تجاهد الحكومة لجذب الشركات العالمية لصناعة السيارات لإطلاق مصانعها فى مصر، أو دمج الصناعات المغذية المصرية فى سلاسل التوريد العالمية.
وتبدو النجاحات فى هذا الجانب محدودة للغاية، فحتى الشركات التى تعلن عن خطط للتجميع المحلى تفعل ذلك على استحياء وبإنتاج محدود يستهدف السوق المحلي فقط.
وساعد على ذلك تخبط مواقف الحكومات المتتالية فيما يتعلق بتقديم حوافز لجذب وتوطين صناعة السيارات فى السوق المحلى، ومرت نحو 6 سنوات منذ أن أعلنت الحكومة لأول مرة عن نيتها وضح استراتيجية لصناعة السيارات فى مصر، ولم يتحقق شىء فى هذا المف حتى الآن.
هذا الملف يحاول تجاوز الإحباطات، ويقدم خريطة لما هو مطلوب أو ما يمكن اعتباره استراتيجية مقترحة لتنمية وتوطين صناعة السيارات المحلية، من وجهة نظر مستشارى الشركات العالمية فى السوق المحلى، والمؤسسات البحثية الدولية المطلعة على الأسواق المختلفة، وحتى تجارب الدول المنافسة والتى حققت نجاحات يمكن الاهتداء بها فى نتيجة الحوافز الحقيقية والجريئة التى قدمتها فى هذا الصدد.
خبراء: دراسة متكاملة للسوق أولى مراحل توطين صناعة السيارات
طالب خبراء ماليون وقانونيون بدراسة حكومية لسوق السيارات لتنشيط قطاعى التصنيع والصناعات المغذية لتحديد اﻻحتياجات المطلوبة ووضع حوافز استثمارية وضريبية واﻻستفادة من الاتفاقيات الموقعة مع دول الاتحاد الأوروبى وأفريقيا وتركيا.
وقال الخبراء، إن الصناعات التكميلية والمغذية تعد خطوة أولى لتوطين صناعة السيارات خاصة أن نسبة كبيرة من مكونات الإنتاج تستورد من الخارج، وأضافوا أن السوق المصرى لديه ميزات تنافسية لجذب المستثمرين من خلال سوق استهلاكى كبير واتفاقيات تجارية متنوعة وتوافر الأراضى وانخفاض تكلفة العمالة، لكن ينقصه تحديد الحكومة لخطتها لنمو تلك الصناعة.
وقال خالد موسى الشريك المؤسس بمكتب “TMS للاستشارات القانونية والمحاماة”، إن الخطوة الأولى لجعل مصر مركز لصناعة السيارات هى جذب استثمارات نحو الصناعات التكميلية وتشجعيها عبر حوافز وإعفاءات ضريبية وبرامج لدعم الصادرات وتيسير إجراءات التراخيص والحصول على الأراضى وسندات الملكية.
أضاف أن الخطوة التالية للنهوض بقطاع السيارات تتمثل فى توطين التصنيع، لكنها ستكون مرتبط بتحسين المناخ اﻻستثمارى.
أوضح موسى، أن دول مثل جنوب أفريقيا والمغرب لديهم تجارب ناجحة لدعم صناعة السيارات ويجب اﻻستفادة منها خاصة مع وجود اتفاقيات جمركية أفريقية وعربية.
أشار إلى وجود إقبال واهتمام من قبل مستثمرى القطاع الخاص على اﻻستثمار بقطاع الصناعات التكميلية للسيارات ولكنه ليس كبيراً.
موسى: يجب منح حوافز استثمارية وضريبية ودعم لصادرات الصناعات المغذية
وقال عماد الشلقانى الشريك القانونى بمكتب الشلقانى للاستشارات القانونية والمحاماة، إن نمو قطاع السيارات يحتاج لدعم حكومى للصناعات الصغيرة والمتوسطة المغذية لصناعة السيارات.
أضاف: “الحكومة مطالبة بدراسة أسباب عدم إقبال شركات صناعة السيارات العالمية علي التصنيع بالسوق المصرى والعوائق التى تواجهها لضخ استثمارات بالقطاع”.
وقال مهند خالد الشريك التنفيذى بمكتب “بى دى أو” للاستشارات المالية والمراجعة إن تشجيع صناعة السيارات بمصر يعتمد بشكل أساسى على دراسة السوق الأفريقى وربطه بالترويج اﻻستثمارى، خاصة مع وجود اتفاقية تجارية موقعة مع دول “الكوميسا”.
أضاف أن المحادثات بين الحكومة والمستثمرين الأجانب بقطاع السيارات ليجب أن تشمل المبيعات بالسوق الأفريقى وليس المصرى فقط ليكون لدى المستثمرين صورة اكبر عن الأعداد التى يمكن تصنيعها وتحديد الفجوة السنوية فى التصنيع والفئات المطلوبة.
