تواجه الهند تحديات تعليمية كبيرة فأكثر من نصف الأطفال غير قادرين على قراءة وفهم نص بسيط فى سن العاشرة، والتفاوت فى مستويات التعلم قائم بين الولايات المختلفة وبين الأطفال الأكثر فقراً والأكثر ثراءً.
ولكن مع وجود نظام بيئى مزدهر للمؤسسات الاجتماعية وشهية بين المنظمات غير الحكومية وواضعى السياسات لاختبار الحلول الجديدة، تلعب الهند دوراً رائداً فى استخدامها للتمويل المبتكر من أجل التنمية.
وتتصدر السندات المؤثرة هذه الأدوات المبتكرة لأنها تقدم التمويل على أساس النتائج حيث يتم إعطاء رأس المال مقدماً لمقدمى الخدمات من قبل المستثمرين ويتحدد العائد وفقاً لحجم الأهداف المحققة.
وفى حين أن الأدلة على التمويل القائم على النتائج فى التعليم والسندات المؤثرة على وجه التحديد لا تزال آخذة فى الظهور فهناك دروس أساسية يجب استخلاصها من أجل تطبيق هذه الأدوات على التعليم فى الهند وفقاً لتقرير معهد “بروكينجز” الأمريكى حول تجربة نيودلهى.
وتم التعاقد على ثلاث سندات مؤثرة فى الهند حتى الآن، ومنها اثنان فى قطاع التعليم، وفى السند الأول يتم الربط بين التمويل ومستوى تأثير تعليم الفتيات وقدمت مؤسسة “يو بى إس أوبتميوس” رأس المال بهدف جلب الفتيات غير الملتحقات بالمدارس إلى الفصل وتحسين نتائج التعلم للبنين والبنات أيضاً، وبعد ثلاث سنوات تجاوز المشروع أهداف الالتحاق والتعلم وسددت مؤسسة صندوق استثمار الأطفال “CIFF” رأس المال المستثمر.
وتبنت سند المشروع الثانى فى التعليم هيئة جودة التعليم فى الهند “QEI” بمشاركة تضم أربعة مزودين للخدمات هى “جيان شالا” ومؤسسة “كايفاليا التعليمية” وجمعية “التنمية الشاملة” و”المبادرات التعليمية”.
وسعى المشروع إلى تنفيذ مجموعة من التدخلات بهدف تحسين نتائج التعلم على مدار فترة أربع سنوات حتى عام 2022.
ووفرت مؤسسة “يو إس بى أوبتميوس” رأس المال الأولى وإذا تم تحقيق المقاييس بنجاح فإن مؤسسة “مايكل أند سوزان ديل” إلى جانب مجموعة من الممولين للنتائج فى الصندوق الائتمانى البريطانى الآسيوى سيرد المبلغ المستثمر مقابل هذه النتائج.
وبالنسبة إلى أصحاب المصلحة المهتمين باستخدام روابط التأثير لحل تحديات التعليم فى الهند، تشير الدلائل إلى أن الدافع لاستخدام الأداة يجب أن يتم التفكير فيه بعناية.
وعلى سبيل المثال، يبدو أن روابط النتائج هى الأكثر ملاءمة للخدمات الوقائية بطبيعتها، ولديها حاجة قوية للتكيف مع الاحتياجات الفردية، وتؤدى إلى نتائج سهلة القياس وذات مغزى فى نفس الوقت.
وحتى الآن، على الصعيد العالمى، ركزت روابط التأثير على بناء الجودة فى أنظمة التعليم الحالية واستهداف الخدمات لمجموعات محددة، بدلاً من استخدامها على نطاق واسع لتوفير التعليم الأساسى.
وهذا جزء من انعكاس المرحلة المبكرة لنجاح سوق السندات ذات التأثير حيث ركزت العديد من الصفقات الحالية على اختبار النموذج وبناء المعرفة.
