هذا الصيف، قدر تقرير صادر عن شركة “هينلى آند بارتنرز” الاستشارية أن المملكة المتحدة قد تخسر 3200 مليونير فى عام 2023، وكان أحد الأسباب المذكورة هو الضرائب.
ليست المملكة المتحدة فقط هى التى يشعر فيها الأغنياء بأنهم غير محبوبين أيضًا.
فى وقت سابق من هذا العام، قدمت ولاية كاليفورنيا اقتراح ضريبة الثروة، ومن بين أمور أخرى، يستلزم ذلك فرض ضريبة بنسبة 1% على ثروات الأسر التى تزيد على 50 مليون دولار، و1.5% على الثروات التى تتجاوز مليار دولار.
وستطبق الضريبة المقترحة على صافى الثروات فى جميع أنحاء العالم، مع أحكام خاصة بأولئك الذين لا يقيمون فى الدولة بشكل كامل.
وأظهر التحليل الأخير الذى أجرته شركة المعلومات المالية الأمريكية “سمارت أسيت” أن الولايتين الأمريكيتين اللتين كان يغادرهما المهنيون الشباب الأثرياء هما كاليفورنيا نيويورك، حيث الضرائب المرتفعة، فيما كانت وجهاتهم المفضلة فلوريدا وتكساس، اللتان ليس لديهما ضريبة دخل شخصية.
كما شهدت النرويج هجرة جماعية للمليارديرات بعد فرض ضرائب الثروة، ومن غير المستغرب أن يكون هناك رد فعل عنيف، فعادة ما هدد الأغنياء وأنصارهم أنهم إذا رفعت البلدان والولايات الضرائب، فسوف يغادرون، ويأخذون معهم أموالهم وعائداتهم الضريبية القيمة.
وهذا يثير سؤالا واضحا.. هل يجب أن نهتم؟ أم أن تهديداتهم مجرد تراهات؟.
الرد الأول للأغنياء، عادة هو أنهم يدفعون الكثير من الضرائب – أكثر بكثير من بقيتنا، وهذا صحيح على نطاق واسع.
وبحسب ما كتب باحثون فى كلية لندن للاقتصاد فى عام 2021: “فى أحد النواحى، يبدو النظام الضريبى فى المملكة المتحدة بالفعل معتمدًا على أغنى الممولين، يدفع أغنى 1% من السكان 30% من جميع عائدات ضريبة الدخل”.
وبعبارة أخرى، فإن 3 جنيهات إسترلينية من كل 10 جنيهات إسترلينية تتلقاها الحكومة كضريبة دخل يدفعها ما يزيد قليلاً على 300 ألف فرد.. القضية محسومة؟، أليس كذلك؟ ليس تماما.
ووجد الباحثون أيضًا أن مبلغ الضريبة المدفوعة يختلف بشكل كبير حسب كيفية توليد الدخل فحوالى واحد من كل أربعة أشخاص يكسبون أكثر من مليون جنيه إسترلينى سنويًا يدفعون الكثير من الضرائب.
لكن واحداً من كل 10 يدفع ضريبة بمعدل 11% وهو المعدل نفسه الذى يدفعه شخص يكسب 15 ألف جنيه إسترلينى، وعلى حد تعبير الباحثين: “يبدو أن الأغنياء ليسوا جميعهم فى مجتمع واحد”.
ومن الجدير بالذكر أن الدراسات التى تبحث فى معدلات ضريبة الدخل والنمو الاقتصادى تميل إلى العثور على أن التأثيرات ضئيلة للغاية، وأن العديد من أعلى فترات النمو فى العالم المتقدم كانت أيضًا فترات ضريبية مرتفعة.
فى الواقع، هناك أيضًا الكثير من الأبحاث التى تشير إلى أن انخفاض معدلات الضرائب يؤدى فقط إلى حصول المناصب العليا على رواتب أعلى، وهذا أحد أسباب الأجور المرتفعة للمسئولين التنفيذيين، فى حين ظلت الأجور الأقل فى سلم الدخل ثابتة كما هى.
وهنا، يجدر بنا أن نتذكر أيضًا أن المليارديرات ليسوا فى معزل، فهم يعتمدون على المجتمع بشتى الطرق وبصورة كبيرة قدر رغبتهم فى أن يظنوا أنهم لا يفعلون.
ولا ينبغى لنا أن نخطئ فى الاعتقاد بأن الأصوات العالية تمثل الأغنياء بالكامل، إذ تقول كاثرينا هيشت، زميلة زائرة فى المعهد الدولى لعدم المساواة التابع لكلية لندن للاقتصاد: “فى مقابلاتى مع أشخاص من ذوى الدخل فى أعلى 1% وأعلى 0.1% فى المملكة المتحدة، وجدت أن ما يقرب من ثلث المشاركين اقترحوا أن عدم المساواة يجب أن يكون أقل، وكان الكثيرون يدعمون فكرة فرض ضرائب أعلى على الأشخاص مثلهم من أجل توفير الفرص للآخرين”.
وعلى وجه الخصوص، تم تسليط الضوء على هيئة الخدمات الصحية الوطنية ونظام التعليم باعتبارهما فى حاجة إلى التمويل العام.
وأخيرا، قد نسأل أنفسنا بشكل معقول ما إذا كان التهديد بالمغادرة واقعيا إلى هذا الحد.
فى كتابه “أسطورة هجرة المليونيرات بسبب الضرائب”، كتب عالم الاجتماع كريستوبال يونج من جامعة كورنيل، أن الناس لا يتحركون تقريبا عندما يكونون فى مرحلة مهنية متقدمة – وهو الوقت الذى من المرجح أن يواجهوا فيه ضريبة المليونيرات.
ويوضح أنه عندما يصل معظم الناس إلى ذروة دخلهم، يكون لديهم عائلات ويكون لهم جذور فى منطقة ما، ولديهم اتصالات تجارية واجتماعية ويرتبطون بالشبكات.
وبعبارة أخرى، فإن أصحاب الدخل الأعلى غالبًا ما يجمعون رأس مال بشرى واجتماعى وثقافى كبير فى المكان الذى يعيشون فيه.
فى الواقع، أحد التعليقات التى يتم الإدلاء بها غالبًا حول الأشخاص الذين يتابعون بالفعل تهديداتهم ويذهبون إلى المنفى الضريبى هو أنهم يتخلون عن الكثير لإنقاذ القليل من شئ لديهم بالفعل ما يكفى منه.
فهل ينبغى لنا أن نهتم بتهديدات الأثرياء بالرحيل بسبب الزيادات الضريبية؟ ربما قليلاً، ولكن ربما ليس بالقدر الذى يعتقدون أنه ينبغى لنا.
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: رايمر ريجبى، صحفى وكاتب مقالات رأى لدى صحيفة فاينانشيال تايمز