لم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حق عندما قال إن بلاده لا تحتاج إلى بترول الشرق الأوسط، لعدة أسباب، أولها أن مصافي التكرير الأمريكية لا تزال بحاجة إلى المعالجة اللازمة لإخراج المنتجات التي يرغب فيها العملاء.
كما أن سائقي السيارات والشاحنات في الولايات المتحدة، بحاجة إلى مواصلة تدفق البترول وإلا واجهوا الأسعار المرتفعة في مضخات الغاز المحلية.
جاءت تصريحات ترامب في خطاب ألقاه في البيت الأبيض، بعد أن أطلقت إيران صواريخ بالستية على قاعدتين جويتين تستخدمهما القوات الأمريكية في العراق، ووسط مخاوف من تصاعد الهجمات على البنية التحتية البترولية الرئيسية في المنطقة، بما في ذلك احتمال تدفق البترول عبر مضيق هرمز.
من المؤكد أن القليل جدا من البترول الخام المنتج في منطقة الخليج العربي، يشق طريقه الآن إلى مصافي التكرير الأمريكية.
وتنخفض نسبة هذا الخام عن 5% من إجمالى 16.5 مليون برميل يوميا من البترول الخام والمتكثفات التي تدفقت عبر مضيق هرمز في عام 2019 ، واتجهت إلى المصافي الأمريكية، وفقا للبيانات التي جمعتها “بلومبرج” إثر تتبع ناقلات البترول.
وعلى النقيض من ذلك، اشترت أربع دول آسيوية، هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، ثلثي إجمالي البترول الخام والمكثفات من المنطقة.
وإذا أضفت باقي الدول الآسيوية، ستجد أن هذا الرقم ارتفع إلى مستوى يزيد على 80%، وبالتالي ليس من الغريب أن يدعو ترامب تلك الدول للعب دور أكبر في حماية التدفقات البترولية عبر المضيق.
لكن الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة لا يمكن التغافل عنها بهذه السهولة، فبشكل فردي تعتبر الولايات المتحدة خامس أكبر مشتر للبترول الخام من منطقة الشرق الأوسط.
وبالطبع تراجعت واردات البلاد من المنطقة، مع ارتفاع إنتاج البترول المحلي بالتزامن مع طفرات البترول الصخري. ولكن دول الخليج الفارسي لا تزال تستحوذ على واحد من كل 8 براميل من البترول الخام المورد إلى الولايات المتحدة.
وكما كتبت شيلا توبن، الزميلة في “بلومبرج نيوز”، فقبل أن تبدأ طفرة البترول الصخري، استثمرت مصافي ساحل الخليج الأمريكي ملايين الدولارات لتجديد مصانعها لمعالجة البترول الخام الثقيل الرخيص نسبيا القادم من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، إلى منتجات منخفضة الكبريت عادة ما يطلبها المستهلكون المحليون.
ومنذ عام 2012، أعادت الولايات المتحدة تنشيط منشآتها مرة أخرى لمعالجة نسب أعلى من نوع الزيت الخفيف الحلو، الذي يحتوي على القليل من الكبريت أو لا يحتويه على الإطلاق، المستخرج من التكوينات الصخرية.
وتم تحقيق كثير من الاستقلال الأمريكي في مجال البترول عندما أعلنت البلاد أول شهر كامل كمصدر صاف للمنتجات البترولية والبترول الخام منذ بدء السجلات الحكومية في عام 1949، فقد أصبح ذلك واضحا في نهاية نوفمبر الماضي، عندما نشرت البلاد البيانات الشهرية لشهر سبتمبر، ثم تكرار هذا الإنجاز في أكتوبر.
ولكن لا ينبغي لأحد أن يغفل حقيقة أن هذا الوضع الجديد للولايات المتحدة كمصدر صاف يحركه شحنات المنتجات المكررة. فالبلاد تواصل استيراد مزيد من البترول الخام أكثر مما تقوم بشحنه إلى الخارج، فهذا أمر راسخ في سوق البترول العالمي وسيظل كذلك.
ومع ارتفاع حدة التوترات مع إيران الآن، فإن حقيقة وجود مصادر أقل لاستيراد البترول الخام الثقيل الحامض الذي يحتوي على تركيزات عالية من الكبريت، الذي تعتمد عليه مصافي ساحل الخليج الأمريكي، أصبحت أمرا ملحوظا بشكل كبير.
فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صادرات البترول الفنزويلية في يناير 2019. كما تواجه المكسيك وكولومبيا انخفاض الإنتاج نتيجة لنقص الاستثمارات الجديدة. أما حاليا ففي الوقت الذي لا تزال فيه كندا أكبر مورد للولايات المتحدة، فإن الشرق الأوسط يقدم معظم الباقي.
ويقودني هذا إلى السبب الثاني الكامن خلف خطأ ترامب، عندما قال إن بلاده ليست بحاجة إلى بترول الشرق الأوسط، فهذا السبب يدور حول استمرارية اعتماد الولايات المتحدة على التدفقات البترولية القادمة من الخليج الفارسي. ولكن لماذا ستبقى كذلك حتى لو لم تشتر أي من صادرات المنطقة؟
ستكون الإجابة هنا هي الأسعار.
بصرف النظر عن المكان الذي يتم فيه بيع بترول الشرق الأوسط، فإن الحجم الخارج من المنطقة لا يزال له تأثير عميق على أسعار البترول الخام وكذلك أسعار البنزين ووقود الديزل، ولا يوجد مكان أكثر ملاءمة لذلك من الولايات المتحدة، لأن انخفاض الضرائب لديها على الوقود يعني أن أسعارها أكثر استجابة لحركات البترول الخام العالمي.
في الوقت الراهن، كان لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وردود إيران حتى الآن تأثيرا أقل، ولكنه لا يزال تأثيرا ملحوظا على أسعار الغاز الأمريكي، حتى دون أي تهديد إيراني واضح لتدفقات البترول الإقليمية.
وإذا كان مجرد احتمال تعطل تدفقات البترول في الخليج الفارسي يمكن أن يؤدي إلى تضخيم أسعار الغاز في الولايات المتحدة، فتخيل ما الذي يمكن أن يحدثه أي تعطيل حقيقي، وبالتالي لن يرغب أي رئيس في هذا الخطر خلال عام الانتخابات، ومن هذا المنطلق فإن شاغل البيت الأبيض الحالي لا يختلف عن سابقيه.
بقلم: جوليان لي، كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج.
كتبت: منى عوض.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”