ضغوط مستمرة من الولايات لتنويع سلاسل التوريد بعيدا عن بكين
تشهد العلاقات التجارية بين الصين جيرانها في آسيا تحولاً جذرياً.
فعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، قلصت معظم اقتصادات المنطقة صادراتها إلى الصين، كحصة من إجمالي صادراتها، فيما رفعت وارداتها منها.
وفي ديسمبر، تجاوزت الولايات المتحدة، الصين كوجهة رئيسة لصادرات كوريا الجنوبية وتايوان.
وبشكل عام، انخفضت حصة صادرات المنطقة المتجهة إلى الصين إلى 17.9% في فبراير مقارنة بذروة بلغت 22% في أبريل 2021، وهذا الانخفاض يعد الأكبر على مدى ثلاثة أعوام من حيث النسبة المئوية خلال عقدين على الأقل، وربما على الإطلاق.
ولا يقتصر الانخفاض على حصة الصادرات الآسيوية المتجهة إلى الصين، بل إن الشحنات الفعلية تتراجع أيضاً، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
فعلى سبيل المثال، في الأشهر الـ12 حتى فبراير، بلغت قيمة صادرات المنطقة إلى الصين 718 مليار دولار، وهذا يقارن مع ذروة بلغت 841 مليار دولار في العام حتى مارس 2022، ويبدو أن انخفاض الشحنات إلى الصين يحدث لسببين.
السبب الأول يتعلق بتنوع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، وسط ضغوط مستمرة من الولايات المتحدة لفصلها، وهذا أدى إلى انخفاض التجارة التي تركز على الصين.
وكانت حصة واردات الصين الآسيوية المعاد تصديرها لتلبية الطلب النهائي في أماكن أخرى 25.3% فقط من الإجمالي في الربع الأول من العام، مقارنة بنحو 41.4% في 2015.
السبب الثاني، يتعلق بضعف الطلب المحلي في الصين، الأمر الذي أثر على صادرات بقية آسيا إلى الصين.
وهذا الأمر لا يتعلق بالمستهلكين الصينيين بقدر ما يتعلق بالطلب الضعيف من الشركات الصينية، خاصة الشركات العقارية، وسط الركود الممتد في سوق العقارات في البلاد، فهناك استثناءان لهذه الاتجاهات في جنوب شرق آسيا.
فقد شهدت حصة الصين من صادرات فيتنام التجهيزية ارتفاعاً، وهو مؤشر على ظهور فيتنام كمركز تجميع جديد واندماجها المتزايد مع الصين.
كما تصدر إندونيسيا المزيد إلى الصين، معظمها من النيكل والحديد والصلب، إذ تلعب الشركات الصينية دورًا مهمًا في استراتيجية جاكرتا للتحول بعيدًا عن تصدير المعادن غير المعالجة، بما فيها الاستثمارات المتعلقة ببطاريات السيارات الكهربائية.
ورغم أن الصين تستورد كميات أقل من الدول الآسيوية الأخرى، فإنها تصدر إليها المزيد، حيث شكلت هذه الصادرات ما يقرب من 32% من إجمالي صادرات الصين في العام الماضي، ارتفاعًا من 28.2% في 2015.
وبالنسبة لدول مثل فيتنام، يعكس هذا جزئياً تحولاً تجارياً، حيث تصدر الصين المزيد من السلع الوسيطة المجمعة في فيتنام ثم يعاد تصديرها إلى الأسواق النهائية في الغرب.
لكن هذا أيضًا جزء من استراتيجية تجارية واعية تنتهجها بكين لإعادة توجيه الصادرات نحو أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا والاتحاد السوفيتي السابق، نظراً للتدقيق الأمريكي والأوروبي المتزايد بشأن زيادة صادراتها الناتج عن الطاقة الصناعية الفائضة.
وهذا التحول في العلاقة التجارية بين آسيا وبكين يعني أن العديد من الدول الآسيوية تحقق الآن فائضاً تجارياً أقل بكثير مع الصين أو حتى تعاني من عجز تجاري متزايد الاتساع.
هذه الاتجاهات ليست مجرد نقطة عابرة، بل من المرجح أن تستمر، خاصة أن الشركات المتعددة الجنسيات تتطلع إلى زيادة تنويع سلاسل توريدها بعيدًا عن الصين، مما سيؤدي إلى إبطاء العمليات التجارية التي تتمحور حول الصين.
إضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة على تكثيف التدقيق في استراتيجيات الشركات الصينية المتبعة للالتفاف حول التعريفات الجمركية والقيود التجارية، وقد تتطلع إلى سد الثغرات التي تسمح للشركة بتوجيه المنتجات عبر دول ثالثة مثل المكسيك وفيتنام، وهذا يعني أن الصين ستواصل البحث عن أسواق تصدير جديدة.
وفي ظل تمتع البلدان الواقعة في ساحتها الخلفية بنمو اقتصادي قوي، فإن الأسواق الآسيوية تشكل وجهة واضحة.
ماذا يعني هذا بالنسبة لآسيا؟
في الوقت الراهن، تسير صادرات آسيا على مسار انتعاش النمو الدوري، إذ يُتوقع استمرار ذلك بسبب تحسن دورة قطاع أشباه الموصلات وسط ارتفاع الطلب على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، فإن التفتت الجغرافي الاقتصادي والدور المتغير للصين سيكون لهما بعض التداعيات على المدى المتوسط.
منذ أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، استفادت آسيا بشكل كبير من صعودها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن يبدو الآن أن العلاقات التجارية بين آسيا والصين تشهد تغيراً يبدو أكثر هيكلة، ومن هنا، يبدو أن الوقت قد حان لكي يدرك صُناع السياسات والشركات هذا التغيير ويتكيفوا مع النظام الاقتصادي الجديد.