ومع ذلك، فإنه يشير أيضاً إلى أن البرامج الأكثر ملاءمة لتمويل السندات المؤثرة ليست برامج تجريبية دون وجود قاعدة من الأدلة تكون سبباً فى جذب المستثمرين أو برامج راسخة ذات نتائج مثبتة حيث قد يرغب الممولون فى الدفع فقط عند وجود فرص كبيرة للنجاح أو على الاقل وجود سبباً مقنعاً يكفى للمخاطرة أو بناء القدرات اللازمة لتحفيز مشاركة المستثمرين ومن ثم سداد مستحقاتهم فى نهاية التعاقد.
يعتبر ضمان أن المشاركات تستهدف السكان المحتاجين بفعالية أمراً بالغ الأهمية فى مرحلة تصميم السند.
وتلعب 3 عوامل دوراً مهما فى نمو التمويل القائم على النتائج للتعليم فى الهند وكانت مهمة لتعليم الفتيات وفقاً لبرامج السندات الممولة وفقاً للنتائج.
ويرتكز العامل الأول على مقدمى التعليم الجاهزين والقادرين، فعند دراسة الصفقة وجد تحليل أفقى لسوق مقدمى الخدمات فى الهند أن بعض المنظمات لم تكن مستعدة لتكييف نماذج البرامج الحالية مع أهداف المشروع وهى واحدة من الشروط المفترضة الرئيسية للاعتماد على النتائج التعاقد، وتم اختيار أربعة مزودى خدمة ممن يقدمون أفضل المدخلات.
وفيما يتعلق بالعامل الثانى فهو يقوم على إمكانيات التكنولوجيا لتسهيل جمع البيانات خاصة أن برنامج السندات لتعليم الفتيات لديه لوحة بيانات رقمية تحتاج للتغذى على البيانات لتوفير قياسات الأداء، كما أنه يشمل برنامج “Mindspark” وهو برنامج تعليمى يعتمد على الكمبيوتر ويوفر بيانات أداء فورية للمعلمين.
وأخيراً، وبالنظر إلى العامل الثالث وهو المشاركة الحكومية حيث لم تلعب الدولة دور الممول النهائى فقد انخرطت الحكومة مع كل من برنامج تعليم الفتيات ومؤسسات التعليم العالى ووقعت مذكرات تفاهم لتوفير الوصول إلى المدارس الحكومية.
ومن غير المحتمل أن يكون هناك حل واحد لتحديات التعليم فى الهند لكن السندات ذات التأثير والتمويل القائم على النتائج يتيح الفرصة لتركيز التمويل وفقاً لمدى تحقيق الأهداف ومن ثم تعزيز أكثر التدخلات التعليمية فعالية وتطوير دور مقدمى الخدمات، وتحسين عملية صنع القرار وفقاً للبيانات والأدلة المتاحة.
وسيتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة بحلول عام 2030 ما يتراوح بين 5 و7 تريليونات دولار فى السنة عالمياً ومع وجود فجوة فى التمويل تبلغ 2.5 تريليون دولار فى البلدان النامية وحدها.
وتبلغ الفجوة فى الهند 565 مليار دولار، بينما شهدت البلاد تقدماً هائلاً عبر القطاعات الاجتماعية ولا تزال هناك تحديات هائلة، فعلى سبيل المثال، فقط ما يزيد قليلاً على نصف جميع الأطفال المسجلين فى المعيار 5 يمكنهم قراءة نص قياسى بمستوى 2 على الأقل، بينما تتلقى 21% فقط من الأمهات رعاية كاملة قبل الولادة.
ويتطلب سد هذه الفجوة اتخاذ إجراء على عدة جبهات؛ تعبئة مالية وفعالية فى تعبئة الموارد المحلية وجهود الجهات المانحة التى تركز على النتائج لضمان إنفاق الأموال بشكل جيد وتسخير رأس المال الخاص من أجل الخير.
