تصدرت أزمة الطاقة التى تتكشف فى أوروبا وتنتشر فى آسيا ودول أخرى فى جميع أنحاء العالم بسبب حرب أوكرانيا، عناوين الأخبار منذ أسابيع.. لكن ثمة أزمة طاقة أخرى لا تُعلن أخبارها بشكل يومى.
فى الوقت الراهن، يفتقر 800 مليون شخص إلى الكهرباء ويفتقر 2.6 مليار شخص إلى وقود الطهى النظيف، من بينهم أكثر من 1.5 مليار يعيشون فى آسيا، وهذا النقص له تداعيات واسعة النطاق، ليس فقط على أمن الطاقة والأمن القومى، بل إنها أيضاً مأساة إنسانية.
لاشك أن فقر الطاقة يمثل تهديداً حقيقياً فى ظل نمو عدد سكان العالم إلى أكثر من 9 مليارات نسمة بحلول عام 2040.
ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية، أن العديد من الدول مازالت تطمح فقط إلى تزويد مواطنيها بمصادر الطاقة الأساسية الموثوقة، إذ تخلق الطاقة فرصاً اقتصادية واجتماعية وفردية، وهذا يمكن أن يضمن أيضاً الاستمرار فى المساعدة على انتشال الناس من فقر الطاقة وتمكين التقدم البشرى.
أظهرت المناقشات التى جرت بين صُناع السياسات وقادة صناعة الطاقة من جميع أنحاء العالم فى مؤتمر «جاستيك» بميلانو الذى عُقد فى سبتمبر الحالى، الحاجة الملحة للتنسيق والتعاون للاستجابة للمخاوف المتعلقة بفقر الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادى والانتقال إلى مستقبل طاقة منخفضة الكربون.
بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، ربما تكون التحديات أعلى من أى مكان آخر، مع توقع نمو استهلاك الطاقة بنسبة %20 بحلول عام 2050 لدعم النمو الاقتصادى والمساعدة فى تمكيين الملايين من الحصول على الطاقة فى الاقتصاد العالمى.
فى الوقت نفسه، تحتاج المنطقة إلى توفير مزيج أقل من الطاقة الكربونية وإيجاد حل لإرث الاعتماد على الفحم أكبر من أى مكان آخر فى العالم، حيث يمثل الوقود ما يقرب من نصف الطلب على الطاقة الأولية.
بهذا الصدد، زعم الكاتب نايجل هيرنى، أن ثمة ثلاثة جوانب يجب مراعاتها، أولها هو أن كل بلد سيكون له احتياجات مختلفة، فكل منها فى مكان مختلف من حيث الاهتمامات الاقتصادية والبيئية.
الجانب الثانى وهو الافتقار إلى وجود مسار واحد مخصص لإزالة الكربون من أنظمة الطاقة الحالية، علماً بأنه لا ينبغى أن تدور المحادثات حول مدى صحة إجابة واحدة وخطأ الأخرى، لأن العالم سيحتاج إلى جميع الحلول لتلبية الطلب المتزايد.
أخيراً، نحن لا نعيش فى عالم «كل شيء أو لا شيء»، بل إننا نعيش فى عالم يجب أن يوازن بين احتياجات اليوم وطموحات الغد، والتى تشمل أمن الطاقة وصافى التطلعات الصفرية فى الانبعاثات الكربونية.
فى مواجهة حالة عدم اليقين التى تعيشها الدول اليوم، فإن الاختيارية هى المفتاح، فمن المهم أن نفهم أن الأمر سيتطلب جميع الخيارات وجميع القطاعات والشركات المختلفة لاستكمال ما تقوم به الدول بشكل جيد اليوم لتلبية احتياجات الغد.
لاشك أن السياسات على المستويين الإقليمى والوطنى ستقود إلى حلول طاقة عملية، بدءاً بتدابير لتمكين التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعى، ثم إلى أشكال جديدة من الطاقة.
يمكن للغاز الطبيعى أن يتيح للدول إزالة الكربون من مزيج الطاقة لديها اليوم، إذ يعتبر الغاز الطبيعى أيضاً دعماً موثوقاً به للطاقة المتجددة، حيث يحل مشكلات التقطع فى مصادر الطاقة المتجددة أثناء تطور نظام الطاقة.
يذكر أن البنية التحتية للغاز الطبيعى متينة وقابلة للتكيف مع أشكال جديدة من الطاقة مثل تلك التى تتسع بمرور الوقت.
فى مؤتمر «جاستيك»، كان هناك اعتراف بأن الولايات المتحدة تلعب دوراً حاسماً فى توفير الغاز الطبيعى الذى قد يدعم أمن الطاقة وأهداف الأمن القومى، وهذا الإمداد، الذى يأتى فى شكل غاز طبيعى مسال، مطلوب بشدة فى آسيا وأوروبا وأماكن أخرى.
لتلبية الطلب على الصعيد العالمى، يجب أن ننظر إلى سلسلة قيمة الطاقة بأكملها، وليس فقط منطقة جغرافية واحدة أو منتج واحد، فنظام الطاقة عالمى ومترابط، بالتالى يمكن تصميم أنظمة طاقة ذكية من خلال التعاون والشفافية.
حان الوقت الآن لتحقيق التعاون بين القطاعين العام والخاص، إذ يريد كثيرون كتابة الفصلين الأول والأخير من كتاب نظام الطاقة وتخطى الفصول الوسطى، لكن الفصول التالية المتعلقة بما يجب فعله وكيفية فعله هى الأهم.
لا شك أن العالم بإمكانه المضى قدماً وتسريع تقدم الطاقة وتحقيق الأهداف المرجوة، لكن ذلك لا يمكن أن يتم سوى من خلال الموازنة بين جميع الخيارات والعمل معاً لاتخاذ قرارات مستنيرة.