أبوالعيون: يجب التركيز على تخارج البنك المركزى من القطاع المصرفى
جنينة: “الأهلى المصرى” و”مصر” بنوك استراتيجية ويعملان وفقًا لقواعد السوق ويصعب بيعها
أطلقت الحكومة وثيقة ملكية الدولة التى تنظم تواجد الدولة فى الأنشطة الاقتصادية المختلفة خلال الفترة المقبلة، ويفترض أن تخلى الساحة أمام القطاع الخاص من التواجد الحكومى فى عدد كبير من القطاعات الاقتصادية وتقلص دور الدولة فى قطاعات أخرى، لكن على الرغم من ذلك لم تتضمن الوثيقة أى ذكر للقطاع المصرفى الذى لاتزال تحتفظ فيه الدولة ببصمة قوية للغاية، إلى جانب عدد كبير من البنوك الخاصة والأجنبية.
ورغم أن الوثيقة لم تتحدث عن شكل تواجد الدولة فى القطاع المصرى، إلا أن الدولة أعلنت بالفعل اعتزامها طرح عدد من البنوك المملوكة لجهات تابعة لها فى البورصة أو لبيعها لمستثمرين استراتيجيين وهى “القاهرة” و”العربى الأفريقى الدولى” و”المصرف المتحد”، لكن سيطرتها على العملاقين “الأهلى المصرى” و”مصر” اللذان تزيد حصتيهما السوقية عن نصف أصول القطاع المصرفى، لا تبدو محل نقاش فى أى وقت قريب.
هل تحتاج الدولة للتخارج من القطاع المصرفى لتترك مجالا أكبر للقطاع الخاص؟
وغاب عن وثيقة ملكية الدولة أى ذكر للقطاع المصرفي، فى الوقت الذى كشف فيه نية الدولة التخارج من القطاعات الاقتصادية والاستثمارية ليحل محلها القطاع الخاص، لكن مصرفيون يرون أن تحرك بالفعل نحو التخارج من عدد من البنوك، كما أن برنامج إصلاح البنوك الذى بدأ فى 2004 كان من بين أبرز مخرجاته بيع البنك المركزى حصصه فى البنوك وهو ما لم يتم حتى الوقت الحالى.
وقال محافظ البنك المركزى الأسبق محمود أبو العيون إنه يجب إعطاء الأولوية للتخارج من البنوك المملوكة بالكامل للبنك المركزى والبنوك التى تملك الدولة حصص أقلية فيها، حيث لا يصح أن يقوم الرقيب بدور المالك.
وأضاف أنه يجب التخارج من كل ما يمكن التخارج منه من القطاع المصرفى لترك مجال للقطاع الخاص.
وقال أشرف القاضى، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، المملوك للبنك المركزى المصري، إنه يوجد تحرك بالفعل من الدولة للتخارج من بعض البنوك مثل المصرف المتحد وبنوك أخرى.
أشار إلى أن الدولة يمكن أن تتخارج أيضا من بعض البنوك التى كان السبب الرئيسى من وجود دور الدولة فيها هو الإصلاح وإعادة هيكلتها او لدعم قطاعات معينة مثل البنك المصرى لتنمية الصادرات وبنك التنمية الصناعية.
وأوضح وليد ناجى، نائب رئيس البنك العقارى المصرى، أن القطاع الخاص له تواجد كبير بالفعل يوجد فى القطاع المصرفى، بل وعدد بنوك القطاع الخاص أكبر من عدد بنوك القطاع الحكومى.
أشار أن القطاع الخاص يتمتع بكامل حقوقه فى القطاع المصرفى، حيث يضم القطاع بنوك أمريكية وأوروبية كما يضم العديد من البنوك العربية بجانب بنوك القطاع الخاص ذات رأس المال المختلط، وذلك فى ظل صرامة القواعد التى وضعها البنك المركزى المصرى ويفرضها على الجميع بشكل عادل.
وأضاف أنه يوجد تحرك بالفعل من الحكومة للتخارج من بعض بنوك القطاع المصرفى، لذلك يوجد استعداد للتخرج، ولكن من الممكن أن يكون تخارج جزئى أو إعادة هيكلة للقطاع.
ورغم أن عدد البنوك الحكومية أقل بكثير من عدد البنوك الخاصة فى مصر إلا أن حجم البنوك الحكومة أكبر بكثير، وتهيمن على أكثر من 60% من حجم الأصول فى القطاع المصرفى، ما يجعل القطاع المصرفى فى مصر شبه حكومى.
ويسيطر بنكان فقط هما الأهلى المصرى ومصر على أكثر من نصف حجم أصول القطاع المصرفى، ما يعطى الحكومة والبنك المركزى فرصة لاستخدامهما فى التأثير على بقية القطاع المصرفى، سواء فى دعم السياسة النقدية أو فى غيرها من السياسات الداعمة لأهداف الحكومة.
ووفقا لوكالة بلومبيرج، يجرى صندوق الثروة السيادية السعودى محادثات متقدمة للاستحواذ على المصرف المتحد مقابل نحو 600 مليون دولار، ويمتلك البنك المركزى المصرى نحو 99.9% من إجمالى أسهم المصرف المتحد، وباع بنك الاستثمار القومى مؤخرًا حصته البالغة 10% فى بنك أبوظبى الإسلامى ليتخارج بشكل كامل من البنك.
