انتابتنى الصدمة عندما قرأت خبر بالأمس بجريدة الأهرام بأن هيئة الرقابة الإدارية ستقوم باستخراج تراخيص المشروعات الصناعية.. وهو ما يعنى أن هناك مشاكل تواجه المستثمرين الراغبين فى استخراج تراخيص لمشروعاتهم من الجهة المنوط بها استخراج التراخيص، وهى هيئة التنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة.. والتى تنفذ قانون التراخيص الصناعية رقم 14 لسنة 2017 والذى احتفلت به وزارة الصناعة وروجت له فى حفل حضرته بفندق الماسة بأن القانون الجديد يتضمن تيسيرات لمنح التراخيص من خلال تخفيض الرسوم وتقليل الإجراءات الحكومية فى محاولة لزيادة الاستثمارات الصناعية وتحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الاندماج فى الاقتصاد الرسمى.. إلا أنه عندما تم تطبيق القانون على أرض الواقع ظهر العديد من المشاكل والمعوقات التى جعلت من القانون الذى يعول عليه فى تحفيز المستثمرين فى إقامة مشروعات جديدة.. أصبح يمثل إرهاقًا إداريًا وماديًا للمستثمرين من جديد.
ومن الواضح أن المشكلة كما جاء فى تقرير لاتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية عن القانون بعد تطبيقه ثم إعداده مع مركز المشروعات الدولية الخاصة «cipe» هى عدم قدرة وكفاءة هيئة التنمية الصناعية فى تطبيق القانون قد يكون بسبب عدم تدريب وتوفير موظفين مؤهلين لتطبيق القانون.. بجانب عدم توافر فروع للهيئة فى بعض المحافظات ونقص أعداد الموظفين بمكاتب الاعتماد وضعف أدائهم وعدم درايتهم بالقانون والهدف من تطبيقه.
كل ذلك جعل القانون حبرًا على ورق فزادت الشكاوى من المستثمرين الأمر الذى أدى بأن يصل الأمر بأن تتدخل هيئة الرقابة الإدارية لحل هذه الشكاوى والقيام بأعمال هيئة التنمية الصناعية فى مساعدة المستثمرين على استخراج التراخيص.. وقيام الرقابة الإدارية بهذا الجهد أمر يحسب لها، ولكنه للأسف يصدر رسالة سلبية بأن هناك معوقات أمام الاستثمار وأن هناك صعوبة تواجه المستثمر فى الحصول على تراخيص لمشروعه.. يحدث هذا فى وقت لم يعد يقبل هذا التراخى، فنحن الآن فى حاجة لاستثمارات جديدة أكثر من أى وقت مضى لتجاوز الأزمة الاقتصادية ولزيادة حصيلتنا من النقد الأجنبى وتوفير فرص عمل.. ولكن للأسف كثير من الجهات والوزارات الحكومية أداؤها لا يرتقى للتعامل مع المتغيرات التى يشهدها العالم وتأثيرها واضح علينا.. وكثيرًا ما اتضح ضعف أداء وزارة الصناعة وأجهزتها ولعل عدم تطبيق قانون التراخيص الصناعية بكفاءة يؤكد على ضعف أداء هذه الوزارة والتى انعكس أداؤها على حال الصناعة المصرية وحجم الاستثمارات وكثيرًا ما انتقد نواب البرلمان أداء الوزارة، ولكن لا شيء يحدث سوى ضجيج الشكاوى والحل أن تتدخل الجهات السيادية فى محاولة لتذليل العقبات.. فهل يعقل أن كل من لديه مشكلة أن يلجأ للرقابة الإدارية أو أى جهة سيادية أخرى لحل مشكلة بسبب عدم قدرة الجهات صاحبة الاختصاص على حلها لفساد أو تراخى أو ضعف أداء.
ما الجدوى من وجود هيئة التنمية الصناعية إذا لم تكن قادرة على تطبيق قانون وتيسير إجراءات التراخيص الصناعية.. وماذا فعلت الهيئة فى ملف تخصيص الأراضى الصناعية ولماذا لا توجد قواعد واضحة وعادلة فى تخصيص وتسعير الأراضى وهل الأفضل أن نترك المستثمرين وخاصة الصغار والمتوسطين للتعامل مع المطورين الصناعيين الذين يبالغون فى تسعير الأراضى مستغلين حاجة المستثمرين لأراضى جاهزة ولصعوبة تعامل هؤلاء المستثمرين مع الهيئة.
لقد سبق تقديم أكثر من دراسة وورقة عمل عن تطبيق قانون التراخيص الصناعية وشاركت الهيئة فى مناقشة بعضها فماذا حدث؟ وكيف لقانون لم يمض على تطبيقه 5 سنوات نفكر الآن فى تعديله وكأن المشكلة فى القانون بل في من ينفذونه؟.. لقد اضطرت وزيرة الصناعة إلى إصدار قرار وزارى بتشكيل لجنة لتعديل قانون التراخيص الصناعية وحددت 20 يومًا لتنتهى اللجنة من عملها وتقديم تقرير بالتعديلات فهل يا ترى تم ذلك وخاصة أن مدة الـ20 يومًا انتهت؟.
وبالطبع سيعرض التقرير على رئيس الوزراء ومستشاريه حتى يتم الموافقة على التعديلات وصياغتها ثم إحالتها للبرلمان الذى يقضى إجازته الصيفية ليتم مناقشته برلمانيًا على الأقل نهاية العام الجارى وحتى ذلك الحين ستكون الرقابة الإدارية هى من سيتولى حل مشاكل المستثمرين مع التنمية الصناعية وغيرها لتزداد أعباء هيئة الرقابة المنوط بها مواجهة ومكافحة الفساد أن تواجه أيضًا ضعف أداء الوزارات والجهات الحكومية.. فمن سيكون مسئولًا عن إدارة ملف الصناعة والمستهدف تحقيقه من نمو فى هذا القطاع وزارة الصناعة أم الرقابة الإدارية؟ ومن سيحاسبه البرلمان أو الوزارة أم الرقابة؟.. وكأننا نخترع العجلة كما يقولون أليس هنا تجارب عالمية فى إصدار التراخيص للأنشطة الصناعية ونظام تخصيص الأراضى فى الصين أو فى رواندا وموريشيوس وأوغندا تجارب استفيدوا منها يرحمكم الله.