بقلم: كارلوس لوبس
أستاذ الحوكمة العامة فى كلية مانديلا بجامعة كايب تاون
يثير استخدام الصين الروابط التجارية والاستثمارية لتوسيع نفوذها فى أفريقيا، القلق فى بعض العواصم الأوروبية، ولكن بدلاً من انتقاد نشاطات الصين، ينبغى أن يتجه الاتحاد الأوروبى لزيادة انخراطه فى القارة.
وفى السنوات القليلة الماضية، سعى الاتحاد الأوروبى بنشاط لاقتناص الفرص الاستثمارية والتجارية الجديدة حول العالم، واعتباراً من يوليو 2018، انخرط الاتحاد الأوروبى فى مفاوضات بشأن 21 اتفاقية تجارة حرة، كما أطلق محادثات مع ست دول آسيوية فى السنوات السبع الأخيرة؛ مثل إندونيسيا والفلبين وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، وهو ما يمهد الطريق لصفقة مستقبلية مع المنطقة بأكلمها. ولكن ماذا بشأن أفريقيا؟
تعد التجارة بين الاتحاد الأوروبى وأفريقيا كبيرة بالفعل، وتشكل الدول الأفريقية معاً ثالث أكبر شريك تجارى للاتحاد الأوروبى بعد الولايات المتحدة والصين، وتمثل حوالى 7% من إجمالى الفائض التجارى الأوروبى فى البضائع بما فى ذلك 7% من الواردات و8% من الصادرات، ورغم أن أفريقيا أدارت عجزاً تجارياً مستمراً مع أوروبا فى الفترة من 2000 إلى 2014، فقد سجلت فائضاً بمقدار 22 مليار يورو فى 2015، و22.7 مليار يورو فى 2016.
ويمكن أن ترتفع حصة أفريقيا من التجارة الأوروبية أكثر بالنظر إلى الآفاق الاقتصادية المذهلة للقارة.
ومن عام 2000 إلى 2010، حققت أفريقيا نمواً فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى السنوى بنسبة 5.4%، وظل المعدل قوياً عند 3.3% فى الفترة من 2010 إلى 2015، واليوم، لا تزال أفريقيا المنطقة الأسرع نمواً فى العالم، بعد آسيا الناشئة والنامية.
وبالنسبة لأوروبا، لا تزال الإمكانات الاقتصادية لأفريقيا بعيدة كل البعد عن الاستغلال، ومن المتوقع أن يصل الإنفاق من قبل الأسر والشركات، المقدر بـ4 تريليونات دولار فى 2015، إلى 5.6 تريليون دولار بحلول 2025، ما يعكس نمو سنوى بنسبة 3.5%، وعلاوة على ذلك، ووفقاً لمعهد «ماكينزى» العالمى، سوف تصل الفرص الاستثمارية النابعة من الطلب على البنية التحتية فى أفريقيا إلى 150 مليار دولار على الأقل على مدار العام المقبل، كما أن أفريقيا موطن للموارد الطبيعية الاستراتيجية المطلوبة للصناعات منخفضة انبعاثات الكربون، وهى مستعدة تماماً للعب دور رئيسى فى الطاقة المتجددة.
وقيمة أفريقيا كشريك تجارى واستثمارى ليست أنباء جديدة على أوروبا، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، كان الاتحاد الأوروبى يتفاوض مع كل منطقة فرعية فى أفريقيا بموجب إطار اتفاقات الشراكة الاقتصادية، بهدف التوصل بالأخير إلى اتفاق تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبى والدول الأفريقية والكاريبية والمطلة على المحيط الهادى.
ومع ذلك حتى الآن لم يتم التصديق سوى على اتفاقية شراكة واحدة مع جنوب أفريقيا، وتوقف التقدم بشأن الاتفاقات الأخرى، وهو ما يعود بقدر كبير إلى نقص الحماس السياسى، ولدى الأفارقة مخاوف حقيقية بشأن كيف ستؤثر اتفاقيات الشراكة على التنمية الصناعية واتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، التى وقعتها جميع الدول الأفريقية تقريباً، مارس الماضى، وزاد عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا الطين بلة.
ويحق للقادة الأفارقة القلق؛ حيث أظهرت البحوث الأولية، أنَّ الفوائد التجارية التى ستجلبها اتفاقيات الشراكة الاقتصادية سوف تتركز فى الأساس على المنتجات الزراعية، وسوف تستثنى الدول الأقل تقدماً، بل وفى بعض المجالات سوف تضر بالتجارة البينية، وتضعف الإيرادات التجارية، وتعوق حركة التصنيع المدفوعة بالتجارة فى أفريقيا.
ويجادل البعض بأن المشكلة مشكلة توقيت؛ لأن الخسائر سوف تحدث فوراً، وإنما فوائد الوصول للأسواق الأوروبية سوف تأخذ وقتاً حتى تظهر، وبالنظر إلى ذلك، يؤكد مؤيدو اتفاقات الشراكة، ضرورة إنشاء صندوق للتعويض عن بعض الخسائر الفورية، ومع ذلك تشير البحوث إلى أن أفضل الطرق لأفريقيا لتجنب الخسائر هى التركيز على تعزيز اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية والتخلى عن اتفاقيات الشراكة الحرة مع أوروبا.
وبالتاكيد تأخذ أوروبا خطوات للمساعدة على تعزيز اتفاقية التجارة الحرة القارية، وأعلنت مؤخراً عن زيادة أكبر سبعة أضعاف فى مساعدات الدعم الفنى والمؤسسى وجمع البيانات والتحليل، من 7 ملايين يورو فى 2014- 2017 إلى 50 مليون دولار فى 2018- 2020.
وإذا أرادت أوروبا استغلال الفرص التى تقدمها أفريقيا بطريقة مفيدة للطرفين، فسوف تحتاج للعمل مع قادة القارة لبناء نوع جديد من الشراكة التى تتعامل مع الدول الأفريقية على قدم المساواة، بمعنى آخر يجب أن تعتمد العلاقة الأوروبية الأفريقية الجديدة على التجارة وليس المساعدات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت