135.5 مليار دولار سددتها مصر منذ 2014.. و125 ملياراً زيادة فى أرصدة الدين الخارجى
مصدر: مبادلة الديون حل هيكلى لكنه ليس مُسعفاً فى الوقت الحالى
ارتفع الدين الخارجى لمصر، خلال السنوات الأخيرة، بصورة متسارعة، وفى مارس الماضى تجاوز 165.4 مليار دولار، فيما ينتظر مصر جدول سداد مزدحم خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبحسب آخر جدولة مُعلنة من قِبل البنك المركزى المصرى يتعين على مصر سداد 84.5 مليار دولار ديوناً متوسطة وطويلة الأجل تُستحق خلال الفترة بين 2024 و2028، فى وقت تُعانى فيه نقص السيولة بالعملة الأجنبية فى ظل أزمة اقتصادية أعقبت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وسددت مصر خلال خلال آخر 19 «عام مالى»، أى خلال الفترة من يونيو 2004 وحتى يونيو 2022 نحو 135.5 مليار دولار، وفى المقابل بلغ صافى الزيادة فى أرصدة الدين الخارجى 125.3 مليار، إذ ارتفع من 29.9 مليار دولار فى يونيو 2004 إلى 155.7 مليار دولار فى يونيو 2022.
وخلال النصف الأخير من 2022، زاد الدين الخارجى لمصر 7.2 مليار دولار، وسددت خلال تلك الفترة 11.9 مليار دولار.
وارتفع متوسط سداد الديون خلال الفترة من 2016 إلى 2022 ليبلغ 9.8 مليار دولار مقابل 3.3 مليار فى الفترة بين 2009 و2015، ومتوسط 2.8 مليار دولار فى الفترة بين 2004 و2008.
هيكل الدين
واختلف هيكل الدين الخارجى بشكل جذرى، فبعدما كانت القروض الثنائية المُعادة هيكلتها والقروض الثنائية الأخرى تمثلان 70% من الدين الخارجى لمصر بنهاية يونيو 2004، باتت تشكل فقط 8% من الدين الخارجى بنهاية ديسمبر 2022.
وبدأت حصة الديون الثنائية بشقيها تنخفض تدريجياً فى 2008، إذ بلغت حينها 61%، وظلت تنخفض حتى وصلت 47% فى 2012، قبل أن تتراجع بشكل حاد فى السنوات التالية بالتزامن مع توسع مصر فى استقبال ودائع الخليج، وزيادة التوجه نحو طرح سندات دولية، والحصول على قروض من المؤسسات الدولية، ووصلت حصة القروض الثنائية من دين مصر الخارجى إلى نحو 8% فقط بنهاية ديسمبر الماضى.
واستحوذت الودائع الطويلة وقصيرة الأجل ومعظمها من دول الخليج على 20% من دين مصر الخارجى بنهاية 2022، مقابل 4% فى 2004، ولم يكن لها وجود يُذكر حتى عام 2013.
فيما استحوذت السندات على 18% من الدين بنهاية ديسمبر 2022، مقابل 2% فى يونيو 2004، وتذبذبت نسبتها بين 6% و8% فى الفترة بين يونيو 2006 ويونيو 2012، وارتفعت بداية من 2013 إلى 12% ووصلت إلى 13% فى 2014 قبل أن تتراجع إلى 6% فى 2016، وتبدأ فى الارتفاع بداية من 2017 مع طرح سندات جديدة كجزء من سد الفجوة التمويلية لمصر، وكان سدها شرطاً أساسياً لإقرار صندوق النقد برنامج التسهيل الممدد الأول البالغة قيمته 12 مليار دولار.
وبلغت حصة السندات من ديون مصر الخارجية ذروتها فى 2021 عند 21%، ثم بدأت فى التراجع مع موجات هروب السيولة من الأسواق الناشئة؛ بسبب المخاطر، مع تلويح الفيدرالى حينها بالتوجه نحو تطبيع السياسة النقدية، وتكوين معظم المستثمرين محافظ بالفعل من سندات مصر، ما يجعل الطلب أقل فى الظروف غير المواتية، ما أدى لانخفاض قيمة السندات، وارتفاع الفائدة عليها فى الأسواق الثانوية، ما يرفع تكلفة الإصدار ودفع مصر لخفض وتيرة الإصدارات، بالتزامن مع استحقاق بعض السندات.
ونما دور المؤسسات الدولية فى تمويل مصر بشكل ملحوظ بداية من عام 2010، إذ مثلت فيه تمويلاتها 30% من الدين بعدما كانت 17% فى 2004، واستقرت عند ذلك فى 2005، قبل أن ترتفع إلى 23% فى 2007، وتستقر عند ذلك حتى ارتفعت إلى 26% فى 2009، وكانت أكبر مساهمة للمؤسسات الدولية فى الدين الخارجى لمصر بنحو 36% فى عام 2021 قبل أن تنخفض بعد ذلك إلى 33% فى يونيو 2022 و32% فى ديسمبر 2022.
اقرأ أيضا: “ستاندرد تشارترد”: مصر تمتلك سيولة تكفيها عام ونصف رغم تراجع الوضع الخارجى
وإجمالاً مثلت السندات والودائع والمؤسسات الدولية 70% من الدين الخارجى بنهاية ديسمبر الماضى.
ولجأت مصر بداية من 2016، لزيادة الاعتماد على تسهيلات الموردين، وارتفعت حصتها من 1% فى يونيو 2014، و3% فى يونيو 2015 إلى 6% فى يونيو 2016، إلى أن وصلت إلى 11% بنهاية ديسمبر 2022. «مع توقف الخليج عن تقديم الدعم عبر الودائع وتوجهه نحو الاستثمارات التى تطلب إصلاحات فى سعر الصرف لتسهيل تقييم الصفقات، وكذلك ضمانات لتنفيذ سياسة ملكية الدولة، وصعوبة الوصول لأسواق الدين العالمية، بسبب التشديد النقدى، وربط معظم المؤسسات الدولية موافقتها على تقديم قروض بالإصلاحات التى تنفذها مصر ضمن برنامج صندوق النقد، فإن الوضع يتعقد»، بحسب محلل اقتصادى فضل عدم ذكر اسمه.
أضاف أن البنك المركزى حاول توفير بدائل، وظهر ذلك فى خط السيولة من بنك التنمية الصينى والودائع من ليبيا وقطر، وذلك فى ظل الحاجة لسيولة أجنبية لسداد القروض والالتزامات الكبيرة، وكذلك سد عجز الحساب الجارى.
وأشار إلى أن جهود مصر لتفعيل اتفاقيات مبادلة الديون أو تحويلها لاستثمارات خضراء، خطوة جيدة لكنها إصلاح هيكلى يتطلب وقتاً، وأن الديون الثنائية وديون بعض المؤسسات الدولية وحدها هى التى يمكن أن تخضع لمثل تلك الاتفاقات.
وقال إنَّ مصر عليها خفض حجم ما تسدده سنوياً سواء ديوناً خارجية أو محلية، لتقلل مخاطر إعادة تمديد الديون؛ لأنها كلما كانت نسبة خدمة الدين إلى الإيرادات أعلى وكذلك حصة فوائد الدين الخارجى إلى الحصيلة الجارية مرتفعة أثر ذلك على التصنيف الائتمانى للبلاد، وبالتبعية يؤثر على قدرة على الاقتراض.
وخلال مايو الماضى، خفّضت وكالة «موديز» تصنيف مصر الائتمانى للمرة الأولى منذ عشر سنوات من B2 إلى B3، وفى يونيو وضعت تصنيف مصر قيد المراجعة، وعزت ذلك إلى تقدم أبطأ من المتوقع فى بيع أصول مملوكة للدولة.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى تصنيفها لمصر درجة واحدة من «بى +» إلى «بى»، مع تعديل نظرتها المستقبلية إلى سلبية، وكذلك خفضت وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية، لكنها ثبتت التصنيف الائتمانى.
وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لمستويات قياسية وصلت إلى 20% للعقود أجل 5 سنوات، قبل أن تنخفض فى الوقت الحالى إلى قرب 16% لكنها أعلى بكثير عن متوسط 4% فى الفترة بين 2017 و2021.
الهيكلة
وقال البنك إنَّ أى شكل من أشكال إعادة هيكلة القروض يعطى بعض الارتياح على المدى القريب، مشيراً إلى أن 60% من الديون الخارجية من غير المرجح إعادة هيكلتها فى ظل التعرض الكبير لقروض المؤسسات الدولية ودول الخليج.
