استطلاع رأى مع 1600 منشأة أكد أن أهم المشاكل تتمثل فى معوقات التصدير والاستيراد والإجراءات وإعادة فتح المصانع
أزمتنا الاقتصادية سببها نوعان من التحديات.. الأول بسبب الأزمة والثانى تاريخى مزمن
اتخذنا الكثير من الإجراءات لتحسين بيئة الاستثمار لكن لا يزال يتعين علينا قطع شوط كبير فى هذا الصدد
قال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إن مستوى الدين الخارجى لمصر فى الحدود الآمنة لكن مؤشراته قياسًا إلى حجم الصادرات السلعية ومستوى خدمة الدين للناتج المحلى يتجاوز الحدود الآمنة.
وأضاف رئيس الوزراء، أنه فيما يتعلق بالدين الخارجى، فإن حجم الدين الخارجى بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى، منذ بداية الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، وصل إلى 150% من الناتج المحلى الإجمالى، قبل أن يتراجع طبقا لآخر التقارير الخاصة بهذا الشأن إلى نحو 34.5% من الناتج المحلى.
وقال إن التحدى ليس رقم الدين بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى، وإنما المشكلة الحقيقية فى رقم الدين الخارجى للصادرات من السلع، وكذا خدمة الدين للصادرات والسلع، وهو ما نتجاوز فيه الحدود الآمنة حالياً، قائلاً: “بالتالى دورنا كدولة مع مجتمع رجال الأعمال والقطاع الخاص يتحدد فى كيفية العمل على عودة هذه الأرقام للحدود الآمنة لمصر”.
وتناول رئيس الوزراء، خلال العرض التقديمى، موقف الدين الخارجى فى مصر، ومقارنته مع موقف الدين الخارجى لعدد من الدول النامية التى ينمو اقتصادها بشكل متسارع، ونسبته إلى اقتصادات هذه الدول، موضحاً أنه تم رصد نتيجة مفادها أن الدول الناشئة تلجأ إلى التمويل بالاقتراض فى فترة من فترات نموها الاقتصادى، سعياً لضخ المزيد من الاستثمارات، وتحقيق التنمية المنشودة، ومع استقرار الاقتصاد تكون لديها القدرة على استعادة المسار التنازلى للدين الخارجى، مشيراً إلى أنه يوجد العديد من الدول التى نفذت هذا النهج، ومنها دول فيتنام، وتركيا، والبرازيل، والهند مع الفارق فى حجم السكان.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بالرغم من حجم الدين، إلا أن هناك مؤشرًا مهمًا جداً وهو أن الدين الخارجى لمصر 73% منه يُعد دين متوسط وطويل الأجل، وهو ما يعنى أن أمامنا فترة طويلة لسداد تبعات هذا الدين.
وفيما يخص الدَّيْن، أوضح رئيس الوزراء، أننا كنا قد وصلنا إلى نحو 103% من الناتج المحلى فى العام 2016-2017، وبدأنا فى أخذ مسارًا تنازليًا، حيث وصلنا قبل أزمة كورونا إلى نحو 81%، وكان من المتوقع خلال عامين أن يتراجع إلى ما دون 75%، لنصبح كأى دولة مستقرة وليس لديها مشكلة دين ولكن جاءت أزمة كورونا التى مر بها العالم، وكان لدى الدولة إصرار كبير على المحافظة على مقدرات الاقتصاد المصرى، وحدث ارتفاع فى قيمة الدين، وذلك بالتزامن مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، ومع ذلك لدينا خطة تستهدف العودة إلى المسار التنازلى للدين كإجمالى الدين من الناتج المحلى، وذلك على مدار السنوات الخمس القادمة.
