يمكن للعالم إطلاق لقب “تغيير ناديلا” على أحدث الاستراتيجيات التي تحاول الشركات الكبرى تبنيها، فقد يبدو الأمر وكأنه حركة شيطانية في لعبة الشطرنج، لكنه في الواقع مصطلح مفيد لاستراتيجية تتبعها ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت”.
غالبًا ما تحاول شركات التكنولوجيا اصطياد الموظفين الأذكياء من خلال ما يسمى بالاستحواذ، مثل الاستحواذ على شركة ناشئة لتوظيف الأشخاص، لكن ناديلا طورت استراتيجية جديدة تتمثل في توظيف الأشخاص وترك الشركة وراءهم.
فقد أعلنت “مايكروسوفت”مؤخرًا أنها عينت اثنين من المؤسسين الثلاثة لشركة “إنلفليكشن”، التي كانت ذات يوم واحدة من أهم شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في الولايات المتحدة، إضافة إلى العديد من موظفيها البالغ عددهم 70 موظفًا.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن مؤسسي “إنلفليكشن”، مصطفى سليمان وكارين سيمونيان، سيشرفان على وحدة الذكاء الاصطناعي في “مايكروسوفت” التي تقدم خدماتها عادةً للمستهلك، مثل روبوت دردشة الذكاء الاصطناعي “كوبايلوت” ومحرك البحث “بينج” ومتصفح “إيدج”.
تسلط الضوء موجة التوظيف الأخيرة التي أجرتها “مايكروسوفت”، عقب استثمار 13 مليار دولار في “أوبن أيه أي” وشراكتها الأخيرة مع شركة “ميسترال” الفرنسية، على عزم الشركة التحالف مع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة الطموحة والسيطرة على السوق، وهذا يظهر في كونها كانت من أوائل الداعمين لـ”إنلفليكشن”.
كما أن النشاط المفرط للشركة، المصحوب بكثير من ضجيج المستثمرين حول الذكاء الاصطناعي، ساعد “مايكروسوفت” على الظهور من جديد باعتبارها الشركة العامة الأكثر قيمة في العالم بقيمة سوقية تبلغ 3.1 تريليون دولار، أي أكثر من جميع الشركات المدرجة في مؤشر “فوتسي 100” في لندن مجتمعة، متجاوزة منافستها اللدود “جوجل”.
توضح الخطوة التي اتخذتها “مايكروسوفت” التدافع للحصول على أفضل الباحثين بين أكبر شركات التكنولوجيا في العالم اد يراهنون على مطالبهم في اقتصاد الذكاء الاصطناعي المستقبلي.
وحتى المهندسين المبتدئين نسبياً في شركات الأبحاث الرائدة العاملة على تطوير النماذج الأساسية للذكاء الاصطناعي، مثل “أوبن أيه أي” و”ديب مايند”، يمكنهم الحصول على أجور مكونة من سبعة أرقام، كما أنهم يحصلون على عروض عمل عديدة كلما سجلوا دخولهم إلى “لينكدإن”، وقد يجني المزيد من كبار المهندسين ما يصل إلى 10 ملايين دولار.
هذه الخطوات تعد أيضًا علامة أخرى على أن اقتصاد الذكاء الاصطناعي الناشئ ربما يهيمن عليه عمالقة التكنولوجيا الأمريكية بالمال ورأس المال البشري والبنية التحتية للحوسبة السحابية اللازمة لتدريب أحدث النماذج الأساسية، مثل “جي.بي.تي-4″ التابع لـ”أوبن أيه أي”، و”جيميني” التابع لـ”جوجل”.
يقول كيفين سكوت، كبير مسؤولي التكنولوجيا في “مايكروسوفت”، إن فريق عمل “إنفليكشن”، الذي انضم إلى “مايكروسوفت”، لديه مهارات جيدة جدًا لصنع منتجات الذكاء الاصطناعي أولاً وجعلها “مبهجة ومفيدة” لتطبيقات مختلفة، “أنت فقط بحاجة للكثير من المواهب”.
لم يتضح بعد النهاية التي تنتظر “إنفليكشن”، التي كان يُنظر إليها ذات يوم باعتبارها واحدة من أكثر شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة إثارة ووفرة للموارد في العالم بعد أن أطلقت روبوت الدردشة “بي أي” خلال العام الماضي.
في يونيو، جمعت شركة “إنفليكشن” 1.3 مليار دولار من من مستثمرين بارزين مكونين من شركات وأفراد، مثل “مايكروسوفت” و”إنفيديا” وبيل جيتس وريد هوفمان، الذي كان المؤسس المشارك الثالث لـ”إنفليكشن” والمعروف أكثر بكونه مؤسس مشارك لشركة “لينكدإن” والعضو في مجلس إدارة “مايكروسوفت”.
في عصر مختلف، ربما اشترت شركات التكنولوجيا الكبرى شركة ناشئة مثل “إنفليكشن” بشكل مباشر، لكنها تبدو مترددة في تقديم عروض استحواذ اليوم، نظرًا لنشاط مكافحة الاحتكار الذي تمارسه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وبدلا من ذلك، كانت شركات مثل “مايكروسوفت” و”جوجل” و”إنفيديا” و”أمازون” ضمن المستثمرين الأكثر نشاطًا في الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وغالبًا ما يتاجرون بالقدرة الحاسوبية والرقائق الدقيقة المتطورة مقابل حصة مالية بهذه الشركات.
واجتذب ظهور هذه الشبكة المترابطة من الشركات والشركات الناشئة بالفعل تدقيق الجهات التنظيمية، فقد أطلقت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية في يناير تحقيقًا بشأن خمس شركات تكنولوجية تعمل بهذا المجال.
لا شك أن المنافسة على هذا المستوى من المواهب شديدة، فصندوق “جاكوبس” لديه فريق عمل داخلي متخصص يجوب العالم بحثًا عن خبراء الذكاء الاصطناعي للانضمام إلى شركات محفظته.
كما تستهدف بعض الدول، مثل كندا وسنغافورة والإمارات، شركات ذكاء اصطناعي ناشئة واعدة في أوروبا وتغريها بنقل مقراتها.
ورغم أن شركات التكنولوجيا الأمريكية الخمس ذات الأموال الكبيرة، وهي “أمازون” و”أبل” و”جوجل” و”ميتا” و”مايكروسوفت”، قد تبدو في أفضل وضع لاقتناص أفضل المواهب، إلا أن معظم الناس لا يرغبون في العمل في شركة عملاقة على الساحل الغربي، فاستراتيجية “تغيير ناديلا” لها حدودها.
وكنتأن الإمارات والسعودية والعديد من دول الشمال وكوريا الجنوبية برزت كمستوردين صافيين لعلماء الذكاء الاصطناعي، حيث كان عدد الذين ينتقلون إلى بلدانهم للعمل أكبر من أولئك الذين يغادرونها.
كما أصبحت بعض الشركات الصناعية الوطنية الرائدة، مثل “سيمنز” في ألمانيا و”سامسونج” في كوريا الجنوبية، و”أيه.إس.إم.إل” في هولندا، من كبار أرباب العمل لمهندسي الذكاء الاصطناعي.