اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة (50)..
لماذا الشمول المالى؟ (1)
منذ فترة ليسن بالبعيدة وبمبادرة من البنك المركزى الذى اعطى تعليماته للبنوك بتطبيق ما يسمى اسبوع الشمول المالى من باب التوعية وطبعت المنشورات لهذا الغرض ووزعت على العملاء.. ولكن هل تساءل البعض قبل التطبيق. لماذ الشمول المالى؟ وهل وضعت له خطة قومية للتطبيق؟ ولا هى موضة وخلاص ويللا شمول يبقى يللا شمول؟؟.. اكيد الموضوع له دلالات دولية.
أدرك قادة مجموعة الـG20 خلال عام 2010 أهمية الشمول المالى وقاموا بتأييده كدعامة أساسية فى جدول أعمال التنمية العالمية، حيث تم تأسيس رابطة باسم Global Partnership for Financial Inclusion (GPFI) وذلك لوضع خطة عمل متعددة السنوات لتطبيق الشمول المالى من خلال دعوة مجموعة من خبراء الشمول المالى وخمس هيئات دولية قائمة للعمل على وضع المعايير الدولية Standard Setting Bodies (SSBs) للبدء فى تكثيف العمل على تطبيق الشمول المالى؛ لأنه يعزز من الاستقرار المالى كما يساهم فى النمو الاقتصادي، والكفاءة المالية، وذلك بخلاف الجانب الاجتماعى فيما يتعلق بتحسين الحالة المعيشية للعملاء وخاصة الفقراء منهم.
ويقصد بالشمول المالى Financial Inclusion: إتاحة واستخدام جميع الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع من خلال القنوات الرسمية بما فى ذلك الحسابات المصرفية والتوفير، خدمات الدفع والتحويل، خدمات التأمين، وخدمات التمويل والائتمان لتفادى لجوء البعض إلى القنوات والوسائل غير الرسمية التى لا تخضع لحد أدنى من الرقابة والإشراف ومرتفعة الأسعار نسبيا مما يؤدى إلى سوء استغلال احتياجات هؤلاء من الخدمات المالية والمصرفية.
إضافة إلى ما تقدم، فقد قامت العديد من الدول بإدراج الشمول المالى كهدف من أهداف استراتيجيتها القومية. وقد شكلت هذه التطورات تحديات كبيرة للجهات الرقابية المالية تمثلت فى النظر فى كيفية المواءمة بين الشمول المالى كهدف استراتيجى جديد وبين الأهداف الثلاثة الأخرى المتعارف عليها وهي: الاستقرار المالى Financial Stability، والنزاهة المالية Financial Integrity،والحماية المالية للمستهلك Financial.Consumer Protection وقد اتجهت الدراسات الحديثة نحو محاولة تحقيق الارتباط الأمثل بين الأهداف الأربعة أعلاه عن طريق الوصول لأعلى قدر من التوليفات Synergy وأقل قدر من المفاضلات Tradeoffs بينها بما يعرف بالإطار المتكامل للشمول المالى ويطلق عليه نظرية الـI-SIP(INCLUSION، STABILITY، INTEGRITY، AND PROTECTION.). وقد لوحظ فى الآونة الأخيرة قيام الجهات الرقابية المالية بمحاولة تعظيم الاستفادة من تطبيق نظرية الـ I-SIP للوصول إلى قطاع مالى مستقر يتمتع بقدر عال من النزاهة ويهتم بحماية وسلامة حقوق العملاء..
ومن المفترض أن تقوم كل دولة بوضع التعريف الخاص بها لكل هدف من الأهداف الأربعة والذى سيتم من خلاله بناء أسس الارتباط بين الأهداف وبعضها بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية للدولة.
ويؤكد الخبراء صعوبة تحقيق الشمول المالى دون وجود استقرار فى النظام المالي، فى حين أنه من الصعب استمرار تحقيق استقرار مالى لنظام يتضمن شرائح من السكان واقتصاديا مستبعدة ماليا واجتماعيا.
