تُصدر مصر بين 88 و100% من محصول القطن فى صورته الخام دون تصنيع، وبعد المتغيرات الاقتصادية العالمية التى طرأت فى الـ18 شهراً الأخيرة؛ بسبب تداعيات «كورونا»، تتجه علامات تجارية عدة إلى التصنيع فى مصر بعد الأزمات التى ضربت الأسواق الرئيسية خصوصاً فى شرق آسيا.
ووفقاً لبيانات الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، صدَّرت مصر الموسم الحالى نحو %88 من إنتاج الأقطان فى صورتها الخام حتى نهاية شهر أغسطس الماضى، فى حين اشترت المغازل المحلية النسبة المتبقية. وأوضحت البيانات، أنه تم تصدير كامل الأقطان من إنتاج الموسم الماضى فى صورته الخام بواقع 1.6 مليون قنطار، ما يفسد على الاقتصاد القيمة المضافة التى يمكن أن تكسبها الصناعة.
لماذا تفضل المصانع القطن المستورد؟
تعتمد المغازل المحلية العامة والخاصة على الاستيراد لتوفير خامات تصنيع الملابس؛ بسبب انخفاض الأسعار العالمية عن أسعار المحصول المصرى، رغم فارق الجودة لصالح الأخير.
ووفقاً لمصادر فى الشركة القابضة للقطن والغزل، فإنَّ أسعار الأقطان المحلية لا تزال أعلى من الأقطان المستوردة، وهو ما يرفع تكاليف الإنتاج.. لذا دائماً يتم تفضيل المنتجات المستوردة.
أوضح محمد القليوبى، مُصنّع ملابس، أن الأقطان المستوردة تغطى المواصفات الفنية التى تطلبها الأسواق الدولية والسوق المحلى، لذا ستفضل المصانع دائماً المنتج المستورد، وسيظل القطن المصرى يُصدر خامات حال عدم تأهيل سوق الزراعة محلياً.
وقال فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين، إنَّ ارتفاع تكلفة الزراعة وانخفاض العائد هما السبب الرئيسى فى ضعف اقتصاديات محصول القطن، ويجب تخفيف تكاليف الإنتاج لتشجيع الفلاحين على استزراع مساحات أكبر، والتى بلغت الموسم الأخير نحو 231 ألف فدان.
التغيرات العالمية واستفادة السوق
تستفيد صناعة الملابس المصرية بشكل ضعيف من التغيرات العالمية، رغم القفزة التى حققتها الصادرات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالى.
قال مجدى طلبة، الرئيس الأسبق للمجلس التصديرى للملابس الجاهزة والغزل والنسيج والمفروشات، إنَّ الاستفادة محدودة، مقارنة بالفرص المتاحة فى ظل تغيرات تفشى فيروس كورونا على السوق العالمى.
وتابع: «زيادة الطاقات الإنتاجية للمصانع أمر واجب، بهدف الاستفادة من تزايد الطلب على المنتج المصرى مؤخراً، فى ظل قفزات أسعار الشحن واضطرابات غلق بعض الدول المنتجة للملابس».
توقع «طلبة» قفزة كبيرة فى الطلب العالمى على الملابس المصرية خلال 2022 مع عودة نشاط الأسواق العالمية والحاجة إلى تعويض الخسائر الناتجة عن فترات التوقف فى فترة تفشى وباء كورونا.
أكد «طلبة»، أهمية تكاتف جميع الجهات لتحسين المناخ العام، ومساعدة الشركات فى زيادة استثماراتها، ورفع طاقاتها الإنتاجية لزيادة الصادرات.
وشدد على أهمية تيسير الإجراءات البنكية ومراجعة القوانين الخاصة بالاستثمار، والحد من البيروقراطية، وخفض تكاليف الإنتاج بوجه عام، وتحسين الجودة وتحديث المصانع لتعظيم قدرات المنافسة مع كبرى الدول المنتجة.
الاستفادة من التغيرات العالمية
ارتفعت أسعار الأقطان العالمية، خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بانخفاض المعروض، وأزمات الشحن على مستوى الأسعار، والتسليم فى المواعيد المتفق عليها.
