مع انتقال الرئاسة في إيران إلى الجناح الإصلاحي، يترقب المتابعون أولى خطوات الرئيس الجديد مسعود بيزشكيان وتأثيرها على العديد من الملفات، بما في ذلك ملف النفط الذي تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد.
يرى هومايون فلكشاهي، محلل أول للنفط والغاز في “كبلر” (KPLER)، أن انتخاب رئيس من الإصلاحيين “لن يحدث أي تغيير على سوق النفط للمدى القصير”.
لكنه لفت في تصريحات لـ”الشرق” إلى أن بيزشكيان يهدف إلى بناء علاقات جيدة مع الغرب، وهو ما يمكن أن يوصل إلى اتفاق من شأنه زيادة حجم الإنتاج والتصدير.
ارتفع إنتاج إيران النفطي في السنوات الماضية رغم العقوبات المفروضة عليها. وبلغ إنتاج البلاد من النفط نحو 3.3 مليون برميل يومياً، تُصدّر منه 1.5 مليون برميل يومياً، وذلك ارتفاعاً من نحو 700 ألف برميل في 2022، وفق تقديرات “كبلر”.
أقرت إيران في مايو الماضي خطةً لرفع إنتاجها من النفط إلى 4 ملايين برميل يومياً، وفق وكالة “تسنيم” شبه الحكومية، لكنها لم تكشف عن الجدول الزمني لتحقيق هذا الهدف.
تغييرات كبيرة
من جهته، يرى الخبير بمجال الطاقة والأستاذ الزائر في جامعة “جورج ميسون” أمود شكري أن انتخاب بيزشكيان قد يؤدي إلى إحداث تغييرات كبيرة في استراتيجيات إنتاج وتصدير النفط في البلاد؛ “لكن مدى وسرعة هذه التغييرات يعتمد أولاً على تعامل الرئيس مع المشهد السياسي المعقد في إيران”.
تعهد بيزكشيان بفتح صناعة النفط الإيرانية أمام المستثمرين الأجانب؛ “ما قد يؤدي إلى إدخال استثمارات ورؤوس أموال كبيرة وتقنيات متقدمة، ويسهم بتحقيق مستهدف تعزيز قدرة إنتاج النفط في إيران إلى ما بين 5 و7 ملايين برميل يومياً”، كما قال شكري لـ”الشرق”.
وفي حال تخفيف العقوبات، فإن طهران سيصبح لديها مساراً لتصدير نفطها بحرية أكثر، ما يتيح لها أموالاً تستطيع من خلالها زيادة الإنتاج وتطوير البنية التحتية النفطية التي ترزح تحت ضغط العقوبات ونقص الاستثمارات. كما أن خطط الرئيس لتطوير وسائل النقل العام وخفض استهلاك الوقود، قد تؤدي إلى زيادة الكمية التي تستطيع البلاد تصديرها إلى الأسواق العالمية.
ولا يستبعد شكري أن يؤدي نجاح بيزشكيان بتحقيق خطته إلى ضغوط جديدة على أسعار النفط، منبهاً إلى أن التأثير الفعلي سيعتمد على إمكانية تنفيذه لهذه السياسات بعمق وسرعة، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل سياسات الإنتاج من قِبل الدول الأخرى المنتجة للنفط، والتوترات الجيوسياسية، واتجاهات الطلب في سوق النفط العالمية.
الاتفاق مع الغرب
يُنظر إلى الرئيس الإيراني الجديد على أنه مؤيد للاتفاق النووي الذي أدى إلى رفع العقوبات عن البلاد. وفي خطاب أجراه قبل الجولة الثانية من الانتخابات، تعهد بيزشكيان بـ”انفتاح بلاده على العالم”.
كما ركز خلال المناظرتين اللتين جمعتاه بمنافسه المحافظ سعيد جليلي، على أنه يؤمن “بالمفاوضات لرفع العقوبات”، إضافة إلى “الانضمام إلى مجموعة العمل المالي، وتطبيع العلاقات المصرفية والمالية مع العالم”.
وتطرق إلى الاتفاق النووي بشكل مباشر، معرباً عن اعتقاده بأن الاتفاق “كان في مصلحة إيران”. وأضاف: “لو لم يكن كذلك، لما انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018″، معتبراً أن العقوبات المفروضة على طهران، تمثل تحدياً وعقبة أمام نمط حياة الشعب الإيراني.