ومن أهم أسباب عدم وجود استقرار للنظام المالي، ما يلى:
* العوامل الداخلية للمؤسسة (التى تشمل تباين المعلومات بصرف النظر عن مصادرها)، وتتمثل العوامل الداخلية لعدم وجود استقرار مالى فى سوء تدفق المعلومات الذى يعوق كفاءة أداء الأسواق المالية. ويحدث هذا التباين فى المعلومات حين يكون لدى أحد الأطراف معلومات أكثر عن الأطراف الأخرى بشأن حجم المخاطر المحتملة والعائد على الاستثمار المقترح. وينتج عن ذلك حدوث مخاطر ائتمانية مرتفعة كمثال فى حالة منح قروض لمقترضين لا تتوافر عنهم معلومات كافية، مما يؤدى إلى مخاطر عدم السداد نتيجة لانخفاض الجدارة الائتمانية للمقترض. ولتخفيض تلك المخاطر، يجب أن يقوم المقرضون بإجراء دراسات ائتمانية دقيقة تتضمن أسس التقييم والمتابعة السليمة. وتتميز البنوك عن الوسطاء الماليين الآخرين بقدرتها على تكوين علاقات ائتمانية طويلة الأجل مع العملاء واستخدامها للحدود الائتمانية الممنوحة لهم مما يقلل من مشكلة تباين المعلومات بين الأطراف. هذا ويتم بصفة عامة زيادة أسعار العائد على القروض ذات المخاطر الائتمانية المرتفعة، إلا أن هذا الإجراء يؤدى إلى نتيجة عكسية نظرا لكون المقترضين ذوى المخاطر العالية يكونون عادة على استعداد لدفع أسعار عائد أعلى، مما يؤثر بدوره على توازن أسعار العائد فى السوق وبالتالى عدم وجود استقرار مالي.
* السياسات الكلية والعوامل المؤسسية والحوكمة التى تؤثر بدورها فى الاقتصاد الكلى والموازنة العامة، فوجود سياسات اقتصاد كلى غير مستقرة وغير متناسقة يؤدى إلى حدوث أزمات أسعار الصرف (مصر قبل وبعد التعويم) لأى دولة نظرا لتعارض السياسات النقدية والمالية مع أسعار الصرف السائدة، والذى يؤدى بدوره إلى عدم وجود استقرار مالي. وقد تقوم بعض الدول بالمبالغة فى الاقتراض من دول أخرى بعملات أجنبية مما يؤدى فى النهاية إلى زيادة الدين العام وزيادة عجز الموازنة والذى يؤثر بدوره على الموازنة العامة للدولة ويؤدى إلى عدم وجود استقرار مالى للنظام السائد. كما أن الأسواق الناشئة تكون أكثر عرضة لحدوث أزمات بسبب عدم رغبة المستثمرين الدوليين الاستثمار فى سندات الدين المقومة بالعملة المحلية للدولة مما يسبب مزيد من عدم وجود استقرار مالي، كما ان وجود سياسات غير مستقرة وضعف قواعد الحوكمة، والممارسات غير السليمة قد تسهل من احتمال حدوث الممارسات الاحتيالية، مما يؤدى إلى عدم وجود استقرار مالي.. ويمكن معالجة ذلك من خلال تحسين حوكمة المؤسسات وتعزيز الشفافية المالية.
* العوامل الخارجية: التى تتمثل فى بنية الأسواق المالية الدولية التى قد ينتج عنها أزمات أسعار الصرف..
واختم هذه الحلقة بالقول بأنه من الصعب تصور استمرار الاستقرار المالى مع وجود نسبة متزايدة من المجتمع والقطاع الاقتصادى التى لا تزال مستبعدة من الناحية المالية (مثل سكان المناطق الريفية، مجموعة من الأقل حظا فى المناطق الحضرية الفقيرة، والفقراء)… فماذا نحن فاعلون تجاه النسبة الاكبر خارج تعاملات البنوك والتى تزيد على 80% من الشعب؟؟؟ وكون النسبة الأقل من المتعاملين مع البنوك من اصحاب الأرصدة الكبيرة قد تلجأ لسحب ارصدتها ومدخراتها فى الأزمات مثلما حدث بعد يناير 2011..
وللحديث بقية عن مصر والشمول المالى..
وما نبغى إلا إصلاحا