أوضح خالد أن إجراء الدراسات لا يعتمد فقط على السيارات الملاكى ويمتد لسيارات النقل والنصف نقل والسيارات الكهربائية التى تعد التوجه المستقبلى بصناعة السيارات.
وقال خالد، إن صناعة السيارات من الصناعات التى تحتاج لضخ استثمارات كبيرة الأمر الذى يجعل المصنعين ينظرون إلى توسيع قاعدة التصنيع عبر السوق الأفريقية أيضاً، وأضاف أن السوق المصرى يمتلك قاعدة جيدة من الصناعات المغذية لخدمة قطاع التصنيع فى ظل تطور قطاع التجميع من قبل المستثمرين الحاليين.
أوضح أن اهتمام الدولة بقطاع التعليم الفنى سيكون عامل آخر لجذب المستثمرين الأجانب للعمل بقطاع السيارات.
وطالب الحكومة باﻻستفادة من التجربة المغربية الناجحة بقطاع السيارات عبر محادثات مع المسؤولين بين الجانبين ومعرفة عوامل جاذبة للمستثمرين الأجانب سواء كانت حوافز ضريبية أو عمالة أو أراضى وكذلك العقبات التى واجهها لتوطين صناعة السيارات.
واقترح خالد مد العمل بالتيسيرات والحوافز الاستثمارية بقانون اﻻستثمار لفترة أخرى مع قرب انتهائها بحلول العام المقبل.
الشلقانى: الحكومة مطالبة بدراسة عزوف الشركات العالمية عن التصنيع بمصر
وقال شريف الكيلانى الشريك التنفيذى بمكتب “إرنست آند يونج مصر للاستشارات المالية والمراجعة” إن تشجيع صناعة السيارات يعتمد على توفير مكونات الإنتاج التى تعد العامل الرئيسى لنمو القطاع.
وأشار إلى ضرورة الدعم المالى والفنى للصناعات الصغيرة والمتوسطة المغذية لصناعة السيارات لتوفير مكونات الإنتاج محلياً.
كما طالب الكيلانى بضرورة وجود قنوات اتصال بين صغار المصنعين وبين شركات السيارات العالمية لمعرفة احتياجاتها من المكونات وجودتها ومن ثم شرائها محلياً بدلاً من استيرادها من الخارج.
أضاف أن أحد المصانع الصغيرة المتواجدة بالمنطقة الحرة بمدينة نصر يصنع المكونات الكهربائية لإحدى السيارات العالمية “رينج روفر” بالكامل ومن ثم نحتاج لمصانع أخرى على غرار هذا المصنع لتوفير العملة الصعبة.
ويرى الكيلانى، أن مصر لديها القدرة على توطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة بقطاع السيارات ومن ثم خلق منافسة تصديرية مناسبة نتيجة انخفاض تكلفة التصنيع.
أوضح أن مصر وقعت اتفاقيات تجارية مع السوق الأوروبى والأفريقى، لكن لم نستفد منها نتيجة الاعتماد على الاستيراد وليس التصدير.
أشار إلى أن شركات تصنيع أسبانية وإيطالية لديها رغبة لدخول السوق المصرى لكنها تحتاج إلى تواصل مع الحكومة لجذبها لعمليات التصنيع.
وقال رامى جورج شريك الضرائب بمكتب “صالح وبرسوم وعبدالعزيز للاستشارات المالية والمراجعة”، إن استفسارات قطاع السيارات تتركز على المعاملة الجمركية وشهادات “اليورو وان”.
أضاف أن عدد من مصانع السيارات العالمية المتواجدة بالسوق المصرى يستفسرون عن أبعاد تطبيق اتفاقية “الميركسور” الموقعة بين دول أمريكا الجنوبية كالبرازيل والأرجنتين فى حالة استيرادها قطع غيار أو سيارات من تلك الأسواق الأمر الذى يتطلب تدعيم عمليات الرأى المسبق بإدارات الجمارك لتسهيل عمليات اﻻستيراد للشركات.
أوضح جورج أن شركات فرنسية وألمانية بدأت تغير سياستها من الاعتماد على الوكالة إلى التصنيع، وأشار إلى أن الحكومة مطالبة بوضع مزايا ضريبية كما فعل السوق المغربى الذى فتح مناطق حرة لصناعة السيارات واستفادت منها شركات مثل “رينو الفرنسية”.
وقال إن السيارة “رينو” حينما دخلت السوق المغربى كان توجهها تجميع جزئى للسيارة لكنها تطورت لمدينة متكاملة للتصنيع، وأضاف أن سعر الضريبة بتلك الأسواق 7% بينما يصل فى السوق المصرى 22% ويجب تخفيض أسعار الضريبة فى حدود 5% لخلق سوق منافسة.