أثر تفشى جائحة فيروس كورونا، بشكل لا يمكن نسيانه، على إسبانيا، فقد سجلت البلاد أكثر من 40 ألف حالة وفاة منذ ظهور الفيروس للمرة الأولى.
لكن ثمة إرث آخر للوباء وهو تدمير الوظائف وسبل العيش.. وبالتالي تخاطر إسبانيا بأن تكون واحدة من الدول الأكثر تضرراً في أوروبا.
تعتقد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إمكانية معاناة إسبانيا من البطالة بشكل أكثر من أي دولة عضو أخرى، إذ يمكن أن ترتفع البطالة إلى 22% تقريباً بحلول نهاية العام أو 25.5% إذا ظهرت موجة ثانية من الوباء.
ولم تتعاف البلاد بالكامل من آثار الأزمة المالية العالمية، رغم الجهود الكبيرة منذ ذلك الحين لخفض الديون وزيادة الصادرات وخفض التكاليف، ومع تفشي الوباء بلغت البطالة 14%، أي أكثر من ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي، في حين بلغت البطالة بين الشباب أكثر من واحد بين كل 3 عاطلين عن العمل.
أما الآن فالأسوأ قادم، ما لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من مساعدة إسبانيا وبقية القارة، وفقاً لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
تخطيط الانتعاش
تعلق مدريد آمالها على حزمة انتعاش أوروبية مقترحة يمكن تسليمها عن طريق المنح والقروض، إذ تقول الحكومة إن هذه الحزمة ستساعد في تحويل البلاد- جزئيا من خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة والرقمنة- وهو شعور حماسي يتم مشاركته في القطاع الخاص.
وفي هذا الصدد، قال المدير التنفيذي لشركة “تيليفونيكا” الإسبانية، جوزيه ماريا ألفاريز باليت: “لدينا فرصة هائلة للتحول وإحداث ثورة في التعليم وثورة في تدابير السياسة النشطة، من حيث التدريب ومهارات العمال”.
لكن إسبانيا كانت تقليديا واحدة من الدول البطيئة في صرف أموال الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك جزئياً إلى مشاكل في تحديد المشاريع التي تلبي معايير الكتلة.
وتابع رافائيل دومينيك، من مصرف “بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا” الإسباني: ” تلقينا الكثير من المساعدات الأوروبية، والصناديق الهيكلية للاتحاد الأوروبي، التي لعبت دوراً مهماً وساعدت إسبانيا على تضييق الفجوة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، لكنها لم تحل مشكلاتنا الهيكلية”.
وأوضحت الصحيفة، أن منتقدي اقتراح صندوق التعافي شككوا في فعالية المنح وأصروا على حاجة المستفيدين لإجراء إصلاحات مصاحبة لأنظمتهم العمالية والضريبية، مشيرين إلى أن التحدي الذي تواجهه إسبانيا يتمثل في تحقيق أقصى استفادة من إجراءات الأزمات غير العادية هذه، في حين تنفذ الإصلاحات المحلية التي يصعب تطبيقها في أفضل الأوقات، ناهيك عن تطبيقها في ظل أزمة صحية صعبة.
مشاكل هيكلية
عانت إسبانيا من بطالة مزمنة خلال العقود الـ4 الماضية، حيث وصلت معدلات البطالة إلى 17% ووصلت إلى 20% عند اندلاع الأزمة.
وتوظف الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 70% من العمال- أكثر بكثير من متوسط الاتحاد الأوروبى، ولكن في أحيان كثيرة لا تملك الأموال اللازمة لتحمل الأزمات أو زيادة الإنتاجية عبر الاستثمار، كما تلعب خدمات، مثل صناعة السياحة المنهكة، والتي تحافظ في الأوقات الجيدة على 13% من القوى العاملة، دوراً كبيراً في الاقتصاد.
ويجادل الاقتصاديون، مثل العضو السابق في البرلمان توني رولدان، بأن الاقتصاد الإسباني تقوضه تقاليد طويلة من المزايا السياسية، إذ تزدهر الشركات إذا كانت قريبة من السلطة، مما يضر منافساتها وقدرتها التنافسية بشكل عام.
وحددت الأطياف السياسية وجود خلل قاتل واحد في سوق العمل الإسباني، وهو النظام المزدوج، حيث يعمل ما بين ربع وثلث العمال وفقاً لعقود مؤقتة، وبالتالي شروط أسوأ وأمن وظيفي أقل من أصحاب العقود الدائمة، فعندما تحدث حالات ركود اقتصادي، تتم إقالة تلك الفئة من العمال، بدلاً من، على سبيل المثال، خفض ساعات العمل، كما حدث في ألمانيا خلال الأزمة المالية.
وتدور القضية الآن حول ما إذا كانت الحكومة ستسعى بشكل أساسي إلى علاج الانتهاكات في سوق العمل عبر خفض الحماية للموظفين بعقود دائمة أو زيادتها للعمال المؤقتين.