تراجع الأسعار بنحو 25% منذ 2014 وما يقرب من ألف مشروع متأخرة عن مواعيدها
يبدو أن تفاخر إمارة دبي بفكرة تشييد برج خور، الذي من المقرر أن يتفوق على برج خليفة ليصبح أطول مبنى في العالم، والذي يحتوي على مساكن فاخرة، على وشك الانتهاء، خاصة أن أعمال بناء البرج لم تنتهي حتى الآن، رغم بدايتها منذ أكثر من عامين.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن أعمال تشييد البرج ربما لا تكتمل وسط التهديدات التي يبثها الانكماش الاقتصادي الحاد الثاني في غضون 10 أعوام تقريبا، حيث تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9% العام الماضي، وهو أبطأ معدل نمو بالإمارة منذ عام 2010.
وأوضحت الصحيفة أن هذا المشروع يعد مثالا واضحا على نموذج “ابني وسيأتون”، الذي خدم حكام دبي جيدا خلال العقود الأربعة الماضية، حيث تقوم فكرته على تشييد مبنى في الصحراء أو أراض مستقطعة من البحر، ومساكن فاخرة تقدم أفضل وسائل الراحة، ومن ثم الجلوس لترقب اﻷثرياء المغتربين وهم يحاولون اقتناص الفرصة للحصول على مسكن منهم.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى انخفاض أسعار العقارات بنسبة 25% على الأقل منذ عام 2014، حيث يقوم المطورون العقاريون بتقليص عملياتهم كما أنهم تأخروا في سداد مدفوعاتهم المستحقة للموردين.
وقال أحد المديرين التنفيذيين العاملين في مشروع برج خور، الذي يعتقد بإمكانية تعمق المحنة التي تواجهها الشركات الحكومية في دبي هذا العام، إن نموذج اﻷعمال بأكمله بحاجة إلى تغير جذري، فالتكاليف مرتفعة للغاية للحفاظ على هذه المستويات من النشاط.
بالإضافة إلى ذلك، قالت الصحيفة إنه في الوقت الذي تخفض فيه الإمارة القوة العاملة لديها، تضع دبي فكرة تعزيز النمو السكاني، خاصة من الوافدين اﻷجانب اﻷثرياء، كأولوية بالنسبة لها، حيث يشكل المغتربين ما نسبته 92% من الكثافة السكانية البالغة 3.2 مليون نسمة في الإمارة.
وأشارت إلى أنه تم حث الحكومة على منح المستثمرين الأجانب مزيدا من الأمن، من خلال تقديم برامج إقامة طويل المدى، فمن الناحية التقليدية كان هناك ارتفاعا كبيرا في العمالة الوافدة التي تعيش في دبي، ولكن السنوات الأخيرة شهدت تزايد أعداد العمالة في البقاء في دبي لوقت أطول.
وفي الوقت نفسه، قررت دبي تجميد الرسوم المدرسية ورسوم الخدمات الحكومية لأجل غير مسمى، لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.
وقال عبدالله آل صالح، وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الدولية، في الأسبوع الماضي، إنه سيتم منح تأشيرات طويلة اﻷجل لتعزيز الثقة في اﻷعمال التجارية.
وذكرت الصحيفة أن هناك خططا للسماح للأجانب بملكية شركات بنسبة 100% خارج مجمعات اﻷعمال القائمة بالفعل، والتي تعفي الشركات من الحاجة لوجود شريك محلي، وهو توجه جديد مصمم لتحسين المناخ التجاري والحد من النفقات، ولكن هذه الإجراءات تحتاج لوقت حتى تؤتي ثمارها.
وأفادت الصحيفة بأن منح الأجانب المزيد من الحقوق أمر لم يحظ تقليديا بشعبية داخل المجتمع المحلي في دبي، حيث يخشى الكثيرون من فقدان السيطرة، في حين تخشى السلطات الأمنية مخاطر جلب المشكلات الجيوسياسية التي تعاني منها المنطقة إلى دبي التي تعذ ملاذا آمنا.
وأوضحت أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حث دبي على تغيير نموذجها الاقتصادي، فهذه المدينة تأسست على أساس التجارة المفتوحة والتواصل العالمي والتصميم على النجاح، إلا أنها انجرفت بشكل مفاجئ نحو الأزمة المالية العالمية في 2008.
