مصطلح “الطروحات الحكومية” لا يعبر عن برنامج الحكومة لاستقطاب رؤوس أموال لشركاتها
قائمة الشركات تعكس ما يمكن الترويج له فقط ولا تستهدف الأنشطة الجاذبة للمستثمرين
بدأ شهر مارس الذى حددته الحكومة لبدء تنفيذ خطتها التى أطلقت عليها “برنامج الطروحات الحكومية” لطرح 32 شركة للمستثمرين الاستراتيجيين أو مستثمرى البورصة، وشهدت الأسابيع الماضية جولات من وزراء ومسئولين حكوميين للترويج لهذا البرنامج فى دول الخليج .
وقبل البدء فى تنفيذ هذه الخطة ” البورصة” أجرت حوارا مع شريف سامى رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية الأسبق للتعرف على رأيه والتوصيات التي يقدمها لمتخذي القرار في الوقت الحالي، وكيفية الحكم على نجاح برنامج الطروحات الحكومية.
وقال سامى إن مصطلح “الطروحات الحكومية” غير معبر عن حقيقة ما تقوم به الحكومة حاليًا، ولكى يكون معبرًا يجب تسميته “برنامج استقطاب المستثمرين لشركات المال العام”.
أكد سامى أن كل مرحلة لها ظروفها الاقتصادية واعتباراتها فمثلاً ما كان يصلح فى طرح الشركات للمستثمرين، منذ ربع قرن قد لا يكون صالحًا الآن، حيث أصبحت التجربة أكثر نضجًا وتوافرت دروس مستفادة يجب العمل عليها.
وأوضح أن اعتبارات المنافسة الإقليمية والتغيير الكبير فى شكل الأسواق المالية في الدول المجاورة خلقت تفضيلات لأصحاب رؤوس الأموال ومستهدفات تتغير باستمرار.
كان من الأفضل عدم الإفصاح عن تفاصيل البرنامج لتجنب الضغط على متخذ القرار
وكشف شريف سامى أن ما تم من إعلان قائمة بالشركات الحكومية المهيئة لدخول استثمارات من القطاع الخاص وتوقيتات زمنية محددة، قد يضغط على متخذي القرار في الفترة المقبلة، وكان من الأفضل عدم الإفصاح عن التفاصيل بهذا الشكل.
وتابع أنه كان يفضل الاكتفاء بالإعلان عن توجهات الحكومة وخططها الاستثمارية للشراكة مع القطاع الخاص ودخول استثمارات جديدة، فيما يصلح من الشركات والأنشطة وفقًا للعروض المقدمة من المستثمرين والتي تقدم قيمة مضافة للاستثمار.
أضاف: “أتصور أن القائمة التي تم الإعلان عنها تعكس ما الذي لدى الحكومة للترويج له، وليست بالضرورة هى الأنشطة الأكثر جذبًا للمستثمرين”.
وقال: “أتمنى أن تضاف للبدائل الاستثمارية المطروحة صناديق استثمار عقاري تضم بعض الأصول غير المستغلة والتي ترغب الحكومة في طرحها أمام المستثمرين، لأن القطاع العقارى يأتى فى مقدمة تفضيلات المستثمرين العرب”.
ذكر أن هذا النوع من الصناديق كنز مهدر، فهى جاذبة لمن يريد الاستثمار فى العقار بدون شراء وحدة عقارية بشكل مباشر، بمخاطر أقل نتيجة لتنويع المحفظة.
أضاف أن الأصول العقارية لتلك الصناديق يمكن أيضاً أن تكون محل تعاقد مع الوزارات المعنية لتوفير منشآت تعليمية وصحية بصيغة الإيجار بما يساهم فى تخفيف العبء على موازنة الدولة، وتشجيع المستثمرين للدخول فى قطاعات مختلفة فى ضوء وجود تعاقدات متاحة، وهو ما نجح في وقت سابق في قطاع الطاقة المتجددة مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية.
ليس من الضرورى أن تكون كل الاستثمارات عبر سوق المال
أشار إلى ضرورة عدم إغفال القيمة المضافة التي يمثلها دخول مستثمر جديد والتي لا تقتصر فقط على السعر الجيد، وقد تكون الاستفادة من خبرة فنية للشريك وتجاربه والعلامة التجارية التى تعطى ثقة لمستثمرين آخرين لتكرار التجربة فى قطاعات أخرى، وبالتالى تكون القيمة المضافة جزءا من التسعير.
قال شريف سامى: “أكبر مروج للاستثمار هم المستثمرون الموجودون فى مصر بالفعل من خلال تجاربهم وليس المؤسسات والهيئات الحكومية”.
وطالب بعدم تسمية ما أعلنته الحكومة من برنامج يشمل 32 شركة بـ”برنامج الطروحات”، نظرًا لكونه وصف غير معبر عن المستهدفات والتوجهات التي أعلنت عنها بالفعل الدولة، حيث يعني ذلك المسمى أنها شركات سيتم طرحها عبر البورصة فقط،بينما الحكومة لديها توجهات بجذب مستثمرين استراتيجيين للاشتراك فى زيادة رؤوس أموال شركات قائمة قد لا تكون مقيدة أسهمها فى البورصة.
