يعد الارتفاع الحاد في عدد المستهلكين الصينيين الذين يتخلفون عن السداد هو الأحدث في قائمة طويلة من الأمراض التي يعاني منها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وارتفع عدد الأشخاص المدرجين في القائمة السوداء بسبب عدم سداد أقساط كل شيء بدءًا من القروض العقارية إلى القروض التجارية إلى مستوى قياسي بلغ 8.54 مليون، من 5.7 مليون في أوائل عام 2020.
ولا يمثل ذلك سوى حوالي 1% من السكان في سن العمل، لكن معدل الزيادة يكشف أنه حتى رغم فتح الصين اقتصادها بعد الجائحة، فإن الضائقة المالية المتزايدة على مستوى الأفراد تساهم في الرياح المعاكسة الشديدة التي تحبط التعافي واسع النطاق في النشاط الاستهلاكي.
ودون تنشيط الإنفاق الاستهلاكي، قد تكافح الصين لدفع النمو الاقتصادي لمعدلات مستدامة، ويتوقع صندوق النقد الدولي بالفعل أن يتباطأ النمو 2024 إلى نحو 4.6%، من 5.4% العام الحالي .
ويتفاقم تأثير هذه التخلفات عن السداد بسبب النظام الرقابى المصرفى غير المتطور الذي يحتاج بشدة إلى الإصلاح، وبموجب اللوائح الحالية، يُمنع المتخلفون عن السداد المدرجين في القائمة السوداء من شراء تذاكر الطيران، وسداد المدفوعات من خلال تطبيقات الهاتف المحمول المنتشرة، “على باى” و”وى شات”، وإجراء العشرات من المعاملات الشائعة الأخرى.
وعلى المستوى البشري، فإن مثل هذه العقوبات تمحى المتخلفين اقتصاديا من العالم الافتراضى، ما يخلق صعوبات كبيرة في حياتهم اليومية.
وعلى المستوى الوطني، فإنها تسهم في أزمة الديون التي تتجلى بوضوح ليس فقط في قطاع العقارات المنهار في الصين والتمويل الحكومي المحلى.. بل أيضاً في ارتفاع متأخرات بطاقات الائتمان والعدد المتزايد من حالات حبس الرهن العقاري من قبل البنوك.
وبما أن موجة التخلف عن السداد ترجع جزئياً إلى فورة الاقتراض التي دامت عقداً من الزمن من جانب المستهلكين الصينيين، فمن المرجح أن تتفاقم الأزمة.
وتشير التقديرات إلى أن ديون الأسر تضاعفت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 64% خلال العقد الماضي.
تحتاج بكين إلى أخذ زمام المبادرة للمضي قدماً في الإصلاحات التي تتعامل مع حالات التخلف عن السداد والإفلاس بطريقة أكثر شفافية وإنصافاً، ليس فقط للأفراد، ولكن للشركات أيضاً.
وإذا لم يحدث ذلك فسيعرقل قضية التحول إلى نموذج نمو يعتمد بشكل أكبر على المستهلك، كما يدعو صندوق النقد الدولي وغيره.
والعام الماضي أسهم الإنفاق الاستهلاكي بنحو 53% فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الصين، مقابل مستويات أعلى بكثير في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ولابد أن ينصب التركيز الرئيسي لإصلاحات اللوائح على توفير سبل العودة إلى القدرة على سداد ديونها للأشخاص المدرجين على قوائم الديون السوداء، حتى يتسنى لهم أن يأملوا في استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي في نهاية المطاف، ولعل تطبيق حزم تخفيف الديون الفردية والجداول الزمنية لتسوية الديون للأفراد هما فكرتان يقترحهما الخبراء.
لكن الإصلاح الأكثر أهمية يجب أن يكون صياغة وتنفيذ قانون جديد بشأن الإفلاس الفردي، لاستكمال القانون الحالي بشأن إفلاس الشركات المعمول به منذ عام 2007، ويمكن لبكين أن تتعلم الدروس من المخطط التجريبي الذي أطلقته عام 2021 في شنتشن والذي سمح للسكان المحليين أن يعلنوا إفلاسهم.
وعلى نطاق أوسع، يتعين على الصين أن تعالج محاباتها للشركات المملوكة للدولة على نظيراتها الأصغر حجماً المملوكة للقطاع الخاص، إذ نادراً ما تفلس الشركات المملوكة للدولة، وخاصة تلك المملوكة للحكومة المركزية، في الصين لأن البنوك المملوكة للدولة ملزمة بالتسامح مع تأخيراتها فى السداد.
لكن ما يقدر رسميا بنحو 52 مليون مؤسسة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة الحجم، إذا تخلفوا عن سداد ديونهم، يمكن للبنوك حجز أصولهم وإدراج رجال الأعمال الذين يمتلكونها في القائمة السوداء.
ويفسر التفاوت في هذا النظام ، إلى حد ما، السبب وراء ضعف أداء القطاع الخاص في الصين بشكل صارخ هذا العام، وعرقلة نموه على نطاق أوسع.
المصدر: افتتاحية فاينانشيال تايمز