الأعباء قفزت 30% بين 30 اقتصاداً ناشئاً خلال 9 أشهر
تسعى المؤسسات العالمية والدائنون ومجموعات الضغط، جاهدة للتوصل إلى طرق مناسبة لمعالجة ما يخشى كثيرون أن تكون موجة من أزمات الديون السيادية فى الاقتصادات الناشئة خلال العام المقبل.
فالعواقب الاقتصادية والمالية للوباء، تهدد بإيقاع عشرات الدول فى أزمة مالية وترك دول أخرى مثقلة بالديون وتكافح للنمو.
وبالتأكيد تحتاج هذه الدول إلى تريليونات الدولارات من الإنفاق العام الإضافى لمساعدتها على التعافى من الأزمة، وفقاً لصندوق النقد الدولى، الذى حذر من انخفاض الموارد المحلية لهذه الدول بشكل كبير.
وحذرت مدير عام صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، الشهر الحالى، من أن نصف الدول منخفضة الدخل تقريباً تعانى بالفعل من مستويات مرتفعة من الديون، مضيفة: “نحن نعلم أننا يجب أن نتحرك بسرعة لإعادة هيكلة ديون تلك الدول”.
ولا يقتصر الخطر على الدول الأشد فقراً فقط، بل ارتفعت أعباء الديون بين أكبر 30 اقتصاداً ناشئاً بنسبة 30% من الناتج المحلى الإجمالى بين شهرى يناير وسبتمبر، أى 9 أشهر، لتصل إلى ما يقرب من 250%، بحسب معهد التمويل الدولي.
وكانت الاستجابة العالمية لهذه الأزمة مجزأة حتى الآن، فى ظل وجود قليل من الإجراءات المنسقة التى أعقبت الأزمة المالية قبل عقد من الزمن.. لكن فوز الرئيس الأمريكى المنتخب حديثاً جو بايدن بعث الآمال بإعادة إحياء العمل متعدد الأطراف العام المقبل.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أنَّ دعاة تخفيف أعباء الديون قاموا بتأييد مجموعة من الخيارات، والتى كانت كالآتى:
تمديد تعليق الديون
قامت مبادرة تعليق خدمة الدين، التى أعلنت عنها مجموعة العشرين فى أبريل، حتى الآن، بتعليق مدفوعات بقيمة 5 مليارات دولار تقريباً لصالح 46 دولة من أفقر دول العالم، من بين 73 دولة مؤهلة للتمتع بهذه المبادرة، إذ تم تمديد مهلة السداد إلى منتصف عام 2021، ويمكن أن تمتد إلى بعد ذلك أيضاً.
وتتميز هذه المبادرة بقدرتها على تخفيف الأعباء المالية على الفور، رغم ضرورة سداد الديون فى نهاية المطاف، لكن صندوق النقد الدولى يقول إنَّ المبادرة لم تشكل إفادة للدول حتى الآن، خصوصاً أن حجم التخفيف المُتفق عليه يعادل أقل من عُشر الزيادة فى مستويات الاقتراض الخارجى هذا العام.
ويقول النقاد، إنَّها لا تأخذ فى الاعتبار مخاوف الدول المدينة والمقرضين من القطاع الخاص، فى حين أشار البنك الدولى إلى أن نطاق المبادرة يقتصر على القروض التى تقدمها حكومات مجموعة العشرين والمصارف التابعة لها، والتى تشكل 35% تقريباً من الدين العام المؤهل.
تحقيق التكافؤ
يمكن توسيع إطار عمل مجموعة العشرين، الذى تم إطلاقه مؤخراً لتحديد كيفية تنفيذ تخفيف أعباء الديون، بما يتجاوز مبادرة تعليق خدمة الدين ليشمل بذلك الدول متوسطة الدخل.
وتتمثل إحدى إيجابيات تلك الخطوة فى تحقيق تكافؤ وتساوى المعاملة بين الدائنين الثنائيين والتجاريين الرسميين، بما فى ذلك المقرضون والبنوك وحملة السندات الصينيون، كما أنها ستعالج مخاوف التعثر المحتمل فى السداد وصعوبة التعامل معها بشكل خاص، ولكن من الصعب اتخاذ مثل هذا الإجراء.