أضاف أن القروض الثنائية التى من المفترض أن تسدد فى العام المالى الحالى تبلغ 3.8 مليار دولار بخلاف 2.1 مليار دولار استحقاقات السندات الدولية «يورو بونود» وأى شكل من أشكال الهيكلة فيها سيوفر مجالاً للحركة بالنسبة لمصر، خاصة إذا تعطلت جهود الخصخصة، خاصة فى وجود سدادات بقيمة 7.8 مليار دولار للمؤسسات الدولية و10 مليارات دولار عجزاً بالحساب الجارى.
ويتعين على مصر سداد 16.7 مليار دولار ديوناً متوسطة وطويلة الأجل خلال 2023، بخلاف الديون الخارجية قصيرة الأجل التى تُستحق خلال عام والبالغة 30.2 مليار دولار، ما يعنى أن إجمالى الديون الواجب سدادها خلال عام يصل إلى 47 مليار دولار، تشمل الودائع الإماراتية والكويتية والقطرية التى تعهدت دول الخليج بتمديدها حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولى مع مصر.
الإصلاحات
وحذر بنك الاستثمار الأمريكى جولدمان ساكس من أن عدم تنفيذ مصر الإصلاحات، يضعها أمام سيناريو تحتاج فيه لخفض عجز الحساب الجارى بنحو 7 مليارات دولار سنوياً خلال السنوات الثلاث المقبلة عبر قيود الواردات لخفضها 5%، إذ من المرجح أن يكون أداء الصادرات وتدفقات التحويلات الوافدة دون المستوى فى غياب الإصلاحات.
وأشار إلى أن أخطر ما فى هذا السيناريو ليس انخفاض الواردات التى تراجعت بالفعل 16%، خلال العام الماضى، بل دخول مصر فى دورة مفرغة من خفض قيمة العملة وارتفاع التضخم، ما يعرض المستثمرين فى الدين الخارجى لخطر انعدام رغبة و/ أو قدرة مصر لاستخدام مواردها الدولارية المحدودة فى سداد أقساط وأصل الدين.
بدوره لم يستبعد بنك كريدى سويس مخاطر التعرض لإعادة هيكلة الديون، دون أن تحفز أياً من آليات مواجهة التعثر ومنها مبادلة المخاطر الائتمانية.
اقرأ أيضا: مصر تعتزم سداد 452 مليار جنيه ديون خارجية فى 2023- 2024
وقال إنَّ هناك حاجة لإتمام الإصلاحات الأكثر عمقاً، المطلوبة من قبل صندوق النقد والتى ثبت أنها مليئة بالتحديات.
وأشار إلى أن بيع الشركات الحكومية قد يكون أسرع طريق لبناء الاحتياطيات، وأنهم يتوقعون تقدماً فى نهاية المطاف، خاصة فى مواجهة الضغوط الاقتصادية الحادة.
وقال محللو البنك إنهم يفترضون أن هناك رغبة سياسية كافية فى عدم التخلف عن السداد، لكنهم وفى هذه المرحلة لا يتوقعون تنفيذ إصلاحات جوهرية أكثر من بيع الأصول.
الطروحات وقناة السويس
ويرى عمرو الألفى، رئيس قطاع البحوث فى بنك الاستثمار برايم، أن مصر لديها القدرة على سداد ديونها الخارجية، إذ إن لديها أكثر من طريقة للحصول على رؤوس الأموال، مثل برنامج الطروحات الحكومية إذا تم تنفيذه فى الوقت المناسب.
أضاف إنه إذا لم يكن هذا كافياً، فإنَّ بيع الأوراق المالية لمرة واحدة بدعم من قناة السويس، بمعدل خصم منخفض جداً (نظراً لأهميتها الدولية)، يمكن أن يساعد على جمع كمية هائلة من العملات الأجنبية، ويمكن بعد ذلك استخدام هذا لسداد كامل الديون الخارجية لمصر.
أشار إلى أن القرار الطوعى بالتخلف عن سداد الديون المستحقة هو قرار صعب للغاية على أى حكومة أن تتخذه، ويمكن أن يكون له تداعيات سياسية طويلة الأجل، فى هذا المنعطف، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لا يمكن لمصر أن تخاطر بسمعتها بالتخلف الطوعى عن سداد ديونها، خاصةً عندما يكون لديها القدرة على سدادها.
