الضغوط التضخمية تفقد زخمها وكذلك توقعات الصادرات فى المنطقة
فى 21 سبتمبر الماضى، أوضح رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى «جيروم باول»، أن التضخم ـ وليس النمو ـ سيظل محور السياسة النقدية الأمريكية، ثم أشارت التوقعات الصادرة عن أعضاء المجلس الفيدرالى إلى أن مؤشر الفائدة الأمريكى المتصاعد قد يرتفع فى النهاية أعلى مما توقعه السوق سابقاً.
وامتدت هذه التطورات بسرعة إلى آسيا؛ حيث رفعت البنوك المركزية فى الفلبين وإندونيسيا أسعار الفائدة بمقدار 0.5% فى اليوم التالى، ثم حذت الهند حذوها بعد أسبوع.
فى الواقع، يمكن القول إنَّ بنك الاحتياطى الفيدرالى الأكثر تشدداً يعطى البنوك المركزية الآسيوية مزيداً من الأسباب للبقاء فى مسار تشديد السياسة السريع.
لكن إلقاء نظرة فاحصة على إجراءات البنوك وبيانات السياسة يكشف أن الدافع وراء تحركات أسعار الفائدة الكبيرة ما زال محلياً فى المقام الأول، بحسب مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وبينما تقر البنوك المركزية بوجود بيئة خارجية صعبة بشكل متزايد، فإنَّ الحفاظ على التوقعات التضخمية ما زال مصدر قلقهم الرئيسى.
هذا صحيح حتى بالنسبة لإندونيسيا، فمن المرجح أن يؤدى إعلان الرئيس جوكو ويدودو، المتأخر عن ارتفاع أسعار الوقود فى سبتمبر إلى رفع معدل التضخم فى البلاد إلى ما يقرب من 8% فى أكتوبر الجارى.
ومن غير المرجح أن تنخفض وتيرة ارتفاع أسعار المستهلك إلى أقل من 6.5% حتى أوائل العام المقبل على الأقل، لكن من المهم ملاحظة أن توقعات التضخم فى إندونيسيا تختلف قليلاً عن بقية المنطقة.
وكان تمرير تحركات الأسعار العالمية إلى الأسعار المحلية أقل تقييداً فى الاقتصادات الأخرى، ما يعنى أن انخفاض الأسعار العالمية يؤثر بالفعل عليها.
وكان الدافع وراء ارتفاع الأسعار مزيجاً من مشاكل سلسلة الإمداد واضطراب شحنات السلع فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا وكلاهما يتلاشى باعتبارهما عوامل محفزة للتضخم.
وساعدت تهدئة الطلب على تخفيف معوقات سلسلة الإمداد فى الأشهر الأخيرة، فقد عاد مؤشر ضغط سلسلة الإمداد العالمى الذى يتتبعه بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك إلى المستويات التى شوهدت لآخر مرة فى أوائل عام 2021، بينما انخفضت أسعار الشحن من شنغهاى إلى الموانئ الأمريكية بنسبة 40% إلى 70% من الذروة التى وصلت إليها فى ذلك العام.
كما أبلغت الشركات المشاركة فى استبيانات مؤشر مدير المشتريات، أيضاً، عن خفض أوقات التسليم من الموردين، وكذلك، تراجعت صدمة أسعار السلع الأساسية التى سببتها حرب أوكرانيا بشكل كبير؛ حيث انخفضت أسعار البترول الآن بنحو 20% عن مستويات الذروة وانخفضت، أيضاً، أسعار الحبوب والسلع الزراعية الأخرى.
ومع ذلك، من المرجح أن تظل قراءات التضخم مرتفعة على المدى القصير، لكن مؤشرات أسعار المستهلك ربما تكون قد بلغت ذروتها بالفعل فى بعض الاقتصادات الآسيوية، وأحد العوامل التى تصب فى مصلحة المنطقة هو الافتقار النسبى لضغوط الأسعار من جانب الطلب والتى أدت إلى تفاقم المشكلات فى أماكن عدة، من بينها الولايات المتحدة.
وفى ظل وجود استثناءات قليلة، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، ما زالت آسيا إلى حد كبير فى وضع اللحاق بالركب بعد «كورونا»، وهذا شىء يجب ألا تغفله البنوك المركزية فى المنطقة، فمع حدوث ركود شبه مؤكد فى الولايات المتحدة وأوروبا وتسبب الإغلاق المفروض للسيطرة على تفشى كورونا إلى مزيد من خفض الناتج المحلى الإجمالى للصين، تزداد التوقعات الخاصة بصادرات آسيا ونموها سوءاً يوماً بعد يوم.
وإضافة إلى الضغط السلبى، هناك تحول دورة أشباه الموصلات؛ حيث كانت صادرات الإلكترونيات محركاً رئيسياً للنمو فى كوريا الجنوبية وتايوان خلال الأعوام القليلة الماضية وتشعر كلتاهما الآن بالبرودة من انخفاض الطلب.
ولقد خفضت شركة «أكسفورد إيكونوميكس» بالفعل توقعات نمو صادرات السلع فى آسيا إلى 0.4% فقط لعام 2023 من 3.5% فى بداية العام، لكن ما زال هناك مخاطر هبوط أخرى.
وبطبيعة الحال، سيكون انخفاض التضخم بطيئاً، على الأقل حتى منتصف عام 2023، عندما تصبح التأثيرات الأساسية مواتية تماماً، وهذا يعكس جزئياً قضايا سلسلة الإمداد العالقة والتوقعات الوعرة لأسعار السلع الأساسية، فضلاً عن العوامل الخاصة بكل بلد، لكن من غير المحتمل أن يكون للتشديد النقدى المستمر تأثير مادى على تخفيف ضغوط الأسعار من مثل هذه المصادر.
ويمكن وضع قيود الهند على صادرات الأرز فى الاعتبار، وهى قيود ستؤثر على أسعار الأرز العالمية وربما تؤثر على عدد قليل من البلدان الآسيوية، لكن الاستجابة المالية فى الاقتصادات المتضررة ستكون مفيدة أكثر من الاستجابة النقدية.
وما زال من المحتمل ارتفاع أسعار الفائدة فى آسيا، لكن تشدد بنك الاحتياطى الفيدرالى، طالما أن ضغوط الأسعار الخارجية تتجه إلى حد كبير فى الانخفاض وتثبت توقعات التضخم، فإنَّ التحول المنطقى فى تركيز البنوك المركزية الآسيوية فى الأشهر المقبلة يجب أن يكون نحو المخاطر التى تتجسد بسرعة على النمو.
وبالنظر إلى عام 2023، سيكون الاتجاه المناسب للسياسة عبارة عن وقفة موسعة لسعر الفائدة لتقييم التأثير البطىء لانتقال السياسة النقدية.