وتتراوح نسبة القطن فى قطعة الجينز بين 10 و%15 من المنتج.. لذا يمكن أن ترتفع الاستفادة المحلية.
وتوقع مجدى طلبة، انخفاض أسعار القطن خلال شهر نوفمبر المقبل مع ظهور محصول نصف الكرة الشمالى، بالإضافة لتوقعات ارتفاع محصول الصين من الكميات المعروضة.
وتابع: «المصانع تحاول التعايش حالياً مع ارتفاع تكلفة الخامات لكنها تعانى أيضاً قفزات أسعار الشحن العالمية، وزيادة مختلف أسعار الخامات فى ظل التغيرات المناخية وتأثيرات تفشى فيروس كورونا».
ولفت إلى أن التأثير الملحوظ حالياً فى سعر القطن يظهر فى المغازل المحلية، لكن لا يزال محدوداً على الأقمشة المستوردة فى ظل توافر مخزون لدى المصانع، إذ تعتمد الشركات على استيراد غالبية الخامات من الخارج.
وأكد أنَّ الزيادات فى التكلفة مستمرة منذ بداية العام الحالى، ويصعب تعميم متوسط لهذه الزيادة على مختلف المصانع؛ لأنها تختلف من مصنع لآخر، وتحددها المدخلات المحلية والمستوردة، ونوعية الماكينات المستخدمة التى تؤثر فى النهاية على تكلفة الإنتاج.
أعباء الضرائب والتأمينات
أشار «طلبة»، إلى وجود أعباء كثيرة تتحملها الصناعة خلال الفترة الحالية فى ظل المتطلبات الحكومية من الضرائب والتأمينات، والحد الأدنى للأجور وتبعاته.
وقال إن الزيادات العشوائية فى مختلف المصروفات عادة ما تؤثر سلباً، وتفوت على المنتج المحلى فرصاً كبيرة للتصدير وفتح أسواق تصديرية جديدة.
ضعف السيولة وأعباء إضافية.
أوضح مجدى طلبة، أن المصانع تعانى ضعف السيولة، خلال الفترة الحالية، فى ظل الزيادات المتتالية فى أسعار الخامات، ويجب أن تتدخل الحكومة لحماية الصناعة من المخاطر التى تواجهها. وكبار المشترين الأجانب يبحثون عن أفضل سعر، لذا يجب العمل على خفض تكلفة الإنتاج لتوفير منتج قادر على المنافسة مع كبرى الدول المنتجة للملابس مثل بنجلاديش والصين وبعض دول أفريقيا.
كما أكد أهمية إجراء دراسة وافية لتكاليف التصنيع المحلية والعمل على خفضها؛ حتى لا تواجه الشركات عجزاً فى التدفقات النقدية لديها تجعلها غير قادرة على المنافسة وخروجها من السوق.
الماركات العالمية
قالت مارى لويس، رئيس مجلس تصدير الملابس حالياً، إنَّ جذب المصنعين العالميين إلى مصر بمثابة خطوة مهمة يجب تعظيمها والاستفادة منها بأقصى صورة ممكنة، عبر خفض المصروفات وتقليل الفاقد وزمن التصنيع، وخفض العيوب فى الخامات، وزيادة الكفاءة الإنتاجية للعامل، وتقنين استهلاك الطاقة لخفض تكلفة الإنتاج ومواصلة المنافسة، وهذا ما سيشجع الماركات العالمية على دخول السوق المصرى.
واتجهت شركات أزياء عالمية ومصنعو ملابس فى أوروبا وأمريكا للتصنيع والتصدير من مصر، كبديل عن شرق آسيا والصين، بهدف توفير الوقت والأموال؛ بسبب الأزمات التى تلاحق سلاسل التوريد العالمية.
وقال تقرير لـ«رويترز»، إن مصر ودولاً فى المنطقة قد تستفيد من أزمات سلاسل التوريد العالمية من الصين وآسيا، فى جذب مزيد من مصنعى الملابس إليها.