انخفض مؤشر سوق الأسهم الرئيسي في هونج كونج بأكثر من الربع منذ أواخر يناير، كما يعد مؤشرها للشركات الصغيرة أقل بكثير من أدنى مستوى وصل إليه في أكتوبر 2022، أي قبل أن تبدأ الصين رفع متطلبات الحجر الصحي التي حرمت هونج كونج من السياح.
ووسط هذه الأجواء الكئيبة، وصلت الأموال المجمعة من الاكتتابات العامة الأولية إلى 37 مليار دولار هونج كونج فقط في الأشهر الـ11 الأولى من 2023، وهو المستوى الأقل منذ 20 عامًا.
ووصف سكان البر الرئيسي الصيني ساحة “إكستشينج”، حيث تقع البورصة، بأنها “خراب”، وذلك على العكس تمامًا من الحي المالي في نيويورك، الذي يتميز بتمثال برونزي لثور هائج، والساحة تتميز بجاموسين من البرونز.
تمثل الخدمات المالية أكثر من خُمس الناتج المحلي الإجمالي لهونج كونج، لذلك يصعب على المدينة الازدهار عندما لا يزدهر مصرفيوها.
في يوليو، توقع بعض المتنبئين نمو اقتصاد هونج كونج بنسبة 6% خلال 2023، لكنهم يجمعون الآن على نمواً نسبته لا تتعدى 3.3%، ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي لهونج كونج أصبح أقل مما كان عليه في 2018، أي العام السابق لاندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وهذا بمثابة نصف عقد ضائع.
حتى سوق العقارات باهظة الثمن في هونج كونج لم تسلم من المعاناة، إذ انخفضت الأسعار بنسبة 20% تقريبًا منذ ذروتها، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وخفضت المدينة، في أكتوبر، رسوم الدمغة إلى النصف بالنسبة للمشترين الأجانب ومشتري العقارات المتعددة، لتوضح بذلك شركة الأبحاث “كابيتال إيكونوميكس” أن هذا كان أول تخفيف للقيود على شراء العقارات منذ 2010.
ما الذي يفسر مشاكل هونج كونج؟
ردًا على الاحتجاجات الهائلة ضد النفوذ المتزايد للبر الرئيسي الصيني، فرضت الحكومة الصينية قانونًا صارمًا للأمن القومي، مما أدى إلى تقويض استقلال المدينة بشكل أكثر، وهذا صعب على هونج كونج الوفاء بدورها المنشود باعتبارها “حلقة الوصل الخارقة” بين الصين وبقية العالم.
منذ قمع الاحتجاجات، بذلت السلطات قصارى جهدها للتقريب بين هونج كونج والبر الرئيسي.
وسواء كانت هذه الرسالة قد ترسخت بين السكان أم لا، فيبدو أنها سادت بين المستثمرين الأجانب، الذين لا يرى بعضهم الآن سوى القليل من التمييز بين هونج كونج وبقية الصين.
لكن الحقيقة هي أن الصناعة المالية وسوق العقارات في هونج كونج ظلت قوية بعد تقديم قانون الأمن القومي في يونيو 2020.
فعلى سبيل المثال، جذبت الاكتتابات العامة الأولية ما يقرب من 329 مليار دولار هونج كونج في 2021، أي بزيادة 15% عما كانت عليه في 2018، لكنها لم تصل إلى الذروة حتى نهاية 2021.
ربما تسببت حملة القمع التي شنتها الصين على هونج كونج في ضرر مباشر أقل للأسواق المالية في الإقليم مقارنة بحملة قمع أخرى شنتها بكين ضد شركات التطوير العقاري في البر الرئيسي وشركات الإنترنت، والتي يُدرج العديد منها في بورصة هونج كونج.
تسببت القيود المالية الصارمة المفروضة على المطورين في موجة تخلف عن سداد السندات الصادرة في هونج كونج.
كما تعلم المستثمرون أن الديون الخارجية الصادرة دون ضمانات من قبل شركة تابعة أو فرعية تابعة للبر الرئيسي تهبط إلى قاع الترتيب الهرمي عندما تسوء الأمور.
إضافة إلى تقلص استقلالها الذاتي عن البر الرئيسي، تفتقر هونج كونج أيضًا للاستقلال الذاتي عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فقد اضطرت لرفع أسعار الفائدة بحدة للحفاظ على ربط عملتها بالدولار، رغم انخفاض التضخم وهشاشة انتعاشها، وقد أضرت أسعار الفائدة المرتفعة بسوق العقارات والاقتصاد الأوسع.
يقول بنك “جولدمان ساكس” إن ارتفاع تكلفة رأس المال ربما شجع الشركات على استهلاك مخزوناتها، مما ساهم في التباطؤ الحاد في النمو في الربع الثاني.
ربط العملة أيضًا يعني أن هونج كونج فقدت قدرتها التنافسية أمام بعض جيرانها، فقد ارتفعت عملتها بنسبة 6% مقابل اليوان منذ نهاية يناير، حتى مع انخفاض الأسعار في الصين، ومن المرجح أن يؤدي ضعف الصادرات والواردات القوية إلى تراجع نمو هونج كونج بأكثر من 2% هذا العام.
يذكر أن هونج كونج ليست مجرد مدينة صينية أخرى، ولو كان الأمر كذلك، لكان لديها عملة أكثر تنافسية.
عندما ألغت الصين نظام الحجر الصحي قبل عام، توقعت المحال التجارية والفنادق والمطاعم في هونج كونج تدفقًا من سكان البر الرئيسي، لكن لم يأت سوى 21 مليون زائر في الأشهر العشرة الأولى من العام، وهذا كان يمثل 52% فقط من العدد الذي وصل في نفس الفترة من عام 2018.
ويبدو أن هؤلاء الزوار ينفقون أقل أيضًا، وفي الواقع يفتح العديد منهم حسابات مصرفية ويشترون وثائق تأمين على الحياة للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة في المدينة، وبدلاً من تدفق سكان البر الرئيسي إلى هونج كونج، يسافر سكان المدينة في الاتجاه المعاكس.
ويشير بنك “سيتي جروب” إلى أن عدد المغادرين (معظمهم إلى أجزاء أخرى من الصين) يفوق الآن عدد الوافدين إلى البر الرئيسي بنسبة ثلاثة إلى واحد تقريبًا.
لكن كل هذه الكآبة لها جانب إيجابي، فإذا خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في 2024، كما تتوقع أسواق العقود الآجلة، فيجب أن يستجيب الاقتصاد المحلي في هونج كونج بقوة، وربما تعود الصفقات والزوار إلى هونج كونج مع تخفيف الظروف المالية وضعف عملة المدينة.