صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي الصيني سينضب بحلول 2035
إذا كانت التوقعات الحالية دقيقة، فإن عام 2064 سيكون العام الأول منذ قرون الذي يولد فيه عدد أقل من الأطفال مقارنة بعدد الوفيات.
وستنخفض معدلات المواليد في الهند إلى ما دون المستوى الذي شهدته أمريكا العام الماضي.
حتى في ظل الهجرة والسياسات الناجحة المناصرة للإنجاب، فلن يتبقى لسكان أمريكا سوى قدر ضئيل من النمو.
وبحلول عام 2100، سيكون هناك عدد أقل بكثير من المهاجرين الذين يمكن جذبهم، كما سيصل معدل الخصوبة في العالم إلى 1.7.
ولن تتمكن سوى جزيرتين في المحيط الهادئ وأربعة بلدان أفريقية من التكاثر فوق مستوى الإحلال.
وبالتالي، عاجلاً أم آجلاً، سيصطدم كل اقتصاد كبير بجدار ديموغرافي، وستتراكم فاتورة معاشات التقاعد والمستشفيات تحت وطأة الضغوط المالية.
ومع نقص العمالة والأفكار، قد ينهار النمو الاقتصادي بينما يتضخم الدين العام.
ويعتمد مدى الكارثة التي قد يصبح عليها الوضع على ما إذا كان صُناع السياسات يحافظون على الانضباط المالي، ويتحملون الضغوط التي يمارسها الناخبون الأكبر سنًا الغاضبون، والأهم من ذلك، أنهم على استعداد لإلحاق الألم بالسكان الآن لإنقاذ أجيال المستقبل من المزيد في المستقبل.
وذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن أمريكا وأوروبا أمامهما وقت أطول للاستعداد مقارنة بشرق آسيا، التي بدأت بالفعل تشعر بالضغوط.
وكانت كوريا الجنوبية تعاني من الشيخوخة منذ فترة، لكن لم يبدأ عدد سكانها في الانخفاض إلا خلال الأعوام الأربعة الماضية، وسيواصل الانخفاض لعقود مع موت الأجيال الأكبر سنًا، وبالتالي سيكون عدد الكوريين الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا ضعف عدد من تقل أعمارهم عن 18 عامًا بحلول 2036.
وستصل الصين إلى نقطة مماثلة بحلول 2040، وستستغرق أمريكا حتى عام 2100 للحاق بها.
مع ذلك، ستحتاج الدول الغنية إلى إنفاق 21% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على كبار السن بحلول 2050، ارتفاعًا من 16% في 2015، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وربع هذا المبلغ سيذهب إلى المعاشات التقاعدية، وسيُطلب البقية لتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية.
من الممكن أن يقلل الذكاء الاصطناعي والتقدم الصيدلاني من الميزانية، لكن التاريخ الحديث يشير إلى أن مثل هذه التطورات من المرجح أن ترفعها.
ويعتمد الحجم الدقيق للضربة الديموغرافية ليس على مدى سرعة شيخوخة السكان فحسب، بل أيضًا على ما يتوقعونه من الدولة.
وبهذا الصدد، تتمتع كوريا الجنوبية بميزة قاتمة إلى حد ما، إذ يعتقد صندوق النقد الدولي أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متواضعة تبلغ 55%، غير مستدامة على المدى الطويل، ولا تزال الحكومة تكافح لخفض عجزها إلى أقل من المستوى المستهدف البالغ 3%.
ومع ذلك، حصل القليل من كبار السن على وعود بمعاشات التقاعد الحكومية، وبدلاً من ذلك، يعيش نحو 40% منهم في الفقر، وهو أعلى معدل وسط الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ومن المرجح أن تستسلم الصين للضغوط، فبحلول 2050، سيكون لدى قادتها 100 مليون متقاعد، وجميعهم وُعدوا بمعاش تقاعدي أساسي من الدولة.
وبالفعل، يعاني ثُلث مقدمي المعاشات التقاعدية المحليين من العجز.
ويعتقد الاقتصاديون أن صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي التابع للحكومة المركزية سينضب بحلول 2035، ما لم يتخذ المسئولون الإجراءات اللازمة.
ولا شك أن معاشات التقاعد السخية في أوروبا، والتوفيرات الاجتماعية المتنامية في أمريكا، تعني أن الغرب يخاطر بمواجهة مصير مماثل، وإن كان ذلك في وقت لاحق قليلاً.
يعتمد حجم الضربة أيضًا على كيفية تكيف الاقتصادات مع عالم متدهور.
ويمكن أخذ الاقتراض الحكومي على سبيل المثال، إذ تعكس استدامته الفجوة بين أسعار الفائدة التي تسود عندما يكون التضخم مستقرًا- أو ما يسمى المعدل المحايد- والنمو الاقتصادي الذي يعزز العائدات الضريبية.
وتجلب شيخوخة السكان آفاقًا قاتمة للنمو، إذ تُظهر الأبحاث أن العمال الأكبر سنًا يميلون إلى أن يكونوا أقل مرونة عقليًا، بالتالي أقل إنتاجية.
ويمكن أن يكون تقلص عدد السكان أسوأ بالنسبة للنمو، وهو ما يعتقد الاقتصاديون أنه يتطلب التوليد المستمر للأفكار الجديدة.
وحدد تشارلز جونز، من جامعة ستانفورد، نموذجا لما يحدث في عالم يقل فيه عدد الأشخاص الذين يحلمون بالابتكارات، كما أنه يجد أن إجمالي مخزون الأفكار سينمو ببطء أكثر فأكثر، وسيتوقف النمو الاقتصادي وستتوقف مستويات المعيشة.
والأمر الأقل وضوحًا هو ما إذا كانت أسعار الفائدة ستكون منخفضة بالقدر الكافي لإبقاء نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تحت السيطرة.
ولعل المعدل المحايد، الذي يحفز التوازن بين الادخار والاستثمار في الاقتصاد، سيتتبع النمو الاقتصادي، كما يتوقع الكثيرون.
ويؤدي انتشار كبار السن إلى ارتفاع أعداد الأفراد الذين يدخرون للتقاعد، كما أن قلة الاستثمارات من جانب رواد الأعمال الشباب تعني أن هؤلاء المدخرين لن يكون أمامهم خيار سوى قبول أسعار فائدة أقل.
ومع ذلك، يختلف تشارلز جودهارت، من كلية لندن للاقتصاد، ومانوج برادان، من شركة “توكينج هيد مايكروايكونوميكس” مع هذا الرأي، فهما يعتقدان أن إنفاق المستهلكين المسنين، المدفوع من جانب المنح الحكومية المقدمة لكبار السن، قد يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة بشكل محايد.
هناك خطوات يمكن أن تتخذها الحكومات الغربية لتخفيف الضربة، فمن الممكن أن تساعد السياسة النقدية الموثوقة، التي تطمئن المستثمرين إلى أن محافظي البنوك المركزية سيسحقون على الإفراط في الإنفاق الناجم عن الشيخوخة السكانية.
وإذا تمكنت الحكومات من تقليص العجز في الميزانيات تحسباً للخطر المستقبلي، فإن هذا سيُحدث فارقاً أعظم، كما أنه لا بد من تقليص معاشات التقاعد لتتكيف المالية العامة مع متوسط الأعمار الأطول.
ويعتقد صندوق النقد الدولي أن حكومات العالم الغني ستحتاج إلى رفع سن التقاعد بمقدار خمسة أعوام بحلول نهاية القرن، حتى مع تباطؤ الزيادات في متوسط العمر المتوقع.