توقع بنك بى إن بى باريبا الفرنسى تباطؤ نمو الاقتصاد المصرى إلى 4% خلال العام المالى الحالى على أفضل الفروض مقارنة مع 6.6% العام المالى الماضى، مدفوعًا بتسارع الضغوط التضخمية.
أوضح أن انخفاض القوى الشرائية وخفض وتيرة العمل فى بعض مشاريع البنية التحتية الكبرى، كانا بين أسباب خفض آفاق النمو على المدى القصير.
ولفت إلى أن التضخم أظهر القليل من العلامات على التباطؤ، إذ بلغ 33% على أساس سنوى فى مارس 2023، ولكنه سيبقى مرتفعًا فى الأجل القريب، على النقيض من الأسواق الناشئة التى تشهد تباطؤ الضغوط التضخمية إلى 7.1% فى المتوسط خلال 2023 مقابل 9.2% خلال 2022.
ورغم أن انخفاض أسعار السلع العالمية بداية من منتصف العام الماضى كان له أثر مواتى لمصر التى تستورد جزءا كبيرا من احتياجاتها الغذائية، لكن انخفاض قيمة الجنيه بنحو 50% سيستمر فى تحفيز التضخم، وتوقع أن يسجل التضخم 31.5% فى المتوسط خلال العام الحالى مقابل 13.8% خلال 2022.
أزمة ميزان المدفوعات مستمرة
وقال البنك إنه رغم الانخفاض المتوقع لعجز الحساب الجارى، والدعم المالى من المؤسسات الدولية والعودة الحذرة لاستثمارات المحافظ المالية فى بداية 2023، والدعم المالى من دول الخليج والمتمثل فى تمديد ودائعها لدى البنك المركزى مع بداية التمويل الجديد المتفق عليه مع صندوق النقد الدولى، ظلت السيولة بالعملة الأجنبية تحت ضغط.
نوه إلى أن احتياطيات البنك المركزى ارتفعت بشكل طفيف منذ بداية العام لتصل إلى 37 مليار دولار تشمل الودائع غير المدرجة فى الاحتياطيات الرسمية، وهو ما يغطى أقل من 4 أشهر من واردات السلع والخدمات، فيما تدهور صافى الأصول الأجنبية بشكل حاد، مع تسجيل الدين الخارجى للبنوك، 40% منه ديون قصيرة الأجل، 13.9 مليار دولار فى فبراير، وهو قرب أعلى مستوى وصلت له فى نهاية 2022 عند 16.5 مليار دولار.
وقال إن أسباب تلك الأزمة واضحة ما بين احتياجات تمويلية كبيرة بشكل ملحوظة، عجز الحساب الجارى وسدادات الديون الخارجية، والتقلب وعدم اليقين فى مصادر العملة الأجنبية.
وتوقع البنك انخفاض عجز الحساب الجارى إلى 13.5 مليار دولار فى العام المالى الحالى بدعم من ارتفاع الصادرات البترولية وزيادة إيرادات قناة السويس والقيود على الواردات.
وفيما يخص مصادر التمويل يرى البنك أن التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولى بشأن برنامج إصلاح مدعوم بتمويل قيمتها 3 مليارات دولار فى لم يحفز أى تمويلات سواء خاصة أو من ثنائية، كما كان الحال فى برنامج التسهيل الممدد عام 2016.
وأشار إلى أن دعم الخليج مازال واضحًا، لكنه أخذ شكل استثمارات مستهدفة، مع الإبقاء على الودائع لدى البنك المركزى كما كانت عليه بنهاية 2022، لكن الحصول على ذلك الدعم مرتبط بتوقيت بيع الأصول الحكومية والذى يظل يسيطر عليه عدم اليقين بشكل كبير، رغم نية الحكومة الشروع فى ذلك.
وارتفعت استثمارات المحافظ المالية وتحديدًا الاستثمارات فى أذون الخزانة بالعملة المحلية إلى 11 مليار دولار مقابل 6.5 مليار دولار فى أكتوبر، لكنها تظل عالية التقلب فى ظل الفائدة الحقيقية السلبية على أوراق الدين الحكومية بمختلف آجالها، واستمرار مخاطر انخفاض قيمة العملة على المدى القصير.
