فى إحدى زيارات الرئيس الراحل حسنى مبارك لفرنسا فى عهد الرئيس الراحل ميتران تجول مبارك وميتران فى قصر الإيلزيه.. ووقف ميتران أمام سجادة يدوية عبارة عن تحفة فنية.. وأشار لمبارك هذه السجادة من مصر.. فرح مبارك باندهاش وسأل فقال له ميتران انها من قرية ساقية أبوشعرة فى المنوفية.
انتهت الزيارة وعاد مبارك للوطن وهو فى ذهنه هذه السجادة التحفة التى رآها فى قصر الإليزيه سأل مبارك معاونيه عن ساقية أبوشعرة وعرف أنها فى محافظة المنوفية.. وفى أحد الأيام استقل مبارك طائرة هليكوبتر ونزل ساقية أبو شعرة وكان معه رئيس الوزراء وقتها د. عاطف صدقى وحافظ المنوفية وقتها وتجول مبارك فى القرية فاكتشف أن غالبية منازل القرية عبارة عن ورش لتصنيع السجاد اليدوى فسألهم عن مشاكلهم واحتياجاتهم وطلب من الحكومة تقديم جميع المساعدات لهم خاصة بعدما علم أن منتجات هذه القرية تتمتع بشهرة كبيرة فى الخارج وأن غالبية إنتاجها يتم تصديره.
اقرأ أيضا: شريف سامى: الدولة تستطيع تجاوز تحدى توفير العملة الأجنبية
ثم سأل محافظ المنوفية هل زرت هذه القرية قبل الآن؟ قال المحافظ: لا يا ريس.. فأمر مبارك بإقالة المحافظ.. احكى هذه القصة لندرك أهمية أن يكون هناك مستهدف استثمارى مطلوب من كل وزير أو محافظ يجب أن يعمل على تحقيقه فلولا الصدفة ما كان مبارك سيعرف منتجات ساقية أبوشعرة.. ولكن لو أن بكل محافظة قرية مثل ساقية أبوشعرة واهتم بها المحافظين، فبالتأكيد المردود الاقتصادى سيظهر على أهالى هذه المحافظة.
فما بالك أن كل محافظة فى مصر بها موارد سواء انتاجية أو سياحية.. نفس الأمر فى كل وزارة هناك فرص استثمارية يمكن ترويجها ليس فقط فى الصناعة بل فى التعليم وفى الصحة ألسنا فى حاجة لمدارس لاستيعاب النمو المتزايد فى عدد السكان وجامعات ومعاهد وكذلك المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.
نحن نريد حكومة استثمارية فى خططها السنوية مستهدف يجب تحقيق هذا المستهدف يتم توزيعه بموجب الفرص الاستثمارية المتاحة فى كل وزارة.. ويجب أن يعمل كل وزير ومحافظ على تحقيق هذا المستهدف ويتم محاسبته على تحقيق هذا المستهدف أم لا وما أسباب عدم تحقيقه فمن غير المعقول أن نأتى بوزير لمجرد تسيير أمور الوزارة دون أن نحدد أهداف وخطط عليه تنفيذها.
نفس الأمر بالنسبة للمحافظين فهل يعقل أن نحصر دور المحافظ فى إزالة القمامة وإصلاح ماسورة مياه وإزالة عقار مخالف.. هل سأل أحد أى محافظ على الموارد الموجودة بالمحافظة، وكيف يتم استغلالها وكم مصنع تم انشاؤه؟.. لابد فى هذا التوقيت وفى هذه الأزمة الاقتصادية أن يكون لدينا 32 وزير استثمار أى أن كل وزير مطلوب منه جذب استثمارات سنوية من خلال ما لديه من فرص.. انظروا إلى تجارب الصين وسنغافورة والمغرب ورواندا وجنوب أفريقيا والإمارات.. التى استطاعت مؤخرًا جذب 4 آلاف شركة روسية منذ توقيت الحرب على أوكرانيا.. دعونا نسأل لماذا وكيف جذبت المغرب شركات السيارات العالمية؟.