وأضاف مدبولى: مصر وجَّهت جزءا كبيرا من استثماراتها، ليس فقط للرواتب والدعم، بالرغم من أنه لا يزال يشغل جزءا كبيرا من الدعم المقدم، ولكن كان هناك توجه لدفع عملية الاستثمارات العامة خلال هذه الفترة، حيث تم توجيه أكثر من نصف هذه الاستثمارات لقطاعات البنية التحتية، والنقل، والتعليم، والصحة، حيث كانت الدولة فى هذه الفترة بحاجة إلى إعادة بناء، وكان لابد من إنفاق استثمارى، إذ أن ظروف الدولة المصرية فى هذه الفترة لم تكن تشجع القطاع الخاص فى أن يدخل فى هذه الاستثمارات، وحتى فى ظل الظروف الطبيعية، ليس من دور القطاع الخاص الدخول بقوة فى الاستثمارات فى البنية الأساسية، بينما هو دور أصيل على الدولة وأحيانا يكون بمشاركة القطاع الخاص.
وفيما يتعلق بتحسين بيئة الاستثمار، أشار رئيس الوزراء إلى أن هذا الملف يُعد من أصعب الملفات التى تواجهه أى دولة، قال إنه تم العمل على أربعة محاور لتحسين بيئة الاستثمار، حيث شمل ذلك الإطار التشريعى والمؤسسى الداعم، وهو ما أكد عليه صندوق النقد الدولى خلال عام 2015، لافتا فى هذا الصدد إلى ما تم إصداره من قوانين تدعم بيئة الاستثمار، مؤكدا أن هذه التشريعات تُعنى بميكنة وتسهيل الإجراءات، إلى جانب خفض المدة الزمنية للحصول على الموافقة والتراخيص.
ولفت رئيس الوزراء إلى اهتمام الدولة بملف تسوية المنازعات، ومن ذلك تفعيل اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، وإقامة وحدة بمجلس الوزراء، للتعامل مع مشاكل المستثمرين، إلى جانب التوسع فى إقامة مراكز خدمات المستثمرين، وتدشين خريطة الفرص الاستثمارية، مؤكداً أن الدولة تستهدف من خلال ذلك تحسين بيئة الاستثمار، موضحاً أن أمامنا شوطا طويلا فى هذا الصدد.
وأشار رئيس الوزراء إلى ما تم اتخاذه من إجراءات وقرارات، بحيث لا يتجاوز زمن الحصول على التراخيص 20 يوم عمل، هذا إلى جانب تفعيل الرخصة الذهبية، وميكنة إجراءات الإقرارات الضريبية، ومنظومة التقاضى عن بعد، فضلا عن تطوير المحاكم الاقتصادية، قائلاً: “اتخذنا العديد من الخطوات فى هذا الملف”.
وفيما يتعلق بمنظومة إدارة الأراضى، وخاصة المتاحة لقطاع الصناعة، منها والمشكلات المتعلقة بتسعير تلك الأراضى واتاحتها، أوضح رئيس الوزراء أنه تم إعداد حصر لما تم تخصيصه من أراض صناعية، حيث وصل إجمالى ما تم تخصيصه إلى 30 مليون متر مربع، بعضها بدون مقابل، لافتا إلى أن الحصر أوضح أن الأراضى التى تم تنميتها حقيقة وصلت إلى 3 ملايين متر فقط، أى ما يعادل 10% فقط.
وأشار رئيس الوزراء إلى القرار الصادر بشأن تسعير مختلف الأراضى الصناعية على مستوى الجمهورية، لافتا كذلك إلى حزم الحوافز التى تم إطلاقها خلال الفترة الماضية تشجيعاً لقطاع الاستثمار، وخاصة ما يتعلق بتفعيل قانون حوافز الاستثمار، والحوافز الخضراء، وصناعة السيارات والاستراتيجية الخاصة بها، فضلا عن الحوافز الاضافية غير الضريبية، وكذا حوافز الاستثمار فى القطاع الصحى، لتنظيم قواعد الاستحواذ والاندماج، إلى جانب إعفاء 19 قطاعا صناعيا من الضريبة العقارية، وأن الدولة ستتحمل هذه الضريبة لمدة ثلاث سنوات.