وأضاف أن التسمية الأكثر دلالة هى”برنامج استقطاب المستثمرين لشركات المال العام”، فالاستقطاب قد يكون لرؤوس أموال لشراء حصص موجودة بالفعل أو الدخول في زيادة رأس المال.
ذكر أن بعض الشركات نموذج أعمالها لا يناسب طرحها فى البورصة المصرية، وهو أمر موجود فى كل دول العالم، نظرًا لاشتراطات القيد وبعض الشروط الأخرى، وبالنظر إلى الولايات المتحدة على سبيل المثال وبمقارنة الوضع الحالي بسبعينات القرن الماضى نجد أن عدد الشركات المدرجة حاليًا تمثل نحو 30% فقط مما كان مدرجًا وقتها.
وقال “هذا يكشف عن توجه يشير إلى أن كل استثمار ليس من الضرورى أن يكون عبر أسواق المال، نظرًا لاعتبارات كثيرة مثل عدم نضج التجارب الاستثمارية ودخول الشركات فى مراحل إعادة هيكلة قد لا يتحملها المستثمر فى البورصة”.
بعض الشركات المعلن عنها نموذج أعمالها لا يناسب طرحها فى البورصة
أضاف أن الطبيعى أن أي مالك سواء للمال العام أو قطاع خاص يجب عليه التعامل مع أهل الخبرة من بنوك الاستثمار عند رغبته فى اجتذاب رؤوس أموال، نظرهم لكونهم خبراء فى سوق المال ولديهم المعرفة والدراية بآليات السوق والتسعير ونسب المعروض والتوقيت الأمثل، وكيفية استقطاب المستثمرين وتفضيلاتهم فى كل وقت.
ذكر أنه لا يوجد قالب واحد أمثل لعملية جذب رؤوس الأموال فمثلًا مبادلة الأسهم تعد بديلا مفيدا فى بعض الحالات، للشركات ذات الأنشطة المتشابهة أو المتماثلة، خاصة أنها ينتج عنها كيانات أكبر تزيد عمق السوق وتثرى مناخ الاستثمار في مصر بشكل أكبر وفى وقت أسرع.
أوضح أنه لا يتصور بالطبع طرح جميع الشركات المدرجة فى برنامج الحكومة في البورصة المصرية على مدى عام من الآن، مشيرًا إلى أن السوق يمكن أن يستوعب طرح واحد شهريًا لشركة جيدة تجذب المستثمرين في أي وقت وأي ظروف، لأن البضاعة الجيدة تبيع نفسها”.
شدد على أن المشكلات والتحديات أمام استقطاب المؤسسات الاستثمارية العالمية تتخطى سوق المال، لأنها تشمل استقرار سعر الصرف، ومعدلات التضخم والتصنيف الائتماني لمصر، لذا ينبغى التعامل بحكمة مع تلك الأوضاع وهو ما تدركه الحكومة.
أكد أنه بصفة عامة فإن التحدى الأكبر أمام زيادة جذب الاستثمارات لمصر، هو النجاح فى تيسير سهولة الإجراءات وسرعة إصدار التراخيص، وتحقيق الاستقرار التشريعى خاصة أن الهدف الأكبر والأهم أن تكون مصر بيئة خصبة للاستثمار.
اقرأ أيضا: رئيس البورصة: برنامج الطروحات الحكومية سيسحب قدر جيد من السيولة
أوضح أن تكرار تجارب طرح شركتى المصرية للاتصالات وسيدي كرير ليس هو الهدف الرئيسي في الوقت الحالي، بقدر استهداف تنوع البضاعة فى السوق بطرح شركات من قطاعات متنوعة أمام المستثمرين، لزيادة عمق السوق.
لفت إلى أن تشريعات سوق المال المصرية جيدة وتحتاج فقط إلى تنفيذها بالشكل الأمثل، ونصح بضرورة تسريع وتيرة العمل لدى الجهات الإشرافية والإدارية، مثل المدة التى يستغرقها إنهاء إجراءات زيادات رؤوس الأموال، فقد تستغرق بين نحو شهرين إلى 3 أشهر، وهو ما يجب اختصاره في 3 أيام عمل على أقصى تقدير.
أكد أنه لا يتفق مع الاعتقاد بأن الأفراد أكثر تمثيلًا في السوق المصرية مقارنة بالمؤسسات حيث أنه إذا تم التدقيق في هياكل ملكية الشركات المقيدة أسهمها ستعكس أن المؤسسات ممثلة بشكل أكبر في كافة الشركات المدرجة.
واستبعد أن تمثل الضريبة على الأرباح الرأسمالية بالبورصة تحديا أمام تطور وزيادة حجم السوق، إلا أنه فى المقابل لا يصح ألا يتم حسم هذا الموضوع على مدى سنوات طويلة واللجوء إلى تأجيله أكثر من مرة.
وقال: “الاستقرار مطلوب سواء اتفق على الإعفاء من الضريبة أو تم إقرارها بسعر معقول، وفى الحالة الأخيرة مطلوب أن تكون سهلة الحساب والأداء وأن تتولى شركة مصر للمقاصة هذا الأمر نيابة عن المستثمرين بما لا يستدعى ذهابهم لمصلحة الضرائب”.
كتبت- إشراق صلاح الدين