بقلم: محمدالعريان، مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
يتفق جميع الاقتصاديين تقريباً على أن وقوع حرب تجارية ضارية سوف تترك الصين والولايات المتحدة على حد سواء فى حال أسوأ، ويظهر إطار بسيط لنظرية اللعب أن التجارة العالمية بطبيعتها «لعبة تعاونية»، خاصة عندما تتداخل سلاسل الاستهلاك والإنتاج بشدة عبر الحدود، وإذا لم يتم لعب اللعبة على أساس تعاونى، فإن المكاسب المأمولة مقابل نشاطات محددة لفئات بعينها من السكان سوف تتبدد مقارنة بخسائر الأغلبية العظمى فى كل دولة، وهذا سيحدث حتى إذا حاولت القلة الفائزة من انتشار الحمائية تعويض الأغلبية الخاسرة.
ولهذا السبب وحده، يتوقع الكثيرون أن تتوصل الصين والولايات المتحدة إلى حل يجعل التجارة العالمية أكثر نزاهة وفى نفس الوقت حرة (ومشابهة للنتيجة المأمولة فى المفاوضات لتحديث اتفاق التجارة الحرة فى أمريكا الشمالية بين كندا والمكسيك والولايات المتحدة)، وهذا الأمل تعززه حجة أخرى لم تحظ بانتباه كافى، وهى أنه من خلال الإذعان للضغوط الخارجية المتزايدة على الملكية الفكرية والحواجز التجارية المفرطة، سوف تسرع الصين تطبيق تحولات ثلاثية طويلة الأجل، والتى بدأت طوعا بالفعل فى تطبيقها أو تعلم أنه من الضرورى أن تنفذها.
وعلى مدار سنوات، وفى الوقت الذى كانت تبحر خلال ما يطلق عليه الاقتصاديون «الانتقال من مرحلة الدخل المتوسط» – وهى واحدة من أصعب المراحل فى التنمية الاقتصادية – كانت الصين تعيد توجيه محركات نموها بعيدا عن الصاردات ونحو الطلب الداخلى، وعلى طول الطريق، كانت تنتقل من الاستثمارات غير الكفء من الشركات الحكومية إلى الاستهلاك الخاص، والمزيد من التحرير التجارى سوف يساعدها فى هذه العملية.
وسوف يتماشى تقليص الحواجز التجارية والالتزام بقواعد الملكية الفكرية المقبولة عالميا مع تحول تنموى ثانى وهام فى الصين وهو الارتفاع التدريجى فى رغبتها فى تحمل مسئوليات عالمية أكبر، ويتزامن مع حجمها الإجمالى فى الاقتصاد العالمى.
ويعود تردد الصين فى تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة إلى حجم اقتصادها الكبير الذى اكتسب أهمية عالمية ونظامية على الصعيديين الاقتصادى والمالية عندما كانت مستويات الدخل للفرد منخفضة نسبياً وقبل أن تنضم الدولة إلى صفوف الدول المتقدمة.
وأخيراً استفادت الصين لعشرات الأعوام من قدرتها على الحفاظ على تركيزها الشديد على الأهداف بعيدة المدى، وعلى استغلال أوقاتها جيدا للتعامل مع القضايا قصيرة الأجل التى نشأت من التفاعلات الاقتصادية الدولية والمحلية، وعلاوة على ذلك، ورغم تحقيقها نجاح مستمر فى الداخل والخارج، تعرضت الصين لضغوط متزايدة لتتعامل مع (أو لتتجاهل) أموراً قد تعتبرها قضايا تكتيكية بدلاً من اتباع سياسة الانتظار والترقب، ويعد تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة أحد الأمثلة.
وبدلاً من تجنب التفاوض، من مصالح الصين قصيرة وطويلة الأجل أن تجلس وتتحدث مع الولايات المتحدة ومن الأفضل أن يتم ذلك خلف الأبواب المغلقة، ومن المفترض أن تفعل نفس الشىء مع أوروبا، وهو ما سيسلط الضوء على أهمية تعددية الأطراف فى المحادثات الثنائية.
وسوف يفيد التوصل لنتائج ناجحة ومنظمة من هذه المفاوضات النظام العالمى ككل الذى يقع حاليا تحت ضغوط كبيرة إن لم يكن يواجه مخاطر التفكك التدريجى التى تعود جزئياً إلى إهمال فئات مهمشة ومنبوذة من السكان، بالإضافة إلى مشكلة عدم المساواة، كما أن الجلوس على طاولة المفاوضات سوف يساعد الصين فى طريقها الصعب للخروج من فخ الدخل المتوسط، ويوفر للدولة منصة مهمة للسعى وراء مطالبها الشرعية المتعلقة بتمثيل وصوت أفضل ومتساوى فى المؤسسات متعددة الأطراف، وهى ما قد يمنح الدولة حالة السوق الاقتصادية التى تتباطأ أوروبا فى منحها لها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»