وقال فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن هناك تحركًا بالفعل من الدولة لبيع بعض الأصول المملوكة للدولة فى القطاع المصرفى مما يعنى ترك مجال أكبر للقطاع الخاص فى القطاع المصرفى، مما يزيد من المنافسة فى القطاع وهو ما تتجه اليه الدولة عموما وفقا لوثيقة ملكية الدولة للاتجاه للإصلاح الاقتصادى والهيكلى.
وقال هانى جنينة المحاضر فى الجامعة الأمريكية، إن طرح بنك القاهرة بداية جيدة جدا لكونه بنك حكومى بالكامل، وكان يجب طرحه منذ عام 2007 ولكن تم وقتها طرح بنك اسكندرية فقط، لذلك فطرح بنك القاهرة سيعطى دفعة كبيرة جدا ويؤكد أن مصر جادة بشأن تشجيع القطاع الخاص للعودة مرة أخرى للرجوع إلى النشاط الاقتصادى.
هل يمكن طرح بنكى الأهلى المصرى ومصر؟
وتملتك الحكومة 4 بنوك بشكل مباشر هى الأهلى المصرى ومصر والعقارى المصرى العربى والتنمية الصناعية، وعدد آخر من البنوك بشكل غير مباشر مثل المصرف المتحد وتنمية الصادرات والقاهرة وحصصًا كبيرة فى عدة بنوك، مثل العربى الأفريقى الدولى والمصرف العربى الدولى وبنك التعمير والإسكان ومصر إيران.
ويطرح حجم الأصول الضخم للبنوك الحكومية التساؤل حول ما إذا كانت هناك حاجة أو حتى فرصة لتخارج الحكومة من بنكيها الكبيرين، “الأهلى المصرى”، الذى يسيطر منفردًا على أكثر من 30% من حجم القطاع المصرفى، أو “مصر”، الذى تبلغ حصته السوقية نحو 20%، أو حتى طرحهما فى البورصة بحصص أقلية فى المستقبل المنظور.
أبوالعيون يعتقد أن الأمر سيكون “شاقًا ويحتاج فترة طويلة حتى يتم”، وذلك نظرًا لحجم البنكين وحجم الأصول بهم والودائع وأيضًا الفروع، لذلك فحتى خطوة تقييمهم تحتاج إلى سنوات.
ويرى جنينة، أن تلك الفكرة مستبعدة لعدة أسباب على رأسها أن بنكى الأهلى المصرى ومصر بنوك تدعم استراتيجية الدولة، خاصة القطاعات الحكومية الاستراتيجية مثل إقراض الهيئة العامة للبترول وشركات الكهرباء والمياه والغاز، فتلك البنوك تدعم المشاريع الحكومية الكبرى، ولها دور أساسى فى تمويل عجز الموازنة.
أضاف أنه ذلك بجانب كونهم الذراعين التنفيذيين للبنك المركزى المصرى فى تنفيذ بعض السياسات الخاصة بالسياسة النقدية مثل طرح الشهادات وغيرها، لذلك فالبنكين لهم وضع خاص.
وأشار إلى أن الدور الذى يلعبانه ليس سيئًا فالأهم هو استمرارهما فى العمل وفقا للقواعد السليمة، فليس هناك دعم خفى ولا خسائر متراكمة ولا اعتماد على تمويلات حكومية، فكونهما يعملان بصورة اقتصادية ويحققان أرباحًا فلا مانع إطلاقا من كونهما تحت ملكية الدولة.
وخضع البنكان لعملية إصلاح كبيرة استمرت طوال العقد الأول من القرن الحالى ونتج عن ذلك تحسن مراكزهما المالية وتجاوز فجوات المخصصات والتعامل مع أزمات الديون الرديئة، وباتا يحققان ربحية بالفعل، لكنهما فى الوقت نفسه ونتيجة استخدامهما كأدوات فى يد السياسة النقدية يعانيان من ضعف ملائتهما الرأسمالية التى بالكاد تتماشى مع الحدود الدنيا المطلوبة من البنك المركزى، ورغم أرباحهما الكبيرة فالبنكان لا يوزعان أرباحًا على المالك، كما أن مقارنة ربحيتهما بحجم الأصول والعائد على الملكية ينتج عنها أرقام أقل من تلك التى تتحقق لدى بنوك القطاع الخاص بفارق كبير.
وطالب صندوق النقد الدولى البنك المركزى بتخفيف انكشافه على بنكى الأهلى ومصر وتقليل الودائع المساندة الموجهة لهما.
وتعمل الدولة على إطلاق برنامج إصلاح اقتصادى وهيكلى لمواجهة المناخ الاقتصادى عالميا ومحليا، وذلك من خلال الإعلان عن سياسة وثيقة ملكية الدولة التى تتضمن تخارج الحكومة من بعض القطاعات لترك مجال أكبر للقطاع الخاص، فضلا عن إعلان استئناف برنامج الطروحات مؤخرا الذى يتضمن طرح أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص خلال الأربع سنوات القادمة، كما تسعى الحكومة إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص فى إجمالى الاستثمارات لتصل إلى 65%، وبيع الأصول المملوكة للدولة فى بعض الشركات وطرحها فى البورصة.