بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
إذا تُرك الاقتصاد الأمريكى لمحركاته الخاصة، فلن ينتهى به الأمر من الاقتراب حتى من الوقوع فى ركود خلال عامى 2019 و2020، حتى وسط التوقعات المتشائمة لأوروبا واليابان والصين، وكبار منتجى البترول، ولكنه غير متروك لمحركاته الخاصة.
وفى الأسابيع الماضية، أصبح الاقتصاد أكثر عُرضة لاحتمالات الأخطاء السياسية والاضطرابات السوقية، وهذه الجراح الذاتية رغم محدودية حجمها، أصبحت تشكل تهديداً للأسس الاقتصادية للشركات وللاقتصاد، ما يجعلهما أكثر عُرضة لتباطؤ الاقتصاد العالمى.
ويتمتع الاقتصاد الأمريكى بالعديد من العوامل المحابية له، وانظروا إلى محركات النمو الثلاثة تلك:
أولاً: الإنفاق الاستهلاكى الذى يعززه سوق العمل القوى الذى يواصل خلق الوظائف بمعدل أعلى من المطلوب لاستيعاب الداخلين الجدد، وفقاً لأحدث تقرير، وتقف البطالة عند أدنى معدل تاريخى بـ3.7%.
ثانياً: استثمار الشركات فى حالة جيدة، فمع تخفيف التنظيمات والمعاملة الضريبية المفضلة، تبحث المزيد من الشركات عن طرق لتوظيف ممتلكاتها الهائلة من النقدية فى استثمارات جديدة، بدلاً من إعادة شراء الأسهم أو توزيعات أرباح أكبر، ويحدث هذا التغير فى وقت تحرص فيه الكثير من الشركات على تحسين الإنتاجية من خلال استخدام الإنجازات فى الذكاء الاصطناعى، وتعلم الآلات، والبيانات الكبيرة، وغيرها من الابتكارات التكنولوجية.
ثالثاً: الاحتمال القوى لنمو القطاع الخاص؛ بسبب الإنفاق الحكومى الأعلى.
وبالتالى، فإنَّ الاقتصاد الأمريكى فى وضع جيد للمحافظة على معدل نمو يتراوح بين 2.5% و3% خلال 2019، وفى الوقت نفسه مقاومة الرياح المعاكسة الناتجة عما يلى:
أوروبا: حيث يعوق عدم اليقين السياسى فى أكبر خمسة اقتصادات والانتخابات البرلمانية الإقليمية المقبلة تطبيق سياسات داعمة للنمو ووضع هيكل اقتصادى إقليمى أقوى.
الصين: حيث تتجه الحكومة إلى عكس السياسات التى فقدت تأثيرها، ما يهدد بحدوث تشوهات أكبر للاقتصاد والنظام المالى.
اليابان: حيث يعانى السهم الثالث من مبادرة الحكومة الداعمة للنمو للتغلب على الجمود الاجتماعى والمؤسسى العميق.
منتجو البترول: الذين يعانون مع التراجع الحاد فى أسعار الخام والذى يترجم سريعاً إلى هبوط فى أرباح الصادرات والإنفاق.
وتذهب مشكلات الاقتصاد الأمريكى أبعد من التحديات التى تواجه الاقتصادات الرئيسية الأخرى، ويفاقم توقف الحكومة الفيدرالية عن العمل عدم اليقين المرتبط بما أصبح إشارات متخبطة ومحيرة فى بعض الأوقات من أهم جهازين لصنع السياسة المالية فى الدولة، وهما الفيدرالى ووزارة المالية، ما أثار استياء الكثيرين من المشاركين فى السوق.
ووفقاً ﻷحدث تصريحاته، يبدو أن الاحتياطى الفيدرالى يركز على مجموعة ضيقة من المشكلات الاقتصادية المحلية، ويقلل من الحاجة الكبيرة لسرعة الاستجابة باستخدام مجموعة أكبر من الأدوات.
كما أن جهود وزارة المالية فى تعزيز الثقة من خلال مطالبة البنوك بتقديم تقارير عن السيولة لديها خلال نهاية الأسبوع كان لها آثار عكسية، وتسببت فى زعزعة استقرار الأسواق.
وكان تأثير هذين الحدثين ليكون أقل إثارة للقلق إذا لم يكونا مصاحبين لحقيقة أن الأسواق تواجه بالفعل أوضاعاً فنية غير مستقرة، ويميل المزيد من المشاركين فى الأسواق للتصرف، وكأن الاقتصاد يعانى ركوداً.
ويجب أن ينظر إلى كل ذلك فى سياق انتهاء الفترة المطولة من الضخ الوفير والمتوقع للسيولة من قبل البنوك المركزية، ما عزز ارتفاع الأسعار، والآن سحبها يعد مصدراً للتقلبات والضعف، ونتجت هذه التقلبات، أيضاً، عن انفصال أسعار الأصول تماماً عن الأسس الاقتصادية الأقل قوة، والظهور السريع للاستثمار السلبى، والتحمل المفرط للمخاطر، والوعود المبالغ فيها بالسيولة عبر صناديق المؤشرات التى انتشرت فى أجزاء من السوق عرضة لنوبات نقص السيولة.
وعلاوة على ذلك، أدى ميل المستثمرين للشراء فى أوقات التراجع إلى زيادة البيع فى أوقات صعود السوق.
ويجب ألا يتم تجاهل هبوط الأسواق بحدة خاصة فى غياب العوامل الخارجية التى توقف التراجع أو العوامل الداخلية المتعلقة بالاستيعاب الكامل للأسواق للأسس الاقتصادية الهزيلة، وبالتالى تهدد الفنيات السيئة للأسواق بتلويث الاقتصاد من خلال خليط من تأثير الثروة السلبى وانهيار معنويات الأسر والشركات.
وحالياً، لا تزال هذه التهديدات المتزايدة للنمو الاقتصادى الأمريكى عوامل خطيرة ضمن سيناريو أساسى إيجابى نسبياً، وإبقاؤها على هذه الحال يتطلب عقولاً سياسية أكثر مرونة وأكثر تفهماً لنفسية الأسواق المتغيرة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»