خلال العقود الثلاثة الماضية، اعتمدت العديد من الاقتصادات الناشئة على دورها فى التجارة العالمية وسلاسل التوريد لدفع عجلة النمو.. ولكن زادت الاضطرابات مع تصاعد وتيرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن تداعيات الحرب التجارية تسببت فى تقلص توقعات النمو فى جميع أنحاء العالم بداية من منتجى السلع الأساسية فى أمريكا اللاتينية إلى مصنعى الملابس والإلكترونيات فى آسيا.
وأثبتت الحرب التجارية المتصاعدة أنها نعمة بالنسبة لبعض الاقتصادات الناشئة – منها فيتنام وكوريا الجنوبية وتايوان – حيث تتجه شركات الصناعات التحويلية بعيداً عن الصين.
ومع ذلك، فإنه لا يعوض التأثير الكلى لتباطؤ التجارة العالمية والنمو الاقتصادى المتعثر فى بكين.
وكشفت بيانات مكتب هولندا لتحليل السياسات الاقتصادية، تراجع التجارة العالمية بنسبة %1.9 فى فبراير الماضى مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وهو الشهر الثالث على التوالى من الانكماش وأكبر انخفاض منذ الأزمة المالية.
وقال الزميل البارز غير المقيم فى المجلس الأطلسى فى واشنطن، هون تران، إن الرياح المعاكسة ضد الأسواق الناشئة تتجمع بقوة.
ونتيجة لذلك، من المقرر أن تنمو الاقتصادات الناشئة بنسبة % 4.4 العام الحالى وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولى، وهو أبطأ معدل نمو لها منذ عام 2015.
وتوقع صندوق النقد، أن التباطؤ سيكون ملحوظًا بشكل خاص فى الاقتصادات الآسيوية الناشئة المقرر أن تنمو بمعدل أبطأ منذ عام 2001 بنسبة تبلغ %6.3.
وقال المحلل لدى «كابيتال إيكونوميكس»، ويليام جاكسون، إن آسيا الناشئة لا تزال جزءًا سريعا من النمو فى العالم.. لكن النمو جاء أقل من التوقعات.
وأشار الخبير الاقتصادى فى معهد التمويل الدولى، سيرجى لاناو، إلى أن التوقعات سطعت بعض الشيء منذ الكآبة فى وقت سابق من العام الحالى، عندما خشى بعض المحللين من أن العالم قد ينزلق إلى الركود.
وتوقع لاناو، «نموًا مستقرًا تقريبًا» للاقتصادات الناشئة العام الحالي.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يضيف فيه التركيز على السياسة المحلية الصينية، المزيد من الرياح المعاكسة لشركائها التجاريين.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن نمو الصين الذى تقوده الاستثمارات والاستهلاك أدى إلى تقليص الطلب على السلع الأساسية.
وتهدف خطة «صنع فى الصين 2025» الصادرة عن الحكومة الصينية إلى زيادة نسبة المكونات والمواد الأساسية التى يتم إنتاجها محليًا إلى 40 % العام المقبل و%70 بحلول عام 2025.
وبالتالى فإن أكبر مساهم وطنى فى النمو العالمى لأكثر من عقد من الزمن سيستورد كميات أقل من بقية العالم وخصوصا مورديه التقليديين فى الأسواق الناشئة الأخرى.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن هذه التغييرات تقلل من دور سلاسل التوريد العالمية بغض النظر عن التعريفات الأمريكية.
ويتفاقم هذا الأمر بسبب التباطؤ الاقتصادى الصينى، إذ تراجع النمو سنويا منذ عام 2010.
وقال جاكسون، إنه من المرجح أن يكون النمو الصينى أكثر ليونة مما يعتقد كثير من الناس فى الأشهر المقبلة.
وأضاف «بالنسبة لبقية العالم الناشئ، فإن هذا الأمر يمكن أن يمنع حدوث انتعاش واسع خصوصا وأن العديد من الاقتصادات الناشئة الرئيسية غارقة فى الصعوبات المحلية».
يأتى ذلك فى الوقت الذى لم تتخلص فيه الأرجنتين وتركيا بعد من أزمات العملة العام الماضى عندما تعرضت للاختلالات المحلية بسبب قوة الدولار الأمريكى، وتفاقمت الأزمة بسبب الأخطاء السياسية فى الداخل.
وفشل النمو داخل البرازيل فى التعافى، إذ يفقد المستثمرون ثقتهم فى الحكومة الجديدة بالاضافة إلى الغموض السياسى الذى يضرب المكسيك.
وأثارت روسيا، مخاوف كثير من المحللين فى حفاظها على الانضباط المالى بموجب العقوبات الغربية.. ولكن على حساب انخفاض دخل الأسر وتراجع الاستهلاك.
وأشارت الصحيفة، إلى أن بعض المناطق الأكثر إشراقًا فى العالم الناشئ هى بلدان تستفيد من تحول التجارة الأمريكية بعيدًا عن الصين.
وفى الربع الأول من العام الحالى، ارتفعت واردات الولايات المتحدة من كوريا الجنوبية وتايوان بنسبة %20 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، فى حين زادت الواردات من فيتنام بنسبة %40 ليرتفع إجمالى الواردات من دول الآسيان بنسبة %12.
وكان التأثير أقوى بشكل خاص على المنتجات التى تتأثر بالتعريفات، إذ تضاعفت واردات الولايات المتحدة من فيتنام من أجهزة الاتصال 3 مرات تقريبًا فى الربع الأول من العام الحالى على أساس سنوى، فى حين تضاعفت واردات أجهزة الكمبيوتر وقطع الغيار.
وتضاعفت واردات مكونات الأجهزة المكتبية الأمريكية من كوريا الجنوبية تقريبًا، وزادت أيضًا واردات أجهزة الهاتف المحمول بنسبة %30.. وبالمثل تضاعفت واردات أجزاء الكمبيوتر من تايوان والآلات المكتبية ثلاث مرات تقريبًا.
ومع ذلك، فإن تحويل التجارة لا يزال ضئيلاً للغاية لتعويض الدول الآسيوية عن تقلص صادراتها إلى الصين، والتى تعد إلى حد بعيد شريكها التجارى الرئيسى.
وكشفت البيانات تباطؤ أحجام صادرات جميع البلدان الآسيوية أو تقلصها فى الربع الأول من العام الحالى.
وقال الخبير الاقتصادى فى جامعة «أكسفورد»، آدم سلاتر، إن شركاء الصين التجاريين الآسيويين هم من أكبر الخاسرين من الحرب التجارية.
وأكدّ تران، أنه لا يمكن تجاهل علامات التحذير خصوصا وأن عوامل الخطر تلوح فى الأفق.