انقلب الحال فى مصر رأساً على عقب قرار تعويم الجنيه.. كل شىء تغير فى مصر الأسعار ركبت الصاروخ بداية من ساندوتش الفول وحتى السيارات القرار ضرب الاستيراد فى مقتل.. بل إنه قضى على «دواعش» الاستيراد الذين حولوا مصر إلى أسواق لنفايات دول العالم يأتوا إليها بالسلع الرديئة وبطعام القطط والكلاب والألعاب النارية وغيرها من السلع الاستفزازية على حساب العملة الصعبة والمطلوبة لتوفير الغذاء والدواء للمواطنين.. فقد استغل دواعش الاستيراد ممن لا عمل لهم سوى استيراد أى شىء مستغلين عدم وجود ضوابط أو معايير أو مواصفات لدخول السلع للسوق المحلى وكل ذلك كان على حساب الصناعة الوطنية التى دفعت الثمن باهظاً بسبب هذا السفه الاستيرادى، فتوقفت كثير من الصناعات واستغنت عن العمالة وتحول كثير من الصناع إلى مستوردين لعدم قدرتهم على المنافسة مع المستورد الذى يدخل البلاد مدعوماً من بلد المنشأ أو مُهرباً لا يدفع رسوماً جمركية.. وراجت فكرة الاستيراد لكل من هب ودب يجمع مبلغاً من المال ويتجه إلى الصين ليملأ «الكونتينر» من كل شىء ويشحنه إلى مصر.. بل البعض كان يستغل انخفاض تكلفة الإنتاج فى الصين ويطلب منها صناعة سلع مصرية مثل فوانيس رمضان وغيرها من السلع.. وبالتالى انهارت صناعة حرفية وتراثية فى مصر بسبب ذلك.
واستنزف هؤلاء الدواعش النقد الأجنبى فى ثراء دول أخرى على حساب الاقتصاد القومى… ولم يكتف هؤلاء الدواعش فقط بفوضى الاستيراد، بل راحوا يتاجرون فى النقد الأجنبى مستغلين عدم توافره وضاربوا فيه وعاد أباطرة العملة الصعبة كما كانوا فى الثمانينيات، حتى جاء قرار التعويم الذى كان لابد منه ولم يعد هناك مبرراً لتأجيله بعد أن تحولت البلاد ساحة للمضاربة على الدولار.. وضرب قرار التعويم جبهات المضاربين وألحق بهم خسائر كبيرة ولاذ أغلبهم بالفرار، واستسلم غالبية المضاربين لقرار البنك المركزى بتسليم ما فى حوزتهم من دولارات للبنوك التى فتحت خزائنها للعملة الخضراء وبدأت فى توفير للأولويات الاستيرادية كالغذاء والدواء ومستلزمات الإنتاج.
وبعد مرور عام من التعويم لم تعد هذه الفوضى الاستيرادية موجودة ولا هؤلاء الدواعش أصحاب مكاتب الشقق المفروشة ورحلات الصين.. واستقر سعر الصرف وأصبح الدولار متاحاً للجميع.. ولم يعد أمام المستوردين إلا الاستثمار فى الصناعة بعدما أصبح سعر المنتج المحلى مغرياً بعد التعويم وهو ما انعكس على أرباح الشركات المصدرة وزادت إيراداتها بشكل كبير لقد نجحت الحكومة بالفعل من خلال رؤية موحدة استهدفت تحجيم الاستيراد فى أن تحقق نتائج مبهرة بزيادة الصادرات المصرية بنحو %11 وتراجع العجز فى الميزان التجارى بنحو 9 مليارات دولار.
بالطبع لقرار التعويم أضراره وضحاياه بسبب ارتفاع الأسعار الذى فاق كل الحدود وأصبح فوق طاقة الغنى والمتوسط وزاد من فقر الفقراء.. ولكن الحرب قد تكون ضرورة رغم ما تخلفه من دمار.. كذلك قرار التعويم كان لابد منه إذا ما أردنا إصلاحاً حقيقياً للاقتصاد.
وباتخاذ قرار التعويم يكون قد انتهى دور البنك المركزى فى هذا الإطار تحديداً والكرة الآن فى ملعب الحكومة فى تنفيذ إصلاح حقيقى يشجع على الاستثمار ويحفز على الإنتاج والتصدير، علينا أن نبحث عن أن يكون لدينا منتجات للتصدير نعظم المكون المحلى.. نساعد على زيادة الاستثمارات فى قطاعات الإنتاج بسد الفجوة الغذائية وحظر تصدير المواد الخام ونحول المحافظات الغنية بالثروات الطبيعية إلى قلاع صناعية لأن اقتصاد الدول يقاس بحجم صادراتها والصادرات لا تحقق إلا من الصناعة والزراعة ثم الخدمات.. نحن نريد أن تكون لدينا تنمية مستدامة لا أن يكون كل هدفنا رفع معدل النمو.. نريد أن تتحول مصر كلها إلى دولة منتجة ومصدرة، كفايانا استهلاك وترف وانفتاح سداح مداح.
نحن لن نخترع هناك تجارب لدول عانت مثلنا انظروا إلى ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين والبرازيل الآن، كيف تحولت هذه الدول إلى اقتصادات قوية وكيف أصبح لها مقعداً فى أقوى 20 اقتصاداً على مستوى العالم.. نحن فقط نريد إرادة حقيقية للإصلاح وإصرار على تنفيذه، واستراتيجية حقيقية تراعى ظروف وأولويات هذا البلد.
نحن ندرك أن كل النوايا مخلصة نحو الإصلاح ولكن التشاور والحوار والشفافية والتنسيق كلها أمور مستحبة فى العمل الجماعى لفريق الإصلاح الحكومى.. أيها السادة، العالم كله عانى من تنظيم داعش ونحن أول من عانى، فعلينا ألا نساهم فى تفريخ دواعش أخرى مثلما حدث من دواعش الاستيراد.. هذه التنظيمات لا تخرج إلا من مجتمعات الفوضى والفقر والجهل ونحن لا نريد أن نكون دولة مصدر للدواعش بل دولة مصدرة للسيارات والتكنولوجيا.
[email protected]