قال مارك سوبيل، رئيس منتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمى والمسئول السابق فى وزارة الخزانة الأمريكية: “الفكرة جيدة ولكن هناك أسئلة رئيسية حول التنفيذ، ولحين إيجاد إجابة لهذه السئلة، لن نعتقد أننا على الطريق الصحيح”.
صندوق النقد الدولى
فى بداية الأزمة، اقترح صندوق النقد الدولى تخصيص مزيد من حقوق السحب الخاصة به، والتى قد تبيعها الدول مقابل الأموال النقدية.
وأعرب البنك الدولى والأمم المتحدة والحكومات فى جميع أنحاء العالم عن تأييدهم لهذه الدعوة، لكن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رفضتها.
وباعتبارها أكبر مساهم فى صندوق النقد الدولى، تتمتع الولايات المتحدة بقوة كافية لمنع مثل هذه الخطوة.
لذا يأمل المؤيدون لحقوق السحب أن تنظر إدارة بايدن فى هذا الأمر من جديد.
ولا تنطوى حقوق السحب على شروط سياسية، لذا فهى مقبولة للسياسات الداخلية للدول المدينة، كما أنها تعتبر وعداً فورياً بالسيولة أدى فى الماضى إلى تهدئة الأسواق المالية، ولكن يعيبها أنها تفيد الدول الغنية بشكل أكثر رغم أن المؤيدين يقولون إنه توجد طرق للتغلب على هذا الأمر.
كما أنها تفيد الدول التى قاومت الإصلاحات.
الإغاثة من المؤسسات متعددة الأطراف
تعتبر المؤسسات متعددة الأطراف، ومنها صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، أكبر المؤسسات المقرضة بالنسبة للدول الفقيرة.
وبحسب البنك الدولى، كانت الدول المدرجة ضمن مبادرة تعليق خدمة الدين تدين بما قيمته 243 مليار دولار فى نهاية عام 2019 لصالح تلك المؤسسات، وهو ما يقدر بنسبة 46% من إجمالى ديونها العامة. ومن بين 42.7 مليار دولار مستحقة على تلك الدول فى مدفوعات فى عام 2020، هناك 13.8 مليار دولار تُستحق لصالح المؤسسات متعددة الأطراف.
دعت الأمم المتحدة والصين وقادة العالم السابقون والحاليون، والمنظمات غير الحكومية، والناشطون فى مجال الديون، المقرضين متعددى الأطراف للانضمام إلى وقف السداد أو حتى إلغاء القروض المستحقة.
وتلك المؤسسات أسهمت بشكل أكثر من أى منظمة أخرى حتى الآن، فقد أقرض صندوق النقد الدولى، نحو 102 مليار دولار إلى 82 دولة وألغى فعلياً مدفوعات السداد عن أفقر الدول، كما خصص البنك الدولى 160 مليار دولار لإقراض يدوم لأكثر من 15 شهراً، وخصصت بنوك التنمية الأخرى 80 مليار دولار كمساعدات.
التعامل مع مستثمرى القطاع الخاص
تم تشجيع المقرضين التجاريين، الذين يمتلكون 19% تقريباً من أرصدة ديون الدول المندرجة ضمن مبادرة تعليق خدمة الدين، وتبلغ ديونها المستحقة 11.5 مليار دولار هذا العام، على المشاركة فى مبادرة تعليق الدين، لكنهم لم يفعلوا ذلك.
وبشكل عام، يقول نشطاء الديون وآخرون، إنه يجب على الدائنين من القطاع الخاص تقاسم أعباء الديون، لكن الدول الدائنة تخشى الإضرار بالجدارة الائتمانية، وفقدان الوصول إلى أسواق رأس المال.
تغيير قواعد الديون السيادية
يحاول صندوق النقد الدولى منذ عقدين من الزمن على الأقل إعادة تصميم الهيكل الدولى لتسوية الديون السيادية للدائنين من القطاع الخاص، لذا قام بإطلاق أحدث مقترحاته فى شهر سبتمبر.
بالإضافة إلى ذلك، تم اقتراح إمكانية تمرير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشريعات من شأنها منع حاملى السندات من اتخاذ إجراءات قانونية.
ويمكن لهذه الخطوات الحد من الاضطرابات والركود الملازم للنزاعات الطويلة، ولكن من الصعب تصميم هذا الاقتراح فى ظل وجود صعوبات كبيرة فى القانون والسياسة والإنفاذ.