وفى السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام على مستوى العالم بين الحكومات والأسواق لتطوير مناهج استثمارية جديدة، مثل الاستثمار المؤثر أو التمويل الموجه نحو الغرض، ويشير الاستثمار المؤثر إلى توفير التمويل للمؤسسات التى لديها توقعات واضحة بشأن العوائد المالية وكذلك النتائج الاجتماعية القابلة للقياس.
ووفقًا لتحليل حديث أجرته شبكة الاستثمار المؤثر العالمية “GIIN”، فإن أكثر من 1300 مؤسسة تدير 502 مليار دولار من الأصول الاستثمارية المؤثرة على مستوى العالم.
وجذب قطاع الاستثمار ذو التأثير فى الهند أكثر من 5.2 مليار دولار بين عامى 2010 و2016 محققاً أكثر من 1.1 مليار دولار فى عام 2016 وحده.
ومع ظهور الاستثمار المؤثر كفئة أصول جديدة فى الهند، لا يوفر المستثمرون رأس المال والدعم للشركات الاجتماعية فحسب، بل يتطورن أيضاً من حيث فهم إمكانات هذا الشكل الجديد من الاستثمار.
ونظراً للمخاطر والتعقيدات التى تواجه خدمة قطاع التمويل الاجتماعى، فقد ظهرت العديد من الابتكارات ليس فقط الطريقة التى يتم بها هيكلة رأس المال ولكن أيضاً كيفية تحقيق التأثير.
وسجلت التجربة ارتفاعاً فى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مدفوعة إلى حد كبير بقيود الميزانية الحكومية، وأخلاقيات الإدارة العامة الجديدة، وحقيقة أن الابتكار يتعاظم بشكل متزايد ويعتمد على هذه الشبكة العالمية.
ويعتبر تمويل التنمية من خلال وسائل من خارج الميزانية والشراكات بين القطاعين العام والخاص مساراً لتوفير حلول محتملة تركز على النتائج وتحسين إدارة الأداء لمقدمى الخدمات.
وتتمتع الهند بنظام بيئى اجتماعى مزدهر؛ إلا أن العديد من المنظمات تكافح للوصول إلى رأس المال الذى تحتاجه، ففى دراسة استقصائية للمؤسسات الاجتماعية الهندية، حدد 57% من المشاركين أن الوصول إلى الديون أو الأسهم يعتبر أكبر حاجز أمام النمو والاستدامة.
وعلى الرغم من تطور النظام البيئى وإمكانات الاستثمار المؤثر إلا أن الأدبيات المتعلقة بتأثير الاستثمار فى الهند محدودة، ولا يزال عدد المستثمرين المؤثرين فى الهند والقطاعات والمجالات التى يختارون الاستثمار فيها ومستقبل الأدوات غير واضح.
وضمن النطاق الأوسع لنماذج الاستثمار الاجتماعى، تتراوح الأساليب بين الاستثمار المحض القائم على الربح دون توقع التأثير الاجتماعى إلى المنح الخيرية الخالصة من قبل المانحين والمؤسسات.
واكتسبت المسئولية الاجتماعية للشركات “CSR”، والاستثمار المسئول اجتماعياً “SRI” والتركيز على البيئة والحوكمة الاجتماعية والشركات “ESG” قوة فى العقد الماضى فى الهند وخارجها.
وعلى الصعيد العالمى، كان الدافع وراء بعض هذه الاتجاهات هو التقدم الذى تقوده الحكومة فى جلب التحليل والدقة فى الإنفاق العام والنتائج الاجتماعية.
ويختلف الاستثمار المؤثر عن المسئولية الاجتماعية للشركات أو الاستثمار البيئى والاجتماعى أو الإدارة المسئولة أو الاستثمار المسئول اجتماعياً حيث يمثل خطوة أخرى لتشمل فقط تلك الاستثمارات التى حددت بوضوح النية لتحقيق تأثير “قابل للقياس” إلى جانب العوائد المالية.
ويركز المستثمرون المؤثرون أيضاً على الاستثمار فى المؤسسات الاجتماعية التى لا تخفف من الآثار السلبية فحسب، بل تولد أيضاً تأثيرات إيجابية تماماً بدون أية شائبة.
