الانتعاش الاقتصادي السريع للهند يؤهلها لمساعدة الجيران
هل يمكن أن يكون العالم على شفا أزمة مالية أخرى في الأسواق الناشئة؟
بينما حققت اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية، بما فيها الهند والصين، أداء جيداً نسبياً عقب الأزمة المالية العالمية في 2007، تعيد الاضطرابات الأخيرة في جنوب آسيا إلى الأذهان بعضاً من ذكريات الأزمة المالية الآسيوية التي بدأت قبل عقد من الزمان.
تخلفت سريلانكا عن سداد ديونها الخارجية السيادية في الأشهر الأخيرة، وقد تفاوضت باكستان وبنجلاديش مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية لتجنب المعاناة من ضائقة مماثلة لسريلانكا.
تعد الهند الاستثناء الملحوظ من كآبة جنوب آسيا. فرغم المخاوف المتزايدة بشأن التضخم، انتعشت البلاد جيداً بعد مواجهة ركود حاد الناجم عن الوباء وأحد أقسى عمليات الإغلاق في العالم في بداية التفشي.
ورغم أن الروبية بلغت أدنى مستوياتها القياسية مقابل الدولار الأمريكي، فإن هذا يبدو وكأنه وظيفة لتشديد السياسة النقدية الأمريكية أكثر من كونه انعكاساً للضعف الاقتصادي في الهند، بحسب مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
على عكس جيرانها، تمتلك الهند احتياطيات وفيرة من العملات الأجنبية، فلديها 600 مليار دولار في متناول اليد، وهو ما يكفي لتغطية حوالي 10 أشهر من الواردات.
وعلى النقيض من ذلك، تمتلك باكستان وبنجلاديش بالكاد ما يكفي من النقد الأجنبي لتغطية أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر من الواردات، وهو ما يشكل تقريباً عتبة إنذار في نظر صندوق النقد الدولي والمقرضين الأخرين.
تعتمد كل دولة من دول جنوب آسيا المضطربة بشكل كبير على استيراد السلع الأجنبية، وخاصة البترول والغاز الطبيعي.
نتيجة لذلك، عندما ارتفعت أسعار الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كان يتعين على هذه الدول على الفور استخدام مزيد من العملات الأجنبية لدفع ثمن الوقود والواردات الضرورية الأخرى المسعرة بالدولار.
في الوقت نفسه، كانت تجلب كميات أقل من العملات الأجنبية مع تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، مما يقوض الطلب على صادراتها.
ما زاد الأمور سوءاً أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والعديد من نظرائه الغربيين رفعوا أسعار الفائدة بقوة لكبح التضخم المرتفع.
هذا الأمر أدى إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة للاقتصادات المتقدمة مع إعادة توازن حسابات العائد والمخاطر، حيث غادر أكثر من 38 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الماضية، وهي أطول فترة من نوعها لصافي التدفقات الخارجة منذ أن بدأ معهد التمويل الدولي في الاحتفاظ بالسجلات في عام 2005.
لقد شهدت اقتصادات جنوب آسيا الثلاثة المضطربة إدارة اقتصادية كلية سيئة ومستويات عالية من الفساد ونوبات متكررة من عدم الاستقرار السياسي.
يلاحظ مراقبو السوق الأوضاع ليعرفوا كيف تقع العديد من الاقتصادات النامية الصغيرة في المشاكل.
في جنوب آسيا فقط، ظهرت مخاوف أيضاً بشأن الاحتياطيات الأجنبية لجزر المالديف وبوتان، بينما قيدت نيبال واردات بعض المنتجات للحفاظ على حيازاتها.
هل يمكن للاقتصاد العالمي أن يرى مرة أخرى تداعيات مماثلة لتلك التي شهدها في عام 1997 ومرة أخرى في عام 2007، خصوصا أن اتساع الفجوة بين العوائد على سندات الأسواق الناشئة وعوائد سندات الخزانة الأمريكية يبدو وكأنها تشير إلى ذلك؟
النبأ السار هو أن الاقتصادات المتأثرة حتى الآن هي اقتصادات صغيرة نسبياً في التجارة العالمية، خاصة بالمقارنة مع اقتصادات شرق آسيا التي واجهت مشاكل في عام 1997، بما في ذلك تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية.
وحتى الآن، هناك أدلة قليلة على العدوى رغم أنه إذا امتدت الأزمة إلى اقتصادات أكبر في أمريكا اللاتينية، فإن الصورة قد تتغير.
في الوقت نفسه، تعلم صندوق النقد الدولي الدروس من الأزمات السابقة التي حدثت على المستوى العالمي، بالتالي فهو يتدخل في وقت مبكر لمساعدة الدول المحتاجة قبل تخلفها عن السداد ويدرك بشدة خطر العدوى أكثر من ذي قبل.
ثمة خبر سار آخر وهو أن معظم الاقتصادات الناشئة الرئيسية، خاصة الصين والهند، تواصل الأداء الجيد نسبياً.
قبل عامين، لم تكن الهند جيدة، إذ انخفض النشاط الاقتصادي وسط الإغلاق الوبائي الشديد، لكن أكبر ديمقراطية بالعالم وأكبر اقتصاد بجنوب آسيا انتعش مرة أخرى بسرعة حيث خففت الحكومة من نهجها تجاه الوباء، ويبدو أن هناك مخاطر ضئيلة من إمكانية معاناة البلاد من ضغوط مماثلة لتلك التي تضغط على جيرانها بها.
باعتبار الهند القوة المهيمنة المحتملة في جنوب آسيا، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت ستواجه عدوى من جيرانها الأصغر، وهو ما يبدو غير مرجح نظراً لانخفاض مستويات التجارة البينية وانخفاض وزنها الاقتصادي، لكن ماذا سيحدث إذا كانت تلعب دور مركزي أكثر في المساعدة على إدارة الاستجابة الدولية للأزمة الحالية.
حتى الآن، أخذت الهند زمام المبادرة في مساعدة سريلانكا، حيث قدمت لها دعماً بنحو 4 مليار دولار في 2022.
كذلك، يمكن للهند العمل كمحاور بين المؤسسات المالية العالمية والبنوك والدائنين الآخرين، وتؤثر على اقتصادات جنوب آسيا، لكن ما إذا كانت الدول، وخاصة باكستان، سترحب بمشاركة الهند كوسيط نزيه هو سؤال آخر، وكذلك هناك سؤال آخر بشأن رغبة الهند في لعب دور قيادي أكبر في المنطقة.