مكاسب الإنتاجية يمكن أن تصبح أقل كثيرا من التوقعات
برز الذكاء الاصطناعي باعتباره أكثر التكنولوجيات الحديثة إثارة للاهتمام في عالم الأعمال.
فقد كان الحماس بشأنه قويًا بشكل خاص في آسيا، إذ أصبح سباق تبني الذكاء الاصطناعي ضرورة استراتيجية.
من تكتلات الأعمال إلى ورش العمل في القرى الصغيرة، تعمل الشركات بشغف على دمج حلول الذكاء الاصطناعي ذات مستويات التعقيد المتفاوت في أماكن عملها، مدفوعة بالاعتقاد بأن التكنولوجيا قد تعزز الإنتاجية بشكل كبير وتضعها في وضع أقوى وسط منافسة شرسة في السوق.
ومع ذلك، غالبًا ما يتم التغاضي عن تكاليف الموارد البشرية والعواقب غير المقصودة التي قد تُحبط الغرض الأساسي من استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق كفاءة أكبر.
ودون مراجعة دقيقة لممارسات الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تتعرض الشركات لخسائر كبيرة على صعيد السمعة والمالية عند تعديل وتوسيع لوائح الذكاء الاصطناعي والبيانات.
النقطة الأولى التي يجب ملاحظتها هي أن قادة الأعمال غالبًا ما يقللون من أهمية الجهد البشري المطلوب لبدء العمل على أنظمة الذكاء الاصطناعي والحفاظ عليها.
فقد يتطلب تصميم الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ومناسب لسياقات تشغيلية معينة تدخلاً بشريًا كبيرًا، ويجب أن يتحمل البشر عبء جمع البيانات وتصنيفها وتنظيفها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.
ويُكلف الموظفون البشريون أيضًا بترجمة أهداف العمل إلى تنسيقات مفهومة للذكاء الاصطناعي، وبعيدًا عن الإعداد الأولي، عادةً ما تكون هناك حاجة إلى إشراف بشري مستمر لتصحيح الأخطاء وتقديم الملاحظات لإجراء التعديلات.
يذكر أن عبء هذا العمل لا يقع على عاتق متخصصي الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يقع أيضًا على عاتق الموظفين العاديين الذين يتفاعلون مع الذكاء الاصطناعي ضمن مهامهم العادية.
في الوقت نفسه، يمكن للذكاء الاصطناعي إبطاء العمليات إذا لم تصل الأنظمة بعد إلى الأداء الأمثل، وقد يتطلب ذلك من الموظفين البشريين تخصيص وقت كبير لمساعدة الذكاء الاصطناعي بدلاً من تنفيذ المهام المخططة.
ويمكن أن يكون عدم التطابق بين التكاليف والفوائد المحققة من الذكاء الاصطناعي مرهقًا بشكل خاص للشركات الصغيرة، التي قد تواجه خطر استنزاف الموارد بتحولها السريع نحو الذكاء الاصطناعي إذا لم توضع النفقات المطلوبة لتحقيق الأداء الأمثل في الاعتبار.
ثمة نقطة ثانية يجب ملاحظتها وهي أن الشركات غالبًا ما تفشل في تقدير مدى تعقيد ردود الفعل البشرية تجاه الذكاء الاصطناعي، وبالتالي بدلاً من العمل بجدية أكبر وأسرع في ظل مراقبة إنتاجية الذكاء الاصطناعي، يطور بعض العمال استراتيجيات مضادة للتلاعب بالنظام لصالحهم.
وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على حلول الذكاء الاصطناعي الأقل تطورًا، والتي غالبًا ما تحقق هدفًا واحدًا على حساب هدف آخر، مما يعيق مصالح الشركة على المدى الطويل.
فعلى سبيل المثال، تُستخدم أنظمة إدارة الذكاء الاصطناعي في الصين بشكل شائع لمراقبة أنشطة الموظفين وتعيين المهام وتقييم أداء الموظفين، ثم يتعلم بعض الموظفين تقديم سلوكيات “مُرضية للذكاء الاصطناعي”.
يبذل الموظفون أيضًا جهدًا إضافيًا لضمان تعرف النظام على عملهم، فقد تحدث أحد العمال عن قضاء وقت أكثر في كتابة مذكرات العمل وتحديث سجلات النظام الخاصة بعمله بدلاً من إنجاز المهام فعليًا، وهذا النوع من التطور قد يعيق نمو الشركات على المدى الطويل.
النقطة الثالثة، يمكن أن يثير الاندفاع نحو الذكاء الاصطناعي مخاطر جديدة تتعلق بالامتثال وأمن البيانات بالنسبة للشركات، فقد جمعت الشركات بيانات وفيرة للتدريب النموذجي لتحقيق أقصى فائدة من وظائف الذكاء الاصطناعي.
يمكن أن تنتهك هذه الأنواع من الممارسات قانون حماية المعلومات الشخصية الصيني لعام 2021، والذي يصنف المعلومات البيومترية والسجلات الصحية الطبية ومعلومات الحساب المالي ياعتبارها بيانات حساسة، كما تخضع الشركات لغرامات تصل إلى 50 مليون يوان (6.9 مليون دولار)، أو 5% من الإيرادات المحققة في العام السابق، نظير سوء التعامل مع مثل هذه البيانات.
يمكن أن تكون الشركات أيضًا مسؤولة عن الممارسات غير اللائقة بموجب المتطلبات الصينية الجديدة بشأن شفافية البيانات وأمنها ودقتها.
فخلال 2022، تكبدت شركة نقل الركاب الصينية “ديدي جلوبال”، والتي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لمطابقة العملاء والسائقين وحساب الأسعار وتحسين المسارات، غرامة قدرها 8 مليارات يوان بسبب انتهاكات قانونية، مثل جمع معلومات عن الركاب بما فيها معلومات متعلقة بالوجه وعناوين المنازل ومعلومات الهاتف.
يذكر أن الشركات التي تفتقر إلى بنية تحتية حاسوبية قوية لحماية البيانات الشخصية المخزنة قد تكون عرضة لانتهاكات البيانات.
ففي 2019، سُربت قاعدة بيانات تحتوي على ملفات تعريف 33 مليون باحث عن عمل صيني، بما فيها معلومات الاتصال وتاريخ العمل والأجور.
وبعد ذلك بعام، فرض مكتب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة غرامة قدرها 500 ألف جنيه إسترليني (630 ألف دولار) على شركة طيران “كاثي باسيفيك” في هونج كونج لفشلها في تأمين بيانات العملاء بشكل مناسب من المتسللين.
رغم أن الخوف من التخلف عن المنافسين في اعتماد الذكاء الاصطناعي قد يكون أمرًا شاقًا، فإن التثبيت المتسرع لأنظمة الذكاء الاصطناعي قد يكون ضارًا بنفس القدر.
ثمة العديد من المتغيرات التي تؤثر على ما إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي سيكون مناسبًا للشركة، ويجب على قادة الأعمال أن يكونوا على دراية بالعواقب المحتملة غير المقصودة والمخاطر القانونية، ومن المحتمل أن تتجاوز تكاليف الذكاء الاصطناعي الفوائد التي تعود على غير الحذرين.