بقلم: نواه سميث
يقال إن الرئيس دونالد ترامب يسعى لإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية أو حتى إلغائها، فاسمحوا لى أن أفسر لكم لماذا يعد ذلك فكرة سيئة؟
دافع كثيرون من أصدقائى كاتبى المقالات فى وكالة أنباء «بلومبرج» عن الاتفاق، وأشاروا إلى أنه منذ توقيع الاتفاق، استثمرت سول أكثر فى الولايات المتحدة وخلقت وظائف للأمريكيين.
وأشار ديفيد فولودكجو إلى أن صادرات الخدمات الأمريكية ارتفعت إلى كوريا، مما تسبب فى فائض بقيمة 10 مليارات دولار فى الميزان التجاري، والجميع أكدوا – وهم محقون فى ذلك – أن كوريا حليف رئيسى للولايات المتحدة، وأن بناء أسوار تجارية مع الحلفاء خطوة جيوسياسية سيئة.
وهذه الحجج قوية بالتأكيد ومهمة، ولكن من المفيد أيضاً أن نتراجع للوراء وندرك الأسباب، ومن حيث المبدأ، تعد التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة فكرة جيدة، وهذا يعنى الاعتراف بصدق، بمخاطر التجارة الحرة، وفهم لماذا لا تشكل كوريا الجنوبية هذه المخاطر.
كيف يمكن أن تضر التجارة الحرة بالأمريكيين؟
عندما يدخل السوق عدد كبير من العمالة الأجنبية الرخيصة.. لكنها عالية الإنتاجية، تتضرر العمالة فى الدول الغنية.
وعندما فتحت الولايات المتحدة التجارة مع الصين، أصابت القوة العاملة الضخمة، وحركة التصنيع السريعة، والإنتاجية العالمية الكثير من العمالة الصناعية فى أمريكا بلعنة مهنية.
وبدلاً من البحث عن وظائف أخرى فى أدوار مشابهة، اضطر معظمهم إلى تحمل تخفيضات كبيرة ودائمة فى الأجور، أو انتقلوا إلى قسم الخدمات الذى يتطلب مهارات أقل، وتقاعد بعضهم مبكرًا.
ولكن مع كوريا الجنوبية، لا توجد المخاطر المشابهة فى الطبقة العاملة.
ويميل الناس إلى ربط كوريا والصين معا لأنهما تقعان فى شرق آسيا، وتدير كلتاهما فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة، ويقوم نموذجهما الاقتصادى على الصادرات والتصنيع، ولكن هناك اختلافين كبيرين يجعلان التجارة مع كوريا فرصة أكثر منها تهديد، وهما أن كوريا أكثر ثراء من الصين، وأصغر منها بكثير.
وتكون التجارة بين الدول الغنية بعضها البعض، مختلفة عن التجارة بين الدول الغنية والفقيرة.
وبشكل عام، لدى واشنطن وسول، تخصصات متشابهة، فكلتاهما تنتجان الكثير من السيارات، والإلكترونيات، والآلات، وغيرها من الأشياء عالية القيمة التى يتطلب إنتاجها الكثير من الاستثمار الرأسمالي.
ووفقاً لنظرية «إيكون 101» التجارية التى تقوم على مبدأ الميزة التنافسية، يعنى التشابه بين اقتصادى كوريا الجنوبية وأمريكا أنه لا توجد أسباب كثيرة تدعوهما للتبادل التجاري، وفى عالم الواقع، تشيع التجارة بين الدول الغنية حتى عندما تكون المنتجات متشابهة، وتشترى كوريا الجنوبية الكثير من أجهزة الـ«آى فون»، فى حين تشترى الولايات المتحدة الكثير من هواتف «سامسونج»..
وفاز الاقتصادى بول كروجمان بجائزة نوبل فى الاقتصاد لأنه ابتكر نظرية تفسر سبب هذا السلوك، وتقوم على أن الأشخاص يحبون التنوع فى الأشياء التى يشترونها – فالبعض يفضل «آبل» والبعض الآخر يحب «سامسونج» – واستخدم كروجمان هذه الفكرة لتفسير الاتجاهات التجارية التى حيرت الاقتصاديين لعقود.
وتدير كوريا الجنوبية فائضاً تجارياً فى أشياء منها الآلات، والإلكترونيات، والمركبات، وتصدر أمريكا هذه الأشياء إلى كوريا، وكذلك تبيعها كوريا للولايات المتحدة.
وهذا يعنى أن كوريا لا يمكن ولن تسبب نفس الصدمة التى سببتها الصين للعاملين الأمريكيين.
وعندما بدأت الصين تصنع كل شيء بدءاً من الألعاب إلى الإلكترونيات والملابس وقطع غيار السيارات، فقدت أمريكا بكل بساطة هذه القطاعات.
ولكن عندما زادت التجارة بين الولايات المتحدة وكوريا، باعت الدولتان المزيد من السيارات والآلات والإلكترونيات لبعضهما البعض، وهذا يعنى أن العمالة الأمريكية فى هذه القطاعات لن تخشى الانتقال إلى وظائف أقل أجراً، وبالتالى تمثل كوريا بالنسبة إليهم فرصة وليس تهديداً.
وبالتالى لا يوجد ما نخشاه فى التجارة مع كوريا الجنوبية، وقطع العلاقات معها، سيشبه منع التجارة بين ولايتى كنتاكى وكاليفورنيا ولن يستفيد أحد.
ولا يوجد ضير فى التعلم من دروس الماضي، وكان دخول الصين إلى النظام التجارى العالمى حدثاً نادراً ولن تكون التجارة الحرة مع كوريا تكراراً لذلك، بل أنها ببساطة فرصة للولايات المتحدة أن تعزز نمو اقتصادها وفى نفس الوقت مساعدة حليف.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»