ووقعت دبي تحت تهديد التحول لتصبح أولى ضحايا اﻷزمة المالية، ولكنها استطاعت تجاوز العاصفة، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى المساعدات المالية البالغ قيمتها 20 مليار دولار التي قدمتها أبوظبي، العاصمة الإماراتية الغنية بالبترول والإمارة اﻷكثر ثراء وسط الإمارات السبع.
وكشفت الأزمة اﻷخيرة اعتماد دبي المفرط على القروض، ففي عام 2009 كانت الإمارة مثقلة بديون بقيمة 109 مليارات دولار، أي ما يعادل 130% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط الطبيعة المبهمة للنظام من حيث الخطوط الفاصلة بين الحكومة والكيانات ذات الصلة بالدولة.
وأجبرت بعض الشركات المملوكة للدولة في دبي على إعادة هيكلة ديونها، كما أن الأزمة اﻷخيرة التي عانت منها آثارت النقاش حول ضرورة فطم الإمارة عن الاعتماد على دورة سوق العقارات، بجانب النقاش بشأن حكم رشيد وشفافية أفضل، كما أن حكام الإمارة طبقوا إصلاحات مالية وإصلاحات في قطاع العقارات.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أنه على الرغم من انخفاض حجم إنتاج دبي البترولي، إلا أن دورها الدائم كمحطة لإعادة تدوير البترودولارات يدل على أنها تعمل بالتناوب مع جيرانها اﻷكبر المصدرين للبترول، موضحا أن ارتفاع أسعار البترول بعد ثورات الربيع العربي ساعدت الدولة المدينة.
وأدى انهيار أسعار البترول على مدى الـ 12 شهرا الماضية إلى حدوث ركود اقتصادي كبير في الخليج، فقد خفضت العديد من الحكومات، بما في ذلك الإمارات، الإنفاق وفرضت الضرائب، كما أن القطاع الخاص، الذي يعاني بالفعل في ظل فرض رسوم جمركية، تعرض ﻷزمة أيضا.
بالإضافة إلى ذلك، لم يقدم التغيير في الديناميات الإقليمية أي مساعدة، كما أن سياسات أبوظبي الخارجية أجبرت دبي للمرة اﻷولى على اختيار السياسة بدلا من التجارة، فقد تسبب قرار الإمارات بالانضمام إلى السعودية في فرض حظر على قطر، في إجبار القطريين على تجميد حساباتهم في الإمارات، كما أن تطبيق العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران أضر بحركة الشحن التجاري في ميناء جبل علي في دبي، وأثر تدخل الإمارات في حرب اليمن على صورة البلاد وكلفها مليارات الدولارات.
ويخشى رجال اﻷعمال من أن تتسبب هذه العوامل مجتمعة في خلق أجواء سامة تشكل خطرا أكبر من ذلك الذي مثلته الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
ويقدر ديفيد كليفتون، مدير الاستراتيجية والنمو في شركة الهندسة الأميركية “إيكوم”، أن الإمارات تخلت عن 150 ألف وظيفة متعلقة بالتشييد في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الهجرة الجماعية للوافدين تزيد من مشاكل القطاع الخاص، فقد زادت معدلات التوظيف بأبطأ وتيرة لها منذ عام 2010.
وأرجعت الصحيفة البريطانية الفضل إلى دبي في تطوير واحد من أكثر اقتصادات المنطقة تنوعا، والتي قامت أنشطتها على التجارة والنقل، كما أنها تحولت إلى السياحة والصناعات، وكذلك التمويل، ولكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على العقارات، التي تستحوذ على ربع أو ثلث نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.
وتعتقد دانا سالبك، الباحثة في شركة “جي.أل.أل” الاستشارية، بإمكانية استمرار الانخفاض في أسعار العقارات هذا العام، حتى وإن كان بمعدل أبطأ، كما تشير التقديرات إلى أنه سيتم تسليم نصف الوحدات السكنية قيد الإنشاء، والتي يبلغ عددها 60 ألف وحدة هذا العام بسبب التأخير.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح أفين جيدواني، الرئيس التنفيذي لدى “بي.إن.سي” البحثية، أن عدد المشروعات، التي تتوقف فيها أعمال الإنشاء، قد ارتفع إلى أكثر من 980 مشروع، أي ما نسبته 28% من جميع المشاريع قيد الإنشاء.
ويظل المصرفيون متفائلين نسبيا بشأن خطر التخلف عن السداد، فقد كانت دبي، بما في ذلك الكيانات المرتبطة بالدولة، تسدد ديونها خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن لا تزال تمتلك ديونا تقدر قيمتها بـ 122.5 مليار دولار، أي ما يعادل 110% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.