تعد حركة التغييرات فى الإدارة العليا لشركة البترول السعودية أكثر من مجرد لعبة كراسى موسيقية عالية المستوى فى شركة طاقة قديمة.
وتواجه عملاق البترول معركة صعبة للوفاء بالوعود التى قامت بها قبل طرحها الأولى للجمهور العام الماضى – وقبل أن يضرب وباء كورونا – وهى توزيع أرباح بقيمة 75 مليار دولار العام الجارى، وتوزيعات مشابهة فى 2021، وبالتالى هى تحتاج للتكيف للنجاح فى هذا التحدى.
وتؤسس «أرمكو» منظمة تطوير مؤسسى جديد والتى ستركز على «تعظيم الاستفادة من أصول الشركة» بجانب «تقييم الأصول الحالية» وتعزيز الوصول إلى «أسواق النمو والتكنولوجيا».
وسوف يقودها عبدالعزيز محمد القديمى النائب الأعلى لرئيس أرامكو، والذى يرأس حاليا أعمال الاستخراج غير المربحة للشركة.
وتقول «أرامكو» إن التغيير «بمثابة تحسين» لهيكل الشركة الحالى وليس تغيير مؤسسى جوهرى، ولكنه يوحى بأن الشركة تتكيف لتبدو مثل منافسيها من القطاع الخاص مثل «إكسون موبيل» أو«رويال داتش شل».
ولم تقلق «أرامكو» أبدا من قبل من محفظة أصولها، وطورت حقول بترول فى الموطن فى السعودية وبنت وشغلت البنية التحتية لمعالجة ونقل وتصدير وتكرير إنتاجها، واستثمرت بشكل متزايد فى المشروعات المشتركة مع المعالجين الأجانب لتكرير بترولها وضمان دخول الأسواق، ومع تحقيقها أرباح ضخمة من أعمال الاستكشاف والاستخراج وبيع البترول الخام كانت أسعار الخام وأحجام الإنتاج محرك أرباح الشركات عبر القطاع، ولكن كما كتبت من قبل انقلب هذا النموذج رأسا على عقب العام الجارى.
وتمكنت شركات البترول الغربية من الإبحار فى عاصفة كوفيد 19 من خلال خفض توزيعات الأرباح، أما كبار المنتجين الأوروبيين استفادوا من نجاح أقسام التداول وهما أمران لم تستفد منهما أرامكو.
وتلقت أرامكو صفعة مزدوجة من الوباء كما منيت بضربات أكثر قوة من منافسيها، فأولا أدى انهيار الطلب العالمى إلى هبوط حاد فى أسعار البترول ما أخد خام برنت من 70 دولارا للبرميل بداية العام إلى دون 20 دولارا فى منتصف أبريل، وعادت الأسعار الآن إلى حوالى 45 دولارا للبرميل ولكنها ظلت عند هذا المستوى مع تعثر التعافى فى الطلب.
وجاءت الضربة الثانية من استجابة تحالف أوبك بلس بقيادة السعودية والتى شهدت خفض المجموعة المكونة من 23 عضوا إلى الإنتاج بمقدار قياسى عند 9.7 مليون برميل يوميا فى مايو، وهو ما خفض مقدار البترول الذى تضخه الشركة بمقدار 4 ملايين برميل يوميا أو %35 فى الفترة ما بين أبريل ويونيو، وبموجب بنود اتفاق أوبك بلس الحالية، سوف تظل قيود الإنتاج حتى أبريل 2022.
وتضررت إيرادات أرامكو وهبطت تدفقات النقدية الحرة إلى 6.1 مليون دولار فى الربع الثانى ومع ذلك حافظت الشركة على توزيعات الأرباح البالغة 18.75 مليار دولار، ولم يكن أمامها أى خيار حقيقى، فقبل طرحها %1.5 من أسهم الشركة فى السوق المحلى، وعدت الحكومة السعودية التى تمتلك حصة أغلبية فيها بأن توزيعات الأرباح فى 2020 لن تقل عن 75 مليار دولار.
وإذا لم تتغير حظوظ الشركة بقدر كبير، فسوف يكون من المستحيل المحافظة على مستوى توزيعات الأرباح دون اللجوء إلى الاقتراض بشدة، ومن غير المرجح أن تحصل الشركة على الكثير من المساعدة من أسعار الخام نظرا لأنه من المتوقع أن يستقر متوسط سعر الخام عند أقل من 42 دولارا للبرميل العام الجارى ثم يرتفع إلى 48 دولارا العام المقبل و54 دولارا فى 2022، وفقا لمتوسط توقعات مسح أجرته بلومبرج.
ولا يمكنها ببساطة ضخ المزيد من البترول، فإنتاج أرامكو ينبغى أن يبلغ فى المتوسط 9 ملايين برميل يوميا لبقية 2020 ثم يرتفع إلى أقل قليلا من 9.5 مليون برميل العام المقبل وفقا لبنود اتفاقية اوبك بلس، وهو ما سيظل أقل بحوالى 250 ألف برميل يوميا عما كانت تضخه الشركة قبل أن تبدا برفع الإنتاج لوقت قصير فى أبريل.
وقبل طرح أرامكو للجمهور، قال بنك «جى بى مورجان تشايس آند كو» للمستثمرين المحتملين فى تقرير بحثى إنه بموجب سيناريو تكون فيه أسعار الخام 40 دولارا للبرميل وإنتاج الشركة حوالى 9 ملايين برميل يوميا – وهو سيناريو قريب لما تواجهه الشركة العام الجارى – فإن الشركة سوف تتمكن من عدم الخروج عن سقف الاقتراض الذى تفرضه على نفسها إذا خفضت توزيعات الأرباح بنسبة %30 وقلصت الإنفاق بحدة.
وفى هذه البيئة، من غير المرجح أن تكفى مجرد استراتيجية تحسين، وقد تضطر أرامكو إلى ترشيد ما تقوم به بالفعل، ففى أوائل العام الجارى، استعانت بمستشارين لبيع محتمل بمليارات الدولارات لحصة من أعمال خطوط الانابيب، وقد تتطلع أيضا إلى التخلص من الأصول غير الأساسية، وقالت إنها لا تزال ملتزمة بمشروع مشترك بقيمة 10 مليارات دولار لإنشاء مصفاة فى الصين، ومع ذلك، وفى ظل إعطائها الأولوية لتوزيعات الأرباح، ربما الوقت الحالى ليس الوقت المناسب للالتزام باستثمار ثقيل لن يدر دخلا لسنوات عديدة.
وربما بسبب قرارها بعدم تقليص المدفوعات للمساهمين، كان أداء السهم أفضل بكثير من منافسيها، وتراجع سهمها بأقل من %2 منذ بداية العام مقارنة بتراجع سهم «أكسون» بنسبة %41 وسهم «شل» بنسبة %48.
وبالتالى فإن المشكلة التى تواجهها ارامكو هى كيفية المحافظة على توزيعات الأرباح حتى تعود أسعار البترول والإنتاج إلى مستويات مريحة، وتعد إدارة محفظة أصولها بشكل أكثر نشاطا جزءا من الاستجابة المطلوبة.
بقلم: جوليان لى، استراتيجى البترول فى “بلومبرج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”