يبدو أن اختيار الوقت المناسب ليس كل شىء، بل هو مجرد عامل مساعد؛ هذا هو الحال عندما يتعلق الأمر بالجهود التي يبذلها الرئيس الأمريكي جو بايدن لعكس اتجاه التراجع المستمر منذ عقود في ديناميكية الاقتصاد الأمريكي.
وفي حين أن جهود بايدن ستسفر على الأرجح عن نتائج محدودة فقط، إلا أنها تأتي في وقت يرى فيه بعض خبراء الاقتصاد أن الولايات المتحدة مهيأة لتحقيق نمو اقتصادي أقوى بشكل مستدام.
وبعد أكثر من عام من القيود التجارية والتباعد الاجتماعي بهدف إبطاء تفشي الوباء، تستعد الشركات لزيادة الكفاءة، كما أن الموظفين يحرصون على العودة إلى العمل، في خطوة يمكن أن تمثل بداية فترة ممتدة من النهوض بالإنتاجية الأسرع والقوى العاملة الآخذة في التوسع.
وقال روبرت جوردون، الأستاذ في جامعة نورث وسترن: “علينا أن نسرع للحاق بالركب بعد أن مررنا بعقد من تراجع وتيرة نمو الإنتاجية”.
وجوردون هو مؤلف كتاب “صعود وسقوط النمو الأمريكي” الصادر عام 2016.
لقد مهد بايدن ، بالفعل الطريق لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع للغاية خلال عامي 2021 و2022 عن طريق ضخ الأموال في جيوب الأفراد، وفقاً لخطة الإنقاذ الأمريكية التي تقدر قيمتها بـ 1.9 تريليون دولار.
ومع ذلك، تزداد صعوبة الخطوات التي يحاول الرئيس الأمريكي اتخاذها مع الحزمتين التاليتين، خصوصاً أنه يرغب في رفع قدرة الاقتصاد على التوسع لفترة طويلة دون التسبب في حدوث تضخم مفرط، حسبما أشارت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ومنذ عام 2000، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل 2% سنويا، مقارنة بـ 3.3% في العشرين عاماً السابقة.
ورغم أن هذا النمو الأسرع قد يكون بعيد المنال الآن بسبب الشيخوخة التي تغلب على التركيبة السكانية، لكن بعض الزيادة قابلة للتطبيق إذا تم تطبيق السياسات الصحيحة.
وتهدف “خطة الوظائف الأمريكية” الخاصة بالرئيس بايدن، البالغة 2.25 تريليون دولار، بشكل أساسي إلى رفع النمو على المدى الطويل من خلال زيادة الإنفاق بشكل كبير على البنية التحتية المعززة للإنتاجية مثل تغطية إنترنت النطاق العريض وتحسين روابط النقل.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن “خطة العائلات الأمريكية” المرتقبة ستركز على زيادة أعداد الأمريكيين العاملين، خاصة النساء، ويمكن ذلك من خلال زيادة التمويل المقدم لرعاية الأطفال والتعليم والبرامج الحكومية الأخرى.
ومن المقرر أن يتم تمويل الاقتراحين من خلال فرض ضرائب أعلى على الشركات والأثرياء، وهو أمر يقول بعض الاقتصاديين إنه سيضر بالنمو الاقتصادي، لكن يبقى الأمل في إمكانية تسجيل استثمار أقوى والتوسع في القوة العاملة اللذين يمكن أن يثبتان في النهاية أنهما قادران على تعويض أي ضرار اقتصادية.
ويتمثل الهدف الأسمى في زيادة معدل نمو الاقتصاد، وبالتالي تحقيق مزيد من الازدهار للأمريكيين العاملين ومزيد من الأرباح للشركات.
وتعتبر هذه الأخبار جيدة بالنسبة لواضعي السياسات، فالنمو الأسرع يجعل الديون الضخمة للحكومة الفيدرالية أكثر قابلية للإدارة بسبب عائدات الضرائب الإضافية التي تولدها، كما أنه يقود البنك الاحتياطي الفيدرالي لتوفير مساحة أكبر للسماح بتسارع النمو الاقتصادي وانخفاض البطالة قبل تشديد السياسة النقدية.
يقول مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين لدى “جي.بي مورجان تشيس”، إن زيادة الشركات لاستثماراتها الرأسمالية كانت واحداً من التطورات المشجعة بشكل خاص.
وأشار إلى أنه بعد أن سجلت تراجعاً في الربع الثاني من 2020، ارتفع الإنفاق التجاري على المعدات بنسبة 25.4% في الربع الرابع، ما أضاف على الانتعاش بنسبة 68.2% في الأشهر الثلاثة السابقة التي أعقبت 5 ارباع متتالية من الانكماش.
وفي تقرير مؤلف من 108 صفحات صدر في مارس، رأى المستشارون العالميون في “ماكينزي آند كومباني” أن ثمة إمكانية لحدوث تسارع بنسبة 1% في نمو الإنتاجية السنوية خلال الأربعة أعوام المقبلة، وهو ما يقرب من ضعف متوسط الزيادة التي شوهدت في التوسع الذي أعقب الأزمة المالية العالمية.
وساعدت خطة إنقاذ بايدن، في توليد الطلب القوي الذي تقول “ماكينزي” إنه ضروري لإقناع الشركات بإنفاق المزيد على عملياتها وعمالها.
ومن المفترض أن يساعد اقتراح بايدن بزيادة النفقات على البنية التحتية العامة بشكل كبير، مثل الطرق والجسور وإنترنت النطاق العريض، أيضا في جعل الاقتصاد أكثر إنتاجية، رغم أن التأثير سيكون ضئيلاً على الأرجح.
واقترح تحليل أجرته وحدة “بلومبرج إيكونوميكس” إمكانية رفع آفاق النمو على المدى الطويل بنحو 0.1%، مع توفير 2.2 مليون من فرص العمل خلال فترة الاستثمار.
ويعتقد مارك زاندي، كبير الاقتصاديين لدى “موديز إناليتكس”، أن يكون تأثير خطة العائلات الأمريكية- المقرر الكشف عنه الأسبوع المقبل- صغير، لكنه سيكون إيجابي، على معدل النمو المحتمل طويل الأجل للاقتصاد، فهذه الخطة يمكن أن تساهم في زيادة النمو بنحو 0.1% سنوياً.
ومع ذلك، لا يشعر الجميع بالتفاؤل بشأن الآفاق الاقتصادية طويلة المدى للولايات المتحدة، فقد بلغ متوسط توقعات صناع السياسة الفيدرالية للنمو الاقتصادي الأمريكي خلال الشهر الماضي ما نسبته 1.8%.
كما يبدو أن مستثمري سوق السندات لا يزالون متشككين أيضاً، فهم يواصلون شراء سندات الخزينة بعوائد أقل بكثير من معدل التضخم.