حتى الألوان أصبح لها دلالات قوية فى عالم الاقتصاد والأعمال، للوهلة الأولى، قد يتصور البعض أن السندات الخضراء هى أدوات مالية مطبوعة على أوراق ملونة خضراء.
يرجع هذا الانطباع الخاطئ إلى حداثة المصطلح، وبالمثل، فإن الأيام السوداء ليست أياماً تكون فيها السماء معبأة بالغيوم الرمادية الداكنة فى الأيام الممطرة الكثيفة، لهذا السبب قررت أن أشرح بلغة بسيطة ما المقصود بالسندات الخضراء التى تبحث الحكومة المصرية إصدارها فى السوق المحلى فى إطار استراتيجية خفض الدين العام الجديدة، والتى تهدف إلى تنويع مصادر التمويل وعملات إصدارها وقاعدة المستثمرين من أجل تأمين أفضل معدلات عوائد وتغطية.
استُحدثت السندات الخضراء لتمويل مشروعات لها فوائد بيئية أو مناخية إيجابية، فهى عبارة عن أوراق مالية من أدوات الدين، ولها نفس خصائص السندات التقليدية، ولكن تخصص الأموال للاستثمار فى مجالات صديقة للبيئة مثل الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والإدارة المستدامة للنفايات، والاستخدام المستدام للأراضى (بما في ذلك الغابات المستدامة والزراعة)، وحفظ التنوع البيولوجى، مشاريع النقل النظيف، والمياه النظيفة أو مياه الشرب.
بدأ سوق السندات الخضراء في عام 2007 بإصدار تحمل تصنيف AAA من المؤسسات متعددة الأطراف، مثل بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) والبنك الدولى، ثم بدأ رد فعل سوق السندات ينمو سريعاً بعد بيع أول اصدار للسندات الخضراء بقيمة مليار دولار أمريكى خلال ساعة واحدة من إصدار مؤسسة التمويل الدولية فى مارس 2013، وفي نوفمبر التالى، كانت هناك نقطة تحول مهمة فى السوق عندما أصدرت شركات عالمية كبرى سندات خضراء مثل شرك فازاكرونان، وهي شركة عقارية سويدية، وشركة أبل وبنك كريدي أجريكول ومؤسسة فانى ماى التى تعتبر صاحبة أكبر إصدار لسندات خضراء من حيث الحجم فى عام واحد.
ثم شهد سوق السندات الخضراء نمواً قوياً، حيث بدأ السوق بالفعل فى الانطلاق فى عام 2014 بإصدارات بلغت 37 مليار دولار أمريكى، وفى عام 2018، بلغت الإصدارات نحو 167.3 مليار دولار، مسجلة رقماً قياسياً آخر، ويعتبر البنك الدولى الراعى الرئيسى لإصدار السندات الخضراء.
فقد أصدر ما يقرب من 150 إصداراً بقيمة تبلغ نحو 13 مليار دولار لسندات خضراء بـ20 عملة لصالح مستثمرين من المؤسسات والأفراد في كل مختلف الدول، وتضم قائمة الجهات المصدرة للسندات الخضراء شركات، وبنوك من كل الأحجام، وعدة دول.
وتقوم الجهات المصدرة للسندات الخضراء بقياس الآثار الاجتماعية والبيئية لاستثماراتهم ومراقبتها والإفصاح عنها، وفى كل مؤسسة مالية تعمل فى أسواق رأس المال الدولية موظفون مختصون بالتمويل من خلال السندات الخضراء أو المستدامة، كما يجري تضمين شروط القروض معايير التمويل بالسندات الخضراء، كذلك خصصت وكالات التصنيف الائتمانى، والمؤسسات الأخرى التى تقدم معلومات إلى المستثمرين إدارات تساند الجهات المُصدِرة للسندات الخضراء.
والجدير بالذكر، أن غالبية السندات الخضراء الصادرة يتم تخصيصها لغرض “استخدام العائدات” فى دعم المشاريع “الخضراء” أو السندات المرتبطة بالأصول، ويتم تخصيص عائدات هذه السندات للمشاريع الخضراء، ولكن مدعومة بكامل الميزانية للمُصدر، وهناك أيضاً عدة أشكال من السندات الخضراء تصنف تبعاً لأغراضها مثل سندات إيرادات “استخدام العائدات” الخضراء، وسندات المشروعات الخضراء، والسندات الخضراء المورقة.
أطلقت السندات الخضراء صيحة عالية في سياق مفهوم الاستدامة وتحقيق آثار إيجابية مع الاحتفاظ بميزة السيولة، فبجانب أنها من أدوات الدخل الثابت، فهي تساند تمويل الحلول المناخية لتحقيق أغراض وأهداف التنمية المستدامة، وهي مجموعة الـ 17 هدفاً عالمياً التى اتفق عليها 193 دولة في عام 2015، وتضم أهداف تتراوح من التعليم إلى الصحة والمدن المستدامة. الخضراء.
وعلى المستوى المحلى، تبحث وزارة المالية إصدار سندات خضراء في الربع الأخير من العام المالي الحالي أو الربع الأول من العام المالي المقبل، في إطار استراتيجية خفض الدين العام الجديدة والتي تهدف إلى تنويع مصادر التمويل وعملات إصدارها وقاعدة المستثمرين سواء محلياً أو دولياً من أجل تأمين أفضل معدلات عوائد وتغطية، رغم أننا الآن قد لا ندرك بشكل ملائم الجوانب الكاملة حول اصدار السندات الخضراء، أملاً فى أن نستغل الفرص المناسبة للدخول فى هذا السوق الجديد، والاستفادة من المزايا المتاحة لتحقيق الأهداف المالية وأهداف التنمية المستدامة.