التصنيف الائتمانى مصطلح متعارف عليه بين المصرفيين والاقتصاديين، لكنه لم يأخذ حظه إعلامياً ولم يتم تداوله إلا خلال السنوات القليلة الماضية ويرجع ذلك إلى الظروف الاقتصادية التى مرت بها مصر منذ عام 2011، حيث بدأ التركيز عليه وتطوراته وتغيراته باعتباره مؤشراً على أداء واتجاهات الاقتصاد فى المستقبل من خلال النظرة المستقبلية التى تضعها مؤسسات التصنيف فى تقاريرها ما بين نظرة مستقبلية “إيجابية” أو “مستقرة” أو “سلبية” إضافة إلى التصنيف ذاته الذى يحمل بين طياته معلومات كثيرة يتم اختزالها فى درجة من درجات التصنيف التى تصل إلى 21 درجة تقع ما بين التعثر D، والجدارة الائتمانية الممتازة AAA+،كما ترجع اهمية التصنيف الى أنه أحد أهم المؤشرات التى يعتمد عليه المستثمرين من دول ومؤسسات وأفراد عند اتخاذ قرار الاكتتاب فى السندات أو الصكوك وغيرها من الأدوات أو توجيه الاستثمارات إلى دولة من دون الأخرى، حيث يتم تقسيم درجات التصنيف أيضاً إلى درجات تصنيف للاستثمار وهى درجات الاستثمار ذات المخاطر المحدودة ودرجات تصنيف المضاربة وهى درجات تتسم بعكسها لارتفاع درجة المخاطرة ويصنف المستثمر فى هذه الدرجات بأنه مضارب، كما انه يوجد تصنيف للاجل القصير يتم الاعتماد عليه عند اتخاذ قرارات الاستثمار فى الأجل القصير، وتساعد درجة التصنيف الائتمانى الدول فى عملية الاقتراض من الخارج او إصدار السندات وكلما كانت درجة التصنيف جيدة كلما كان قسط المخاطرة أقل وكلما كانت تكلفة التمويل منخفضة والعكس صحيح.
إن عملية الوصول إلى درجة التصنيف الائتمانى عملية ليست سهلة، حيث يوجد لدى مؤسسات التصنيف وأشهرها الائتمانى استاندرد أند بورز وموديز وفيتس وكابيتال انتيليجنس منهجية واضحة ومعتمدة ويتم الإفصاح عنها على مواقعها تتضمن مجموعة من العمليات الإجرائية والمتابعة والرصد لجميع المتغيرات التى تمر بها الدول والمؤسسات من الأزمات والقرارات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، بالإضافة إلى الاعتماد على ما تصدرة الجهات المختصة داخل الدولة وخارجها من بيانات ومعلومات وما ينشره صندوق النقد والبنك الدولى من مؤشرات اقتصادية عن مختلف الدول، بالإضافة إلى الدراسات التى تقوم بها بنوك الاستثمار العالمية، هذا فضلاً عن قيام هذه المؤسسات بزيارات لمقابلة المسئولين عن اقتصاديات الدول والمعنيين بتطبيق خطط التنمية والإصلاح للوقوف على الرؤية المستقبلية وما يوجد على أرض الواقع من خطط وإنجازات وإصلاحات لتضمين كل ذلك فى التصنيف النهائى والنظرة المستقبلية.
لقد أصبح هناك ترقب واضح من قبل جميع المسئولين والمتابعين الداخليين والخارجيين للتقارير الصادرة عن مؤسسات التصنيف عن مصر فى الآونة الأخيرة رغبة فى الوقوف على أداء الاقتصاد المصرى وتحسن درجة التصنيف وهذا أمر جيد، وقد حصلت مصر فى أحدث تقرير للتصنيف على درجة تصنيف “B” مع نظرة مستقبلية “إيجابية” وهو شىء مبشر، لكن يحتاج الأمر فى نفس الوقت الى بذل المزيد من الجهود والاستمرار فى تنفيذ قرارات الإصلاح وخطط التنمية التى وضعتها الدولة وضرورة تناغم السياسات المالية والنقدية والتجارية، ونظراً لأهمية التصنيف الائتمانى، كما أوضحنا سلفاً فإننى أدعو الحكومة إلى الإعلان عن “استهداف التصنيف الائتمانى لمصر” فى الأجل المتوسط بمعنى وضع جدول زمنى ومجموعة من الإجراءات واجبة التنفيذ للوصول بدرجة التصنيف إلى مستوى أفضل من الحالى وبصورة تدريجية حتى يتم تحويل درجة التصنيف من درجة تصنيف المضاربة إلى درجة تصنيف الاستثمار وهو الأمر الذى لن يتأتى إلا بإصلاح الجهاز الإنتاجى للدولة فى المقام الأول وتحسين مؤشرات الاقتصاد القومى واستهداف الحكومة لإجمالى ناتج محلى من شأنه الوصول بمستويات التشعيل لجميع الأنشطة الاقتصادية بالدولة إلى مستوى أعلى، أعرف أنه مشوار طويل وليس باليسير، لكنه يجب وضع التصنيف الائتمانى فى الحسبان وإنشاء وحدة تابعة لوزارة التخطيط أو وزارة الاستثمار أو بمركز معلومات مجلس الوزراء تكون مهمتها متابعة التصنيف ومتطلباته ودراسة وفهم المنهجية التى تستخدمها مؤسسات التصنيف للوصول إلى درجة التصنيف وتطوير نظام للمحاكاة من خلاله يتم اختبار عدد من السيناريوهات، والتى من خلالها يمكن معرفة المتغيرات والإصلاحات الواجب تطبيقها لتحسين درجة التصنيف.
والله من وراء القصد