لا تعثر فى الأفق
لكن بنك الاستثمار الأمريكى جى بى مورجان يرى أن السوق لا يُسعر سندات مصر على أنها قريبة من التخلف عن السداد، فى الوقت نفسه حذر من أن تأخر تنفيذ مصر لإصلاح العملة والإصلاحات الهيكلية، فى ظل الاحتياجات التمويلية الكبيرة يثير حفيظة السوق خاصة مع انخفاض أسعار السندات بدافع الضغط على السيولة فى الآونة الأخيرة، وأجبر وكالة ستاندرد آند بورز على مراجعة الرؤية المستقبلية، كما أن ذلك جلب للواجهة تساؤلات خاصة باستدامة الدين.
وذكر البنك أنه رغم مخاوف السوق، لكنَّ محلليه مازالوا يعتقدون أن احتمالية التعثر فى المدى القريب ضعيفة، فى ظل أن مصر تمتلك احتياطيات أجنبية بنحو 34.5 مليار دولار، وتغطى واردات 4.8 شهر، كافية لتغطية الالتزامات الخارجية.
أوضح أنه رغم جدول سداد الديون المزدحم لمصر، خلال السنوات الثلاث المقبلة، فإنَّ السيناريو الأساسى يتوقع أن جزءاً غير قليل من التمويلات الثنائية وودائع الخليج قصيرة الأجل سيتم تمديدها.
وقال البنك، إنَّ وصول عوائد سندات الخزانة لأكثر من 20% للسندات المُستحقة فى المدى القريب، يعكس مخاوف المستثمرين من أن برنامج مصر مع الصندوق قد يحيد عن المسار أو مخاطر عدم تلبية احتياجات التمويل الخارجى، لكنهم لا يسعرون وفق سيناريو التخلف عن السداد.
اقرأ أيضا: مصر تحصل على وديعة قطرية بمليار دولار وأخرى ليبية بـ700 مليونًا بنهاية 2022
أضاف أنه رغم استبعادهم التعثر على المدى القريب، لكن على المسار على المدى المتوسط مثار شك خاصة إذا واصلت مخاطر تنفيذ البرنامج الإصلاحى فى الارتفاع.
وقال بنك كريدى سويس، إنَّ احتمالية حدوث مخاطر تخلف عن السداد فى مصر منخفضة بشدة، فى ظل امتلاكها مستوى مقبولاً من الاحتياطيات وتمتعها بدعم من صندوق النقد، ودول الخليج.
وانتقد مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال مؤتمر صحفى نهاية أبريل الماضى، تشكيك بعض المؤسسات فى قدرة مصر على سداد ديونها وقال إنَّ «مصر لم ولن تتخلف عن سداد أى التزام دولى عليها وهذه ثوابت فى العقيدة المصرية».
توسيع دائرة المقترضين وتنويع الأسواق
ومن اللافت للنظر خلال السنوات الماضية أن دائرة الجهات المقترضة اتسعت لتشمل البنك المركزى والبنوك التجارية خاصة البنوك العامة، بعدما كانت القروض على الحكومة المركزية هى التى تستحوذ على الغالبية العظمى من الديون الخارجية.
وزاد مؤخراً اعتماد الهيئات الاقتصادية على الديون الخارجية لتمويل استثماراتها بحسب الحساب الختامى للعام المالى الماضى، وهو ما أرجعته وزارة المالية إلى اعتماد كل جهة على نفسها فى توفير التمويل لعدم إثقال كاهل الموازنة.
ويبلغ حجم القروض الخارية لمصر 165.4 مليار دولار فى مارس الماضى، بزيادة 2.5 مليار دولار فى الربع الأول من العام الجارى.
«فى أعقاب الحرب بين روسيا وأوكرانيا والأزمة التى أثرت على الأسواق الناشئة كافة وبينها مصر، لجأنا لتنويع مصادر التمويل، وساعدنا لذلك استعدادنا المبكر، إذ تطلب الأمر التحضير لعدة سنوات لدخول السوق اليابانى إذ كان الأمر يتطلب وجود ضامن وبعض الاشتراطات الأخرى». بحسب مى عادل، مستشارة وزيرة المالية لأسواق المال.
أضافت أنهم لجأوا أيضاً للصكوك التى استغرق إصدارها هى الأخرى سنوات فى ظل عدم وجود قانون لإصدارها، ومن ثم بدأوا فى التشاور مع أصحاب المصلحة لوضع بنية تشريعية ملائمة.
وأشارت إلى أنه يجرى الترتيب لدخول السوق الصينى قريباً وفى سبيل ذلك حصلوا على ضمانة جزئية من البنك الأفريقى للتنمية، وهى وسيلة تدعم خفض تكلفة الإصدار.