بقلم: كارين إيه يونج، أستاذة مقيمة فى معهد “إنتربرايز” الأمريكى للسياسة العامة
صنابير رأس المال الأجنبى على وشك أن تنفتح على بعض الدول فى الشرق الأوسط، بفضل انضمامهم لمؤشرات الأسواق الناشئة الرئيسية، وعلى مدار العام المقبل، من المتوقع أن تنضم السعودية والكويت لمصر والإمارات وقطر فى مؤشر “إم إس سى آى” للأسواق الناشئة، وفى الوقت نفسه، قد تنضم السعودية وقطر والإمارات والبحرين لعمان بمؤشر “جى بى مورجان” لسندت الأسواق الحكومية الناشئة، وصُنفت الكويت كسوق ثانوى فى مؤشر “فوتسى راسل” فى 2018، ومن المتوقع إدارج السعودية به خلال مارس المقبل.
والانضمام إلى هذه المؤشرات سوف يصب عشرات المليارات من الدولارات فى أسواق أسهمهم وسنداتهم، بدون مجهود كبير من حكوماتهم، ولكن هذه الأموال السهلة قد تعوق الإصلاح الاقتصادى، وتجعل النمو فى 2019 أقل تعلقاً بتحرير السوق، وتحسين الحوكمة وسيادة القانون فى الأسواق، وأكثر تعلقاً بشأن اتجاه رؤوس الأموال إلى حيث توجهها المؤشرات.
وكلما كانت الدولة كبيرة وذات إيرادات ضخمة من الموارد الطبيعية، وصاحبة سياسة خارجية تتجنب المخاطر، ستكون أسواق أسهمها وسنداتها أكثر وصولاً للتدفقات المالية العالمية.
وسوف يشجع الوصول إلى رأس المال الحكومات على مواصلة تمويل عجوزاتها عبر إصدارات الديون الدولية، بينما ستفعل القليل لتعزيز النمو الطبيعى بشركات القطاع الخاص المحلية.
ورغم أن الحكومات أنجزت بعض الأعمال الأساسية لكى تنضم للمؤشرات، مثل تنظيم أسواقها الرأسمالية وبورصاتها، فإنها لم تنجز شيئاً تقريباً فى الإصلاحات الهيكلية الأصعب المتعلقة بفتح اقتصاداتها وخلق بيئة لعب متساوية لشركاتها.
ومن بين الخاسرين سوف يكون رواد الأعمال الشباب الذين يحاولون التنافس مع الشركات الحكومية أو ذات الروابط مع الحكومة والشركات الجديدة التى تبحث عن رأسمال مشترك، وهذه أنباء سيئة لجيل من الشباب العرب الذين مازالوا يعانون من المشكلات التى تسببت فى الانتفاضة العربية عام 2011 مثل نقص الحراك الاقتصادى، وترسخ أنظمة المحسوبية للنخبة، والفرص الضعيفة للوظائف فى القطاع الخاص.
أى الدول ستجذب أكبر حصة من التدفقات الرأسمالية المرتبطة بالمؤشرات؟.. تظهر بالفعل بعض الوجهات المفضلة فى المنطقة، وهم ليسوا بالضرورة هؤلاء الذين يعملون على إصلاح اقتصادى حقيقى.
وبدلاً من مكافئة مجهودات التنويع، قد يؤدى الانضمام للمؤشرات إلى إغفال بعض الدول الأكثر حرصاً على التنويع، فعلى سبيل المثل، تعد التدفقات إلى دبى، منارة الانفتاح الاقتصادى فى المنطقة، ثابتة نسبياً، بينما يتلقى جيرانها الذين ينظر إليهم كملاذات آمنة، تدفقات أكبر، وتشهد مصر والكويت تدفقات أعلى من رأس المال الأجنبى، بينما تفاوتت التدفقات للسعودية نتيجة حملة التطهير فى 2017، والصدام بشأن مقتل الصحفى، جمال خاشقجى.
وحتى أكتوبر الماضى، تلقت الكويت أكثر من 700 مليون دولار فى تدفقات أجنبية صافية خلال 2018، أى أكثر من أى عام سابق، وفقاً لبحث من قبل “إيه إف جى هيرميس”، وجاءت هذه التدفقات فى شكل استثمارات سلبية من متتبعى مؤشر “فوتسى”، وبعض الأسباب الأخرى للتدفقات هى المستوى المنخفض لنسبة الدين للناتج المجلى الإجمالى، والموازنة الوطنية التى تتوازن عند سعر بترول منخفض، والبرنامج الحكومى لزيادة الاستثمار فى البنية التحتية، والسياسة الخارجية الخالية من المشكلات (مقارنة ببعض جيرانها).
وكانت التدفقات إلى مصر متعلقة أيضاً بإيرادات الموارد، خاصة تطوير إنتاج الغاز الطبيعى وتوجيهه للتصدير، وتحسن قطاع السياحة، والحجم الكبير للسوق الاستهلاكى، ومن المتوقع أن يجذب ضم السعودية 16 مليار دولار فى تدفقات سلبية بدءاً من مارس.
وبالنسبة للمستثمرين، فإن ضم الدول العربية الغنية بالبترول سوف يزيد تعرضهم للتقلبات فى أسعار الطاقة، كما أن الديون السيادية من دول مجلس التعاون الخليجى تشكل 30% من إجمالى ديون الأسواق الناشئة.
ولكن هل هذا التعرض سوف يشجع المستثمرين على التدقيق مثلاً فى إفصاحات الحكومات عن الموازنات والأصول الحكومية؟ وهل سينتبهون أكثر للإفصاحات المالية من الشركات المدرجة، وإلى مجهودات الحكومات لخلق سلم تصعد عليه الشركات الصغيرة وتتمكن من إدارج أسهمها فى البورصة؟
والإجابة هى على الأرجح لن يفعلوا ذلك، وبخلاف التدفقات السلبية، تحتاج الحكومات إلى تحفيز الاستثمار المباشر من الموارد الأجنبية والمحلية من خلال التحرك بجدية تجاه الإصلاحات التى تدعم تأسيس الشركات الجديدة وتوفير الوظائف، وخلال هذا الوقت، سوف تقود المؤشرات المستثمرين الأجانب قيادة عمياء.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”