واشنطن: لا تغيير في نهجنا تجاه إيران
فتح الاتفاق النووي الباب أمام إيران لتصدير نفطها، وعودة الاستثمارات الأجنبية إليها. لكن انسحاب ترامب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات، ضغط على اقتصاد البلاد، وأوصل معدلات التصدير في بعض الفترات إلى قرابة الصفر.
الانفتاح على العالم والعودة إلى تصدير النفط بمعدلات مرتفعة، يتطلب أولاً موافقة الولايات المتحدة. لكن يبدو أن توجه واشنطن عكس ذلك، إذ اعتبر المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية سامويل وريبرغ في تصريح لـ”الشرق”، أن هذه الانتخابات لن يكون لها “تأثير كبير على نهجنا تجاه إيران”، مبرراً بأن “مخاوفنا بشأن سلوك طهران لم تتغير”.
لم يغلق وريبرغ الباب أمام المفاوضات، معتبراً أن الولايات المتحدة تظل “ملتزمة بالدبلوماسية عندما تخدم المصالح الأميركية”. لكنه أضاف أن واشنطن “لا تتوقع أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جذري في توجه طهران، أو إلى احترام أكبر لحقوق الإنسان بالنسبة لمواطنيها”، مضيفاً: “كما قال المرشحون أنفسهم، السياسة الإيرانية تُحدّد من قِبل المرشد” علي خامنئي.
نفوذ المرشد
بدوره، لا يتوقع شكري أن تُحدث الانتخابات الإيرانية أي تغيير في العلاقات مع الغرب، رغم أن التوجه الجديد للرئيس سيكون محورياً، لكن في نهاية المطاف “لدى المرشد الكثير من النفوذ على أي تغييرات محتملة في العلاقات الخارجية”.
يدعم الدستور الإيراني هذه النظرية، إذ تنص المادة 110 من الدستور على أن رسم السياسات العامة لنظام الجمهورية الإيرانية والإشراف على حسن تنفيذ النظام لها من صلاحيات المرشد. كما تنص المادة 60 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يمارس “السلطة التنفيذية باستثناء الصلاحيات المخصصة” للمرشد.
“خطوة استراتيجية”
لا يستيعد شكري أن تكون عودة الإصلاحيين إلى سدة الرئاسة بمثابة خطوة استراتيجية من قِبل المرشد. فمن خلال تعيين رئيس منفتح على الحوار مع الغرب، وفي ضوء احتمال عودة ترامب المتشدد ضد إيران إلى سدة الرئاسة الأميركية، تُبقي طهران باب المحادثات مفتوحاً، “إذا كان هناك اهتمام غربي بذلك”.
وفي السيناريو الآخر، ستكون قادرة على الاستمرار في سياساتها وتحالفاتها الحالية، حتى في ظل رئيس إصلاحي. هذا السيناريو يعني أن إيران ستواصل تعزيز علاقاتها مع الدول الآسيوية والإقليمية، والتركيز على تطوير صناعاتها المحلية، وفق شكري.
تعتبر سوق الصين أساسية لقطاع الطاقة في إيران رغم العقوبات، إذ ارتفعت واردات أكبر مستهلك للطاقة من النفط الإيراني في مايو إلى أعلى مستوى في 7 أشهر.
استوردت الدولة الآسيوية 1.54 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني الشهر الماضي، وهي أكبر كمية منذ أكتوبر، وفقاً لبيانات من “كبلر”.
إنعاش
واجه الاقتصاد الإيراني المعتمد على النفط، تحديات متعددة على مدى العقود الماضية، إذ أثر التضخم المستمر والنمو المنخفض على معيشة الإيرانيين العاديين.
وأطلق خامنئي على السنة التقويمية الإيرانية الحالية اسم “عام السيطرة على التضخم” الذي وصل في مارس 2023 إلى ما يقرب من 64%، ووصل التضخم في بعض المواد الغذائية إلى أكثر من 90%.
بيزشكيان أقرّ خلال حملته الانتخابية بأن الأولوية القصوى هي إنعاش الاقتصاد، مؤكداً ضرورة تحرير سعر العملة المحلية لتوحيد سعر صرفها في السوقين السوداء والمدعومة من الدولة، مضيفاً: “علينا توفير العملة الصعبة للسلع الأساسية والدواء والغذاء”، والذي يتطلب بالدرجة الأولى إحداث قفزة في إنتاج النفط وتعزيز الموارد الدولارية من صادراته.