لا يخطط مارك موبيوس، المستثمر المخضرم في البلدان النامية على مدى ثلث قرن، لإبطاء وتيرة العمل، حتى عندما يتنحى عن رئاسة الشركة التي تحمل اسمه.
وقال مدير الاستثمار، البالغ من العمر 87 عاماً، إنه أكثر انشغالاً من أي وقت مضى، إذ يتطلع إلى إطلاق مشروع جديد في دبي، مضيفا أن الشركة “ستشارك في مجالات الاستثمار”، رافضاً تقديم تفاصيل.
وأشار إلى أنها ما تزال في مرحلة التفاوض؛ لافتاً إلى أن المشروع الجديد “سيكون مثيراً للغاية في الأسواق الناشئة”.
جاء ذلك خلال مقابلة معه عبر تطبيق “زووم” من بنجالورو، وهي مركز تكنولوجي في الهند، وهي إحدى الدول التي قال إنه أكثر تفاؤلاً بشأنها في المستقبل.
برزت دبي، حيث عاش موبيوس على مدى السنوات الثلاث الماضية، كوجهة مفضلة لبنوك الاستثمار ومديري الأصول ومستثمري صناديق التحوط، بفضل سهولة ممارسة الأعمال التجارية والإعفاء من الضرائب وجاذبيتها كونها مركزاً عالمياً للسفر. كما أن دبي أيضاً منطقة أكثر ملاءمة لمديري المحافظ الذين لديهم استثمارات عالمية تمتد من أمريكا الشمالية إلى آسيا.
وقال موبيوس، إنه اعتاد دائماً، أن يجوب العالم بحثاً عن الشركات المدرجة للمراهنة عليها، فضلاً عن الفرص في شركات الأسهم الخاصة.
زيادة الاستثمارات إلى 40 مليار دولار
أوضح موبيوس أن شركة “موبيوس كابيتال بارتنرز” ومقرها في لندن -والتي شارك في تأسيسها خلال عام 2018 بعد ثلاثة عقود من العمل في “فرانكلين تيمبليتون إنفستمنتس”- أصبحت لديها الأمور جاهزة وتسير على ما يرام”، وقد حان الوقت بالنسبة له للمضي قدماً. منذ عام 1987، عندما كان الاستثمار في البلدان النامية لا يزال مفهوماً جديداً نسبياً، ساعد موبيوس على نمو استثمارات “فرانكلين تمبلتون” بالأسواق الناشئة من 100 مليون دولار إلى محفظة استثمارية تبلغ قيمتها نحو 40 مليار دولار.
بعد أقل من أربعة أشهر من ترك الشركة، أنشأ شركته الخاصة لإدارة الأصول للاستثمار في الأسواق الناشئة والواعدة. ارتفعت أسهم شركة “موبيوس انفستمنت ترست” (مقرها في لندن، والتي تديرها شركة “موبيوس كابيتال بارتنرز”) بنحو 30% منذ إنشائها في عام 2018. يُقارن ذلك بمكاسب بنسبة 55% لمؤشر”ستاندرد أند بورز 500″ القياسي في الولايات المتحدة، وخسارة بنسبة 6% لمؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة.
التفاؤل إزاء منطقة الشرق الأوسط
قال موبيوس، إن الخطر الأكبر الذي يشغل باله، حالياً، هو الحرب، مع استمرار الصراع في أوكرانيا والمخاوف من أن القتال بين “حماس” وإسرائيل قد يتصاعد إلى صراع إقليمي يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد العالمي.
على الرغم من ذلك، فهو متفائل بشأن الشرق الأوسط، وقد قام بالفعل ببيع العقارات وشرائها في دبي، حيث يتوقع أن ترتفع الأسعار 15% سنوياً خلال السنوات القليلة المقبلة.
واشترى موبيوس شقتين فاخرتين أمام برج خليفة –أطول مبنى في العالم– ويقول إنه يفكر أيضاً أن يستثمر في شركات الخدمات المالية بالإمارة، بالإضافة إلى شراء أسهم لدى الشركات المملوكة لعائلات عندما تصبح متاحة، الأمر الذي يتوقع حدوثه.