وكيف استقطبت جنوب أفريقيا 42 مليار دولار استثمارات اجنبية مباشرة من حملة التدفقات الاستثمارات لأفريقيا، والتى بلغت 83 مليار دولار.. واستطاعت تركيا أن تجذب استثمارات اجنبية فى عام 2021 نحو 14 مليار دولار فيما بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية هذه الاستثمارات لا تتوجه لهذه الدول إلا إذا وجدت لديها بيئة مناسبة للاستثمار، من حيث استقرار النظام الضريبى وتحفيذه للاستثمار وآلية فض المنازعات وسهولة دخول السوق والخروج منه وتسييرات فى تخصيص وتسعير الأراضي.
هذه البيئة لا يستطيع وزير لوحده أن يوفرها، ولكن توافر البيئة المناسبة للاستثمار نتاج عمل حكومى جماعي.. فماذا سيحدث إذا خرجت الحكومة وقالت إنها تستهدف جذب استثمارات بـ20 مليار دولار العام القادم وجهزت الفرص المتاحة فى كل وزارة وعملت كل وزارة على إعداد ملف بذلك يضم كل التسييرات والحوافز.. ودعونا نحاول ومن الأفضل أن نعمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة لتعزز من حصيلة النقد الأجنبى لدينا.. وأنا أفضل أن نعمل على جذب مستثمرين يقيمون مشروعات انتاجية يحتاجها السوق وتنقل تكنولوجيا جديدة أو تستفيد من الموارد والخامات وتنصعها بدلا من أن نصدرها خام والأفضل لنا مشروعات جديدة بدلا من بيع الأصول لمستثمرين أجانب أو الأموال الساخنة التى استنزفت الاحتياطى النقد عند خروجها من السوق المصري..
إننا نمتلك الآن بنية تحتية جيدة سواء فى شبكة الطرق أو المواصلات السريعة أو الموانئ والمطارات، ولكن كيف يتم استغلالها فى تحقيق عائد منها،؟ .. هذا لن يتم إلا بإقامة مناطق صناعية وزراعية تنتشر على جانبى الطرق ونستطيع أن نكون لدينا تجارة ترانزيت إذا ما تم الترويج لما يحدث فى الموانئ المصرية من تنمية مشروعات جاذبة لخطوط الملاحة العالمية.
غاية القول يا سادة.. إن الأمر يتطلب سياسات اقتصادية محفزة للاستثمار.. كل وزير يجب أن يكون لديه سياسة استثمارية يتم مناقشتها ومحاسبته عليها.. ومن الأفضل أن نعيد النظر فى الوزير الفنى فليس مطلوبًا أن يكون وزير الصحة أفضل طبيب ولكن يمكن أن نختار شخص لديه خبرة أو علم باقتصاديات الصحة مثل الاقتصاد الزراعى وكذلك الأم فى اقتصاديات التعليم ليس فقط فى توفير فرص استثمارية، ولكن فى ربط التعليم باحتياجات سوق العمل الحقيقية ولدينا ثروة بشرية يمكن تصديرها لو أحسن تأهيليها وتدريبها ولدى سؤال ماذا تفعل وزارة القوى العاملة على سبيل المثال؟.. لا دور لها فى توفير فرص عمل بالداخل أو تسويق العمالة المصرية بالخارج أو تحديد احتياجات سوق العمل.. هذا هو دور الوزارة بدلا من أن ينحصر دورها فى فض المنازعات والسيطرة على اتحاد العمال ونقاباته.. وقطاع النقل على سبيل المثال والذى حظى باهتمام خاص فى السنوات الأخيرة لحاجته إلى التحديث والتطوير فحصل على نصيب الأسد من التمويل الداخلى والاقتراص الخارجي.. أصبح به فرص كبيرة للاستثمار الأجنبى فعليه أن يعمل على جذب مستثمرين أجانب فى صناعة السكة الحديد واحتياجاتها وفى الموانئ البحرية والنهرية ونقل البضائع والنقل الجماعي.
وفى النهاية إذا أخذ القطاع الخاص فرص حقيقية فى بلاده فإنه سيكون الأكثر والأفضل فى جذب مستثمرين أجانب.. فالمستثمر الأجنبى لن يأتى وهو يعلم بأن المستثمر المحلى يعانى من صعوبة الاستثمار فى بلده.