اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 59
ستاندرد آند بورز (S & P) هى شركة خدمات مالية ومقرها فى الولايات المتحدة، وهى فرع لشركات «مكغرو هيل» التى تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات، ومعروفة جيداً بمؤشراتها فى سوق البورصة إس وبى 500 الأمريكية وS&P/ASX 200 الأسترالية وS&P/TSX الكندية وS&P/MIB الإيطالية والهندية S&P CNX Nifty، كما أنها واحدة من وكالات التصنيف الائتمانى الثلاث الكبار، التى تضم أيضاً تصنيف كل من وكالة موديز ووكالة فيتش.
وتقيّم الشركة المقترضين بمقياس يبدأ من AAA إلىD، والمعايير المتوسطة تكون بين AA وCCC (مثال: +BBB وBBB و-BBB)، وتقدم الشركة عن بعض المقترضين (ما يسمى توجيه «مراقبة الائتمان») ما إذا كان من المرجح أن يتم ترقيته (إيجابية) أو خفضه (سلبية) وربما تكون غير مؤكد (محايد) او مستقر بحسب تحسن الأوضاع الاقتصادية وتوقعاتها.
ولقد طالعتنا الشركة بآخر تصنيف لها عن مصر بالإبقاء على التصنيف الائتمانى لمصر عند B- مع تغيير نظرتها المستقبلية عن الاقتصاد المصرى فى الأجل القصير من مستقر عند B- إلى إيجابية.. مع بقائه عند B- فى الأجل الطويل.
ولكن بقاء التصنيف عند B- يعكس الخلل فى الموازنة العامة سواء من حيث العجز الكبير فى الموازنة (12% من الناتج المحلى حالياً) وميزان المدفوعات، أو ارتفاع الدين العام المحلى (الذى وصل إلى 103% بنهاية السنة المالية 2016-2017 كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى)، وكذلك ارتفاع الديون الخارجية إلى أكثر من 80 مليار دولار، وانخفاض المستويات العامة للدخول.
كما توقعت الشركة استمرار الاستقرار السياسى بمصر تحت رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى دون حدوث تغيير سياسى حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة فى 2018، ولكنها أفادت أيضاً، بأن البيئة الاجتماعية والاقتصادية مازالت هشة فى ضوء ارتفاع عجز الموازنة ومعدلات البطالة ومعدلات التضخم ومعدلات الفائدة وحجم الديون نسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى.
إن النظرة الإيجابية تعكس التوقعات المستقبلية فى الأجل القصير (حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة) بأن تقوم الحكومة المصرية بإصلاحات هيكلية لدعم الاستثمار ونمو الناتج المحلى الإجمالى إلى جانب الاستمرار فى تنفيذ سياسة نقدية ومالية تتسم بالكفاءة والفاعلية تؤدى الى انخفاض المستويات المرتفعة لمعدلات التضخم الحالية التى لو استمرت هكذا ستؤدى إلى تآكل ثمار أى إجراءات إصلاحية، وقد يتم العودة مرة أخرى للنظرة المستقرة إذا استمرت نسبة الديون إلى الناتج المحلى الإجمالى مرتفعة، بقاء معدلات التضخم مرتفعة، استمرار ارتفاع تكلفة الاقراض أو مزيد من انخفاض قيمة العملة لمستويات خارج التوقعات، وكذلك إذا ساءت الأوضاع الأمنية بما يعوق عودة الاستثمارات والسياحة إلى سابق عهدها.
كما أن الدافع لتحسن هذا التصنيف كان نابعاً أيضاً من مراجعات صندوق النقد الأخيرة لبرنامج الإصلاح المالى والنقدى الذى تنفذه الحكومة حالياً والحديث عن صرف الجزء الأول من الشريحة الثانية من قرض الـ 12 مليار دولار.
كما توقعت الشركة، أن تصل معدلات النمو خلال السنوات المالية 2018-2020 إلى 4.4% مرتفعة من 3.8%، بشرط ان يكون مدعوماً بتحسن الميزان التجارى والمعاملات الخارجية وزيادة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر، وتحويلات المصريين بالخارج مع التقليص التدريجى المستمر لدعم الطاقة وفى ضوء المؤشرات الإيجابية المتوقعة بشأن إنتاج حقل ظهر من الغاز الطبيعى خلال 2018.
وفى ضوء خطة الإنفاق الحالى على مشروعات البنية الأساسية لشبكة الطرق والعاصمة الجديدة وتنمية محور قناة السويس، مما سيعزز نمو قطاع التشييد والبناء فى الفترة القادمة، على أن تستمر الحكومة فى تحسين بيئة الاستثمار واستكمال وتسريع وتيرة حزمة الإصلاح التشريعى والتنظيمى التى تخطط لها لتعزيز فرص جذب الاستثمارات ولاسيما بعد صدور قانون الاستثمار ولائحته وكذلك قانون التراخيص الصناعية.
ونحن نرى، أنه فى ضوء ما جاء به تقرير شركة S&P أنه مازال هناك مزيد من الإصلاحات الهيكلية على مستوى الاقتصاد الحقيقى حتى تستطيع مصر النهوض من عثرتها والخروج من غرفة الانعاش الاقتصادى بمزيد من الإصلاح المؤسسى والحد من البيروقراطية من خلال ميكنة الخدمات الحكومية، وزيادة الإنتاج والتصدير (استهداف ضعف الرقم الحالى لنصل إلى 40 مليار دولار)، مما يرفع مستويات التشغيل لنصل إلى معدلات بطالة وتضخم أقل من 10%، حيث يحتاج الاقتصاد إلى مليون فرصة عمل للإبقاء على معدلات البطالية الحالية وضعف هذا الرقم لتخفيضها، مع ربط المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالكبيرة، وبالتالى تأتى أيضاً أهمية زيادة الاستثمارات إلى مستويات تصل إلى 22-25% من الناتج المحلى الإجمالى مستقبلاً لنصل إلى معدلات نمو تفوق الـ8% (حيث وصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ما يقرب من 8 مليارات دولار فى العام المالى 2016-2017 كانت معظمها فى قطاع البترول لتمثل 3.4% من حجم الناتج المحلى الإجمالى وهو نسبة ضعيفة، مقارنة بالتطلعات المستقبلية للتنمية المستدامة)، وكذلك زيادة ميزانيات الإنفاق على تطوير قطاعى التعليم والصحة، وتحسين المواصلات العامة، حتى يشعر المواطن بتحسن الخدمات المقدمة إليها.
حفظ الله مصر.. وشعبها.. وتحيا مصر
وما نبغى إلا إصلاحا…