ويرى أن المنطقة تهيئ نفسها لمستقبل ما بعد النفط وهذا أكثر وضوحاً في دبي التي “ستتبعها دول أخرى في الشرق الأوسط قريباً، حيث إن ما يحدث بمثابة تحول كبير”.
ويعتقد موبيوس أنه بموجب الجغرافيا السياسية خارج الشرق الأوسط، فإن “القضية الكبرى” هي تايوان، الديمقراطية المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تطالب الصين بالسيادة عليها ولم تستبعد الاستيلاء عليها بالقوة.
لكنه قال إن ذلك لم يمنعه من تسمية تايوان كواحدة من أفضل خياراته لأنها توفر “الوصول إلى السوق الصينية”، مضيفا: “الأمر يستحق تحمل المخاطرة كون فرصة الصين في شن هجوم عسكري على تايوان ليست كبيرة- ببساطة لأنها بحاجة إلى الموارد التي تمتلكها تايوان، ولكن يجب أن تتذكر أن الحوادث كثيرة، لذا عليك أن تكون مستعداً لها”.
استراتيجيات التحوط
قال موبيوس إن “خيبة الأمل الكبيرة” بالنسبة له على مر السنين تجسدت في “الخطأ” الشائع المتمثل في اتباع المؤشرات القياسية بشكل صارم. وإن الاعتماد على مؤشرات الأسهم الرئيسية في الدول النامية أدى إلى خسارة الأموال، إذ انخفضت الأسهم الصينية بسبب المتاعب الاقتصادية ومشكلات قطاع العقارات والتوترات الجيوسياسية.
تمثل الشركات الصينية 27% من مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة الذي يحظى بمتابعة واسعة النطاق، مقارنة بأقل من 4% لروسيا قبل شطب أسهم البلاد عقب غزوها لأوكرانيا العام الماضي وفرض العقوبات الدولية ضدها.
وقال موبيوس: “الاعتماد فقط على مؤشرات الأسهم لتوجيه قرارات الاستثمار يمكن أن يكون مضللاً، لذلك يُنصح باختيار الأسهم والبلدان بشكل فردي، دون اتباع المؤشر، لأنه بخلاف ذلك سيواجه المستثمر مواقف مر بها بالفعل، فإذا واجهت دولة ذات ثقل كبير مشكلات، سيؤدي ذلك إلى تكبد خسائر”.
قال موبيوس، الذي اشتهر بالبحث عن الأسهم المقومة بأقل من قيمتها مقارنة بفرص نموها، إن التنويع “هو في الحقيقة الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها تفادي أي كارثة محتملة”.
ديون هائلة
وحث المستثمرين أيضاً على أن يكونوا أكثر انتقائية وسط دلائل أن أسعار الفائدة الأمريكية قد تظل مرتفعة، فقد تكافح البلدان المثقلة بالديون من أجل السداد، الأمر الذي يجعلها “في أزمة هائلة لفترة طويلة”، فما يزال عبء الديون المستحقة على الصين يثقل كاهل النمو، في حين تظل الأرجنتين ونيجيريا معرضتين للخطر أيضاً، بالمقارنة، فإن الاقتصادات الآسيوية الأخرى “تعلمت الدرس” وأصبحت تتوخى الحذر.
وقال: “الوضع على وشك أن يصبح صعباً، ولن يتمكن من النجاح إلا الأكثر قدرة.. عليك أن تنظر بعناية شديدة إلى كل دولة على حدة لمعرفة أي منها يعاني من ديون ثقيلة وأي منها سيكون في حالة جيدة”.
يشتهر موبيوس بطرح التوقعات الصحيحية إزاء أحداث بارزة، مثل التنبؤ بشكل سليم ببدء صعود السوق عام 2009، واقتناص الفرص خلال الأزمة المالية الآسيوية بعد أن قامت تايلندا بتعويم عملتها عام 1997، وشراء الأسهم الروسية عندما أجج الذعر البيع في السوق عام 1998.
كان موبيوس أيضاً أحد أوائل المستثمرين المؤسسيين الذين ميزوا أفريقيا باعتبارها سوقاً واعدة، وأسس “صندوق تمبلتون أفريقيا” عام 2012. وفي عام 2021، توقع أن ترتفع الأسهم الهندية “على مدى 50 عاماً”.
اقتصاد الشرق