جاء الإتفاق على حزمة محفزات أمريكية جديدة قليلا جدا ومتأخرا للغاية، ولكنه أيضا مرحب به على اعتبار أنه أفضل من لا شئ، وقضى الكونجرس 9 أشهر تقريبا يتجادل بشأن ما يضعه فى هذه الحزمة، وخلال هذا الوقت استمر الوباء فى الانتشار خارج السيطرة وبدون دعم الحكومة، انزلق ملايين الأمريكيين إلى حالة العوز وانهارات آلاف الشركات.
ويوم الأحد، اتفق أعضاء الكونجرس الجمهوريون والديمقراطيون أخيرا على تقديم 900 مليار دولار كاستجابة اقتصادية للوباء، وهو ما سيكون ثانى أكبر حزمة تحفيز على الإطلاق فى تاريخ الولايات المتحدة، ولن توجه الأموال فقط لمساعدة الاقتصاد الأمريكى على النجاة مما سيكون شتاء صعب، وإنما تمويل توزيع المصل لحماية المواطنين فى الدولة.
ولكن لن تكون حزمة التحفيز تلك كافية، فهى تأتى بعد محفزات أولية أكبر بكثير فى مارس عندما اتفق الكونجرس على إنفاق ما يصل إلى 2.2 تريليون دولار تستهدف مساعدة الاقتصاد الأمريكى على النجاة من الموجة الأولى فيروس كورونا، أما الحزمة الأحدث، فهى أصغر بكثير رغم أن الوباء ليس أفضل اليوم عما كان فى الربيع.
وفى الواقع، ووفقا للعديد من المعايير فإن الحالة الطارئة للصحة العامة والاقتصاد الآن أسوأ، وأوائل الشهر الجارى شهدت الولايات المتحدة أسوأ أسبوع من حيث الوفيات أثناء فترة الوباء بأكملها، وبدأ عدد الأمريكيين الذى يسجلون للحصول على إعانات البطالة فى الارتفاع مجددا وكذلك معدلات الفقر.
ويبدو أن الديمقراطيين قد استسلموا لرغبات الجمهوريين فى الإبقاء على إجمالى أموال الإنفاق دون تريليون دولار، وقبل انتخابات نوفمبر، رفض الديموقراطيون حزمة اقترحها الرئيس دونالد ترامب بقيمة 1.8 تريليون دولار باعتبارها غير كافية، ولكن تغيرت الأحوال السياسية كما كان هناك أسبابا للعجلة، ويبدو أن الحسابات سارت على النحو التالى: سيرحل ترامب قريبا عن البيت الأبيض، وسوف يكون مجلس الشيوخ منقسما أو فى أفضل الأحوال يسيطر عليه الديمقراطيون بفارق طفيف للغاية بعد انتخابات جورجيا، وحينها سوف يتذكر الجمهوريون التزامهم بموازنات متوازنة، ويعيقون المزيد من الإنفاق.
ومع ذلك، لا تزال تمثل الصفقة تقدما هائلا، وبموجبها سوف يتم تمديد النظام الحالى لإعانات البطالة وبرنامج حماية الأجور الذى يقدم قروضا للشركات الصغيرة التى تحتفظ بموظفيها، وكذلك ستتضمن جولة جديدة من المدفوعات المباشرة للأمريكيين العاديين، وكل ذلك معقول للغاية، ولحسن الحظ أيضا، تم إيقاف محاولة من قبل الجمهوريين لتقييد قدرة الاحتياطى الفيدرالى على استخدام برامج الإقرض الطارئة للاستجابة لأى اضطرابات فى أسواق السندات.
ويتعين على الحكومة المقبلة للرئيس المنتخب جو بايدن ووزيرة خزانته، جانيت يلين، أن يقرران كيف يضيفان على حزمة الدعم تلك، وسوف يكون المزيد مطلوبا قريبا على الأقل لأن تمديد بعض البرامج سيدوم لثلاثة أشهر فقط، وللأسف لا يوجد أى اتفاق بشأن دعم الولايات والحكومات المحلية التى ينقصها النقدية، وبدون بعض الدعم الفيدرالي، فسوف يواجه موظفى القطاع العام موجة من التسريح بجانب نظرائهم من القطاع الخاص.
وبإمكان بايدن بالفعل تقديم بعض الطمأنة للعاملين والشركات من خلال تحديد ما يعتزم فعله فى أول يوم له فى المكتب، وتعد قدرته على إنفاق المزيد من الأموال مقيدة – لأن هذه سلطة حصرية للكونجرس – ولكنه يستطيع إصدار أمر تنفيذى لتكرار قرار سلفه بتعجيل الإنفاق من موازنات أخرى لتمديد إعانات البطالة، كما أن لديه بعض الخيارات المبتكرة: مثل مقترح قائد الأقلية فى مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بشطب ديون الطلبة، وإذا أزالت التحركات الأكثر ليبرالية فى كابيتول هيل الحاجة لمثل هذه التدابير، فسيكون ذلك أفضل بكثير.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز”