند الاستلام، مثل تكاليف الصيانة والتشطيب والتأثيث. كما يُسهم التمويل العقاري في تسهيل عمليات إعادة البيع وتعزيز فرص البيع.
وأكد أن قطاع التمويل العقاري يخضع لرقابة هيئة الرقابة المالية، التي تتمتع بخبرات كبيرة وتوفر تنظيمًا محكمًا، في حين يفتقر قطاع الاستثمار والتطوير العقاري إلى جهة رقابية مماثلة، مما يسمح للمطورين بحرية كاملة في تسعير العقارات.