وفيما يتعلق بتعزيز المنافسة، أوضح رئيس الوزراء أن هناك شكاوى بانعدام المنافسة الحيادية ومزاحمة القطاع الخاص فى عدد من القطاعات، لذا، يطالب القطاع الخاص برؤية واضحة من الدولة إزاء دورها فى الاقتصاد؛ لذلك أعدت الدولة وثيقة سياسة ملكية الدولة التى تؤسس لموضوعات “ما هو دور الدولة وتواجدها فى الفترة القادمة، وتعظيم الحياد التنافسي”.
وأشار مدبولى، أيضا إلى أن الحكومة جعلت الإشراف المباشر لجهاز حماية المنافسة؛ لرئيس الوزراء، لضمان عملية الحياد التنافسى، وهذا ما تتضمنه وثيقة سياسة الملكية.
وأكد رئيس الوزراء أنه فى آخر سنة، طبقًا للبنك المركزى، عاد الاستثمار الخارجى المباشر، لأول مرة، إلى أرقام كبيرة اقتربت من 9 مليارات دولار، لكن بالرغم من ذلك هناك مشكلة فى التواصل مع مجتمع رجال الأعمال، فرغم تلك الإجراءات والإعلان عنها، أوضح مدبولى أنه من خلال استطلاع رأى تم إجراؤه مع 2500 منشأة صناعية خلال اليومين السابقين على المؤتمر، اتضح أن أغلب هذه المنشآت ليست على علم بكل هذه الإجراءات التى اتخذتها الدولة، وبالتالى أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى الحاجة إلى آلية لزيادة التواصل مع هؤلاء، والاطلاع على الإجراءات، ويمكن من خلال الجلسات الحوارية الاتفاق على منظومة يطلع منها المستثمر والمصنعين على كل الإجراءات التى تتخذها الدولة.
وطرح مدبولى تساؤلا يدور حول: “إحنا رايحين على فين؟”، وفى ضوء ذلك أوضح رئيس الوزراء أنه فى السنوات العشر الأخيرة مرت مصر بـ5 أزمات اقتصادية طاحنة، لكن رغم ذلك اصبحت مصر فى مركز قوى على نحو استثنائى، مكَّنها فى فترة كورونا من مقاومة الأزمة والنجاح فى الخروج منها ولكن بتكلفة كبيرة، كما حققت الدولة نسب نمو موجبة مقارنة بالدول المثيلة لها، ففى النصف الأول من 2021-2022 حققت مصر نسبة نمو 9% لأول مرة فى تاريخها.
وأشار مدبولى، إلى أنه تم إجراء استطلاع رأى مع 1600 منشأة من مجتمع الأعمال، أكدوا أن أهم مشاكلهم تتمثل فى “معوقات التصدير والاستيراد، تيسير الإجراءات، زيادة فرص التصدير، زيادة الإنتاج المحلى، إعادة فتح المصانع”.
ثم أوضح رئيس الوزراء أننا يمكن أن نلخص أزمتنا الاقتصادية فى مصر فى مجموعتين من التحديات هما: تحديات فرضتها الأزمة: ومنها السيولة النقدية الأجنبية، والتضخم، وارتفاع الأسعار، وزيادة الدين الخارجى، ونقص مستلزمات الإنتاج. ويُتطلب التركيز على تلك التحديات حتى يتسنى الخروج من الأزمة على المدى القصير. وتحديات هيكلية مزمنة: بعضها يرجع لعام 1982، وتتمثل في: ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، وانخفاض مشاركة القطاع الصناعى رغم التقدم الكبير وزيادة التصدير، والدين الخارجى، واستمرار عجز الميزان التجارى، وتضاؤل نسبة الاستثمار الأجنبى بالمقارنة بالناتج، وتذبذب مشاركة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادي. وستخصص جلسات خلال المؤتمر لكل تحد من تلك التحديات.