وقد تظهر التأثيرات الإيجابية بطرق مختلفة بداية من خلق فرص العمل وإمكانية التوظيف إلى خدمة المستهلكين ذوى الدخل المنخفض عبر الإسكان أو التعليم أو الرعاية الصحية الأفضل التى يمكن الوصول إليها أو التمويل الشامل.
وما يميز تأثير الاستثمار عن العمل الخيرى التقليدى هو دوافع الاستثمار والعائد للمستثمرين المؤثرين حيث تتدرج قابلية التوسع وخصائص رواد الأعمال والخبرات من جهة ومن جهة أخرى فإن المقارنة وفقاً للحجم تكون فى صالح مليارات الدولارات المستثمرة بموجب المسئولية الاجتماعية أو الاستثمار المسئول.
لكن هذا المجال جديد ويتطور بسرعة فى الهند فى ظل وجود ما يقرب من 30 شركة فى السوق ويتم تسجيل مجموعة فرعية منها مع مجلس المستثمرين المؤثرين “IIC” فى الهند.
وتشير التجربة إلى أن سوق الاستثمار المؤثر فى الهند يشبه اتجاهات وتحديات صناعة الاستثمار المؤثر عالمياً، ومع ذلك، هناك العديد من الجوانب المميزة للسوق الهندى والتى تجعل من المثير للاهتمام والحاسم أن تدرس من منظور السياسة المتبعة من قبل نيودلهى.
ونجحت الهند على صعيد العديد من الاتجاهات فى محاكاة التجارب فى السوق الدولية الناجحة وقدمت نماذجاً ناجحة محلياً تعتبر فريدة من نوعها للسياق الهندى والأهم أن النتائج الرئيسية التى رصدها المراقبون توضح كيف أن قصة الاستثمار الهندى تتطور وتتغير باستمرار إلى الأفضل بفضل تحليل البيانات الفورى والبناء عليه.
وتتحول الاستثمارات ذات التأثير من مجرد الوصول المالى والتمويل الأصغر إلى مصدر أساسى لإنعاش القطاعات الخيرية التقليدية مثل الصحة والتعليم والزراعة وفق مفهوم جديد قائم على قياسات النجاح.
وحقق الاستثمار المؤثر عوائد جيدة بالمقارنة بقطاعات اجتماعية ذات عوائد منخفضة جداً وذلك بفضل الدور الذى لعبه المستثمرون المؤثرون ومشاركتهم المختلطة سواء كمستثمرى الأسهم الخاصة أو كمسرعين للمشاريع أو حتى دور المؤسسات الحاضنة.
وحققت الهند طفرة نوعية فى التركيز القوى على الاستثمارات القائمة على التكنولوجيا لتحقيق الحجم المطلوب والوصول المستهدف لمستحقى الخدمات، لكنها تحتاج إلى بذل جهد أكبر لزيادة التماسك فى التدابير والمؤشرات على المستوى القطاعى والاستثمارى وبناء قاعدة معرفية أوسع مدعومة بالأدلة للتمويل الابتكارى والسندات المؤثرة مع الاعتراف بالحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق ذلك.
ويجب الدفع نحو الابتكارات بما يتجاوز الحلول القائمة على التكنولوجيا وقبول أفضل الممارسات العالمية وتعزيز شفافية أكبر فى القياسات، من خلال التنسيق والتيسير من قبل المنظمات فى كل قطاع مثل مجلس المستثمرين المؤثرين ومجلس الجودة فى الهند “QCI” ويوصى تقرير “بروكينجز” بالتحقيق فى نتائج التعاقد على نطاق واسع من خلال إنشاء صندوق للنتائج على مستوى حكومى أو شبه حكومى لجمع البيانات من جميع الولايات بما فيها النائية وفى نهاية المطاف، سوف يعتمد سوق الاستثمار الهندى القوى على تحديد وتحسين العوامل المعيقة بدقة وبناء نظام بيئى قوى يلائم احتياجاته.