هبطت تكلفة خدمة ديون البلدان المتقدمة إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 4 عقود، الأمر الذى زاد من الضغط على الحكومات للاقتراض وإنفاق مزيد من الأموال من أجل تنشيط الاقتصاد العالمى المتدهور.
أوضحت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، أن الاقتصادات المتقدمة ستنفق 1.77% فقط من إجمالى ناتجها المحلى الإجمالى على فوائد الدين العام الحالى، وهو أدنى مستوى منذ عام 1975 ليهبط من ذروة بلغت 3.9% فى منتصف التسعينيات.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن هذا الانخفاض الحاد يأتى رغم تراكم الديون الهائلة التى حصلت عليها العديد من البلدان منذ الأزمة المالية العالمية.
وكشفت بيانات صندوق النقد الدولى، أن معدل الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فى الاقتصادات المتقدمة ارتفع من 45% فى عام 2001 إلى 76% العام الحالى.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن مسألة ما إذا كان ينبغى للحكومات إطلاق حافز اقتصادى جديد عن طريق الاقتراض لإنفاق المزيد، سيكون موضوعاً رئيسياً لمحافظى البنوك المركزية حول العالم الفترة المقبلة.
ويأتى هذا التراجع مع تزايد المخاوف من نفاد الأدوات اللازمة لمكافحة التباطؤ العالمى من قبل صانعى السياسة النقدية.
وتكثفت الدعوات للسلطات المالية لتحفيز الاقتصادات من خلال مشاريع البنية التحتية والاتصال الرقمى والتحسينات البيئية.
وقال كبير الاقتصاديين السابق فى صندوق النقد الدولى، أوليفر بلانشارد، والذى أصبح داعيةً بشكل متزايد لسياسة مالية أكثر صرامة: «إنه أمر واضح ومباشر إذا كان الاقتراض أرخص فينبغى أن تفعل أكثر منه».
وأضاف: «إذا كان معدل الفائدة الخاص بك منخفضاً جداً فلم يعد بالإمكان استخدام السياسة النقدية بالطريقة المعتادة، لذا عليك القيام بالمزيد مع السياسة المالية».
ويعود الانخفاض فى تكاليف خدمة الدين إلى طلب المستثمرين القوى على السندات الحكومية، ما دفع سعر الاقتراض الجديد إلى مستويات قياسية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يتم فيه تداول أكثر من 16 تريليون دولار من السندات فى جميع أنحاء العالم، بعائدات سلبية.
وهذا يعنى أن بعض الحكومات فى الواقع يتم دفعها للاقتراض.
وقال مارك داودينج، كبير مسئولى الاستثمار فى شركة «بلو باى» لإدارة الاستثمار: «يبدو الأمر كما لو كانت الأسواق تصرخ على الحكومات لاقتراض المزيد».
لكن بعض المتشككين يشعرون بالقلق من أن الأموال السهلة التى يلجأ إليها المستثمرون من الحكومات، يمكن أن تقدم إغراءً خطيراً لإضافتها إلى أزمات الديون التى وصلت إلى مستويات مرتفعة بالفعل.
وقالت رئيسة اللجنة الأمريكية للميزانية الفيدرالية المسئولة، مايا ماك جينياس: «إن توافر الأموال الرخيصة لا يعنى أنه ينبغى عليك الاقتراض لأسباب خاطئة، إذ قد تكون أسعار الفائدة منخفضة ولكن بسبب مستويات الديون المرتفعة. ولذلك فإننا معرضون بشدة لأى زيادة فى المستقبل».
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن البلدان ذات المستويات المنخفضة نسبياً من الديون، مثل ألمانيا، تواجه دعوات متزايدة من المستثمرين والاقتصاديين لزيادة قروضهم.
وقال مدير محفظة السندات فى شركة «إيتون فانس» فى بوسطن، إريك شتاين، إنَّ العوائد السلبية هى طريقة للمستثمرين لإخبار ألمانيا بأنها لا تملك ما يكفى من الديون ويمكننا بسهولة استيعاب الكثير.
لكن الدعوات إلى مزيد من الاقتراض لا تقتصر على الاقتصادات المنخفضة نسبياً مثل ألمانيا، إذ أشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الأسبوع الماضى، إلى أنه يدرس تقديم حوافز مالية جديدة مما سيزيد من التخفيضات الضريبية الهائلة لعام 2017.
وانخفضت عائدات السندات الأمريكية منذ ذلك الحين، رغم قيام ترامب، بتمويل برنامج الإنفاق هذا عن طريق زيادة إصدار الديون.
وأوضح «بلانشارد»، أن ترامب، أنفق الحوافز فى المناطق الخاطئة قائلاً: «إن الزيادة فى العجز ربما تكون مبررة إذا تم استخدامها للاستثمار العام.. لكنها لم تكن كذلك».
وأضاف أن المطالية بموقف أكثر هدوءاً إزاء العجز يجب أن ينطبق، أيضاً، على اليابان؛ حيث يبلغ الدين الحكومى ما يقرب من 240% من الناتج المحلى الإجمالى.
وقال «بلانشارد»، إن كل بلد لديه ظروف مختلفة ولكن بالتأكيد هناك مجال لألمانيا لتخفيف السياسة المالية مقارنة بالموقف فى اليابان.
وأضاف: «رغم أن الطلب الخاص فى اليابان لا يزال ضعيفاً والسياسة النقدية تنفد من الذخيرة.. لكن البيانات تشير إلى احتمالية ألا يتم تخفيض العجز حتى يرتفع معدل الطلب الخاص».