وبحسب بيانات البورصة المصرية، فإن الأجانب كانوا بائعين صافين للسندات والأسهم خلال فبراير ومارس، وتستمر سوق العقود الآجلة فى توقع خفض قيمة الجنيه نحو 25% للعقود أجل عام، وبصورة أعم فإن مخاطر الدولة السيادية تعد مرتفعة مع علاوة مخاطر على سنداتها الدولية، والتى سجلت 18% أمس، وسجلت فى المتوسط 10% خلال العام الماضى.
ضغوط على السيولة الأجنبية حتى 2025
ويرى البنك أن الحاجة للتمويل بالعملة الأجنبية سيظل كبيرًا على الأقل خلال العامين المقبلين، إذ من المتوقع أن يستقر عجز الحساب الجارى حول 12 مليار دولار، وسيواصل سداد الديون الارتفاع حتى 2025.
وخلال العام المالى 2025، يتوقع صندوق النقد الدولى أن تصل الاحتياجات الخارجية إلى نحو 30 مليار دولار سنويًا، حتى إذا استعادت مصر قدرتها على الوصول للأسواق الدولية، بشروط يمكن قبولها، فإن استخدامات الدين الخارجى لاحتواء خدمة الدين الخارجى المرتفعة.
فمنذ 2015، ارتفعت خدمة الدين الخارجى كنسبة إلى الحصيلة الجارية 5 أضعاف لتصل إلى 25% فى 2022، ورهن عودة تدفقات المحافظ المالية بانخفاض التضخم وعدم اليقين المسيطر على سعر الصرف.
ومع تحجيم المعوقات الهيكلية لنمو الاستثمار الأجنبى المباشر على المدى القصير، فإن المسئولين يتبنون الخطط للخصخصة تهدف لجذب رؤوس الأموال الأجنبية على وجه الخصوص.
وتسعى الحكومة لجمع 40 مليار دولار بحلول 2026، لكن على المدى القصير، فإن الإيرادات المتوقعة فى حدود 5 مليارات دولار أى أقل من 1.5% من حجم الناتج المحلى المتوقع خلال 2023.
تدهور أوضاع المالية العامة
وفى ظل البيئة الاقتصادية المتدهورة، من المتوقع اتساع عجز الموازنة لنحو 8% من الناتج المحلى، لتنهى 6 أعوام من تقليص مصر للعجز فى موازنتها، وسيكون مدفوعات الفوائد هى السبب الأكبر فى تلك الزيادة.
وارتفعت مدفوعات الفوائد 36% خلال النصف الأول من العام المالى الحالى، فيما ظلت الزيادة فى بنود الإنفاق الأخرى مُحتواة إلى حد كبير، وإجمالا، ارتفع الإنفاق فى الموازنة العامة 20% خلال النصف الأول فيما زادت الإيرادات 15%، ومع حزم الحماية الاجتماعية من المتوقع أن يتسارع نمو الإنفاق العام أكثر، ورجح البنك أن يظل الميزان الأولى -الذى يستبعد الفوائد- يحقق فوائض، على أن تبلغ نحو 1% من الناتج المحلى خلال العام المالى الحالى.
وتوقع أن ترتفع حصة الفوائد إلى الإيرادات إلى 50%، وهى واحدة من أعلى من النسب فى الأسواق الناشئة، وأن يرتفع الدين العام إلى 92% من الناتج المحلى بحلول العام المالى 2023، قبل أن يتراجع إلى 90% فى العام المالى المقبل، إذا ظلت الحكومة متمسكة بتحقيق فائض أولى.
وقال إن تنفيذ خطط الخصخصة قد تخفض الدين العام بشكل ملحوظ، على المدى القصير، فإن ملاءة الدولة المالية تعتمد على الخطط المالية، وأيضًا قدرة البنك المركزى الحفاظ على احتياطياته الأجنبية وخفض الضغط على العملة الأجنبية، ما يجعل اللجوء للتيسير النقدى لخفض عبء الدين